توسعت دائرة الشكاوى على الموظفين في القطاع العام والادارات المستقلة، بعد أن تحولت تلك المرافق الى سوق صرف للدولار الاميركي بفعل الاموال التي يتقاضاها الموظف وبالفريش دولار لقاء الخدمات التي يقوم بها وهي من ضمن واجباته الوظيفية.
تشكو سيدة في العقد السابع من عمرها، من الانتظار امام معقب المعاملات في احدى الدوائر، وتؤكد أنها رصدت أكثر من مواطن دخل متخطيا الصف ليخرج بعد خمس دقائق ومعاملته جاهزة ولدى سؤاله عن “المفتاح” يقول انه الدولار لا أكثر. بات ولاء الموظف للعملة الخضراء التي تُغطيها مرجعيته السياسية، حتى الطوابع الاميرية التي تحتاجها لمعاملاتك تتحكم بها سوق المضاربة حيث وصل سعر طابع العشرة آلاف ليرة الى مئتين وخمسين ألف ليرة لبنانية، وتختلف أسعار اخراج القيد العائلي أو الفردي بين منطقة وأُخرى، ولكن لا يقل السعر عن المئتين وخمسين ألف ليرة وفي بعض المناطق خمسمئة ألف ليرة “مع المراعاة”.
رفعت الدولة الغِطاء الرقابي عن “البخشيش” وهو في الواقع الجرمي “رشوة”، بعد ان وجدت نفسها عاجزة عن تأمين راتب وظيفي قادر على مواجهة حِمل ارتفاع الاسعار. وفي وقت ترفض الاطراف السياسية الدخول في معركة ترشيق الادارة والتخلي عن آلاف الموظفين غير المنتجين والمحسوبين عليها، قررت تلك القوى السماح بالبخشيش لقاء الخدمات الواجب توفيرها مجانا، من هنا علت الصرخة لاسيما بعد أن وصل الامر الى أروقة قصر العدل حيث باتت السمسرة “على المكشوف” وبالدولار الاميركي، ويشكو المحامون من ارتفاع نسبة السمسرة بين الكتاب والمباشرين وغيرهم من الموظفين الذين يشكون من تدهور قيمة رواتبهم قياسا لسعر السوق، فيلجأون الى طرق ملتوية ضمن نطاق وظيفتهم.
“مزرعة وفالتة” يؤكد مصدر وزاري في معرض وصفه لواقع الادارة العامة في البلاد، لافتا الى أن “قبة الباط” الرسمية حوَّلت الادارة العامة الى مجموعة من السماسرة قادرين على وقف أي ملف إن لم تحصل على بدل اتعابها بالدولار. صحيح أن الاجهزة الرقابية تحركت في بعض الادارات ولكن هذا التحرك لم يكن بحسب المصدر الوزاري ضمن اطار سياسة توقيف الشبكات وتسيير المرفق العام بالطرق القانونية، بل كان الغرض منه سياسي واستبدال منظومة بأُخرى، ومن هنا فان كل ما نسمعه عبر الاعلام ما هو الا بروباغاندا لقضاة وأجهزة رقابية مختلفة، فيما المطلوب تغيير النظام بأكمله والذهاب بالدرجة الاولى نحو مكننة الادارات العامة اسوة بالدول المتقدمة حيث يُجري المواطن معاملاته “أونلاين”.
ومع الحديث عن تفكك الدولة العميقة وارساء نظام السمسرة على أنقاض الادارات العامة، يبدو الوضع الى مزيد من التأزم لعدم قدرة الدولة على ضبط ايقاع الدولار والسماح للموظف في القطاع العام استغلال وظيفته وتقاضي الدولار لقاء الخدمات الواجب عليه أن يقدمها للمواطن، وتتراوح الاسعار بين 200 دولار وتصل الى العشرة آلاف دولار وأكثر، تبعا لدرجة الموظف وصلاحياته، وكلما ارتقى داخل السلم الوظيفي تكون حصته بالدولار أكبر، أما الموظف درجة ثالثة ورابعة، فيصل “بخشيشه” الى مئتي دولار أميركي على المعاملة.
تحولت الدولة اللبنانية الى ما يشبه سوق المضاربات والسماسرة، كل واحد له نظامه المالي وما لم يدفع المواطن ثمن الخدمة وفق التسعيرة الموضوعة فلن يحصل عليها بالواسطة.. فالامور تبدلت ونظام الدفع بات في جيب الموظف مباشرة.