تقف المدارس الرسمية على «فالق» وزارة التربية – الأساتذة المتعاقدين. فـ»الكسر» الناجم عن سنوات من إضعاف قطاع التعليم الرسمي وتهميشه، أصبح يهدّد بزلزال تربويٍ مع التحركات السريعة والعميقة لانهيار كتلة الأجور، وميوعة صفائح الحلول المعتمدة. وإن كان من المستحيل رأب الصدع، فأقلّ واجب على المعنيين تحييد التلامذة، الذين يبلغ عددهم نحو 346500، عن إرتدادات الهزّات التي ستُطبق العام الدراسي فوق رؤوسهم.
أصل المشكلة يتمثل في عدم إعطاء المعلمين/ات، ولا سيما المتعاقدين منهم، الذين يشكلون 70 في المئة من الكادر التعليمي، أبسط حقوقهم. وزارة التربية تتحجّج بعدم كفاية التمويل، والمعارضون يصرّون على ضياع الأموال في «دهاليز» حكومة الترقيع، وخروجها على شكل هندسات من مزاريب المصرف المركزي. وهم، أي الأساتذة ينطلقون لتثبيت وجهة نظرهم هذه من تصريح وزير التربية أمام لجنة التربية الوطنية والتعليم العالي والثقافة، عن الحصول على 30 مليون دولار أميركي مطلع العام الدراسي الحالي لتوَّزع على صناديق المدارس الرسمية. بالإضافة إلى حوالى 40 مليون دولار أخرى جرى الحديث عن إمكانية تدويرها من العام الماضي لدعم رواتب الأساتذة. فهذه الأموال لم تظهر رغم مرور 3 أشهر على بداية العام الدراسي.
تعليق المساعدات
«صرف هذه المبالغ متعذّر لغاية اللحظة، بحجة تطلّبها موافقة خاصة تصدر عن الحكومة. ولأن حكومة تصريف الأعمال مشلولة، ولم يجر إدراج البند في جلستها اليتيمة والأخيرة على ما يظهر، فإن الأموال لا تزال عالقة في وزارة المالية». عذر يثير تساؤلات رئيسة اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي نسرين شاهين. «إذ كيف لمساعدات مخصّصة من الخارج للمدارس الرسمية، ولدعم رواتب الأساتذة تتطلّب موافقة حكومية؟! فالأموال يجب أن تصرف بقرار من وزارة التربية المعنية. خصوصاً أنها من خارج إعتمادات الموازنة، ولا ترتّب أيّ أعباء إضافية على خزينة الدولة». أمّا التفسير المنطقي الوحيد لمنع صرفها بحسب شاهين فهو «استعمالها بالتواطؤ بين المالية والمركزي لدفع الدولارات لموظفي القطاع العام على أساس التعميم 161، أي على سعر صيرفة».
من الممكن الإستدلال على صحة التفسير الذي تسوقه شاهين، بالإستناد إلى تجربة العام الفائت. حيث جرى مثلاً التصرّف بأموال قرض البنك الدولي لدعم التعليم الشامل S2R2 لإعطاء حوافز للأساتذة، على أسعار صرف حدّدها مصرف لبنان، فيما استفاد المركزي من فرق سعر الصرف. وبحسب شاهين أكثر من 3 آلاف أستاذ لم يتقاضوا الحوافز المحدّدة بـ 90 دولاراً عن العام الماضي، بسبب تسديد 200 مليار ليرة بالخطأ لحوالى 277 موظفاً. وهذه الأموال لم تسترجع لغاية اللحظة.
إهدار الحقوق
الأساتذة المتعاقدون لم يحصلوا في المقابل على بدل النقل منذ شهر شباط 2021، رغم صدور مرسوم بإعطائهم بدل النقل في العام الماضي. كما لم يحصلوا بحسب بيان «اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي»، على العقد الكامل تبعاً للقانون 235. وقد أقرّ القانون في مادته الأولى على ما يلي: «خلافاً لأي نص آخر، وبصورة إستثنائية، ولمرة واحدة عن العام الدراسي 2021/2020، يُحفظ حقّ المدرّسين المتعاقدين في الجامعة اللبنانية والمتعاقدين في التعليم الأكاديمي والمهني في المدارس والثانويات والمعاهد الرسمية على اختلاف مسمّياتهم، في احتساب ساعات التدريس المقرّرة لهم خلال فترة الإقفال العام والتعطيل بسبب جائحة كورونا، وتستوجب البدل المحدّد بمعزل عن آلية التعليم وطرائقه، ما لم يمتنع المتعاقد نفسه عن تنفيذ ساعاته بحسب القرارات والآلية المعتمدة في وزارة التربية والتعليم العالي». ولم يتقاض لغاية الساعة أساتذة الإجرائي وأصحاب الإجازة المهنية والمستعان بهم مستحقاتهم عن العام الماضي.
التواطؤ مع السلطة
وما زاد الطين بلة إعلان رابطة أساتذة التعليم المهني والتقني الرسمي الإضراب لمدة يومين أسبوعياً إحتجاجاً على عدم الحصول على الحوافز وتصحيح الرواتب والأجور وبدلات النقل. وبالنظر إلى أن أيام التعليم في المدارس الرسمية مقتصرة على 4 أيام، فإن الإضراب الذي لا يؤمن الحقوق يعني تراجع مداخيل الأساتذة الذين يعلّمون على الساعة بمقدار النصف. وهو ما ترى فيه أوساط اللجنة الفاعلة كفيلاً بتحويل الأستاذ المتعاقد إلى ضحية تآمر «الرابطة»، أو بعضٍ من المقرّرين فيها، مع السلطة. ما سيحمّل الأستاذ المتعاقد ومن بعده التلامذة العبء الأكبر. ذلك أن المثبت في الملاك يتقاضى راتبه كاملاً بالإضافة إلى كلّ المساعدات التي أضيفت على الراتب. وعليه في حال لم يبرز حلّ شافٍ لغاية نهاية العام، فإن العام الدراسي سوف يتوقف كلياً نتيجة عجز أكثرية الجسم التعليمي عن الحضور إلى المدارس.
تدوير المساعدات
المساعدات المالية من الجهات الدولية التي يبني الأساتذة آمالهم عليها «موجودة، وغير موجودة». فبحسب الباحث في التربية نعمة نعمة تملك وزارة التربية فائضاً يقدر بحوالى 70 مليون دولار من مصدرين أساسيين:
– الأول، يقدّر بـ 30 مليون دولار، وهو ناتج عن عدم إنفاق كامل المبلغ من المشروع المعروف بـ S2R2، والمخصّص لبناء وتأهيل المدارس.
– الثاني، يقدّر بحوالى 40 مليون دولار، وناتج عن تخفيض الجهات المانحة كلفة الإنفاق على المدارس المسائية من 100 مليون دولار إلى حوالى 60 مليون دولار بسبب التراجع الكبير في سعر الصرف. ويفترض من وجهة نظرها أن يكون في حوزة الوزارة فائض بنسبة 40 في المئة عن التمويل العائد للعام الفائت.
وبرأي نعمة فإن «طلب وزارة التربية الحصول على مساعدة بقيمة 240 مليون دولار لهذا العام جوبه بالرفض من الجهات المانحة. وقد طلبت الأخيرة من الدولة صرف الأموال التي في حوزتها أولاً». وعليه فإن وزارة التربية تستطيع التصرف بحوالى 7 ملايين دولار من الاعتمادات المفتوحة لمشروع S2R2، من أجل إعطاء الحوافز على رواتب الأساتذة. فيما ستضطر حكماً إلى التفاوض مع الجهات الدولية للتصرف بباقي المبلغ.
عملية «تركيب الطرابيش» هذه، تصبّ في مصلحة مصرف لبنان الذي يستفيد من الدولارات الطازجة لإسكات موظفي القطاع العام من خلال السماح بتبديل الرواتب على منصة صيرفة، وتحقيق فائض يبلغ اليوم أكثر من مليون ليرة لكل مئة دولار. في المقابل فإن 2 مليون دولار فقط تكفي لدفع مستحقات الأساتذة المستعان بهم المقدّر عددهم بحوالى 5000 أستاذ لمدة سنة. ومع هذا تستمرّ المنظومة بهندساتها النقدية، التي لن تؤدّي إلّا إلى الخراب.