«هيدا صار عليه زيادة 15% بس أنا حبيعك إيّاه عالسعر القديم». بهذه العبارة، يردّ أحد تجار الأدوات الكهربائية على زبائنه أوّل أيام تطبيق الدولار الجمركي. استخدم زيادة غير حقيقية في الترويج لبضائعه. التفافة «ملعوبة» منه، تشي بأن التجّار اتخذوا قرارهم سريعاً بتحميل الزبون أعباء الرسم الجمركي الجديد بعد تعديل الدولار الجمركي. عملياً، الرسم ما زال على حاله، سواء كان 5% أو 20% أو 50%، إنما قيمة البضائع تغيّرت. فما كانت قيمته 1000 دولار أو 1.5 مليون ليرة ورسمه الجمركي 5% أو ما يعادل 75 ألف ليرة، أصبحت قيمته 15 مليون ليرة ورسمه الجمركي يوازي 750 ألف ليرة. لكن من سيتحمل هذا العبء الإضافي؟ على أرض الواقع، ثمة الكثير من المؤشرات التي تقول بأن التجّار ينقلون العبء إلى المستهلك عبر زيادة سعر السلعة. بعضهم يبرّر الأمر بأنها عملية استباقية تسمّى «السعر الاستبدالي»، فيما هناك من يتّهم تجّاراً آخرين بأنهم رفعوا الأسعار بما لا يترك له مجالاً للتفكير في رفعها هو أيضاً.
بيده يحمل أحد تجّار السيارات، فواتير «طازجة» صادرة عن شركة «قهوة نجار» تبيّن قيامها برفع أسعار منتجاتها بنسبة تتراوح بين 6% و7%، وأخرى مماثلة متصلة بمنتجات شركة «بروكتر أند غامبل» التي تتضمن أصنافاً كثيرة؛ من أبرزها مسحوق الغسيل «Ariel»، معجون الأسنان «كريست»، حفاضات «بامبرز»، شامبو «بانتين» و«هيد أند شولدرز»، والفوط الصحية «أولويز»… يبرّر هذا التاجر رفع أسعار السيارات بأن الشركات التجارية الكبرى رفعت أسعارها أيضاً. لا أحد يراقب هذه الأسعار أو يقمع هؤلاء المحتكرين بحجّة أنه يصعب التمييز بين مسببات ارتفاع الأسعار؛ هل مصدرها ارتفاع سعر الدولار، أو استغلال الشركات قرار تعديل الدولار الجمركي؟ حتى إن هناك احتمالاً آخر يتعلق بوجود سلع معفاة من الرسم الجمركي لكن المستهلك يجهل ذلك، وإذا كان يعلم فإنه ليس قادراً على مواجهة التاجر. السلطة وحدها تقدر على ذلك، لكنها هي أيضاً مسترخية أو غافلة عمداً عما يحصل.
في شارع مجاور، تقول موظفة مبيعات في متجر للدراجات النارية إن الآلية المعتمدة، في هذا المجال، تُعرف بـ replacement cost أو القيمة الاستبدالية لرأس المال. بمعنى أن رأس المال يجب أن يحافظ على قيمته الأصلية من جيوب المستهلكين. بهذا المعنى، فإن البعد الأخلاقي ليس عاملاً رادعاً، فما يهمّ هو الحفاظ على قيمة البضائع لدى التاجر وعلى استمراريته في السوق.
سلوك التجّار يصبح واضحاً عندما يتبيّن أن كلفة الشحن تراجعت في الفترة الأخيرة بشكل كبير، وهو انخفاض لن يترجم فعلياً بل سيحلّ محلّه رفع الدولار الجمركي. فالأسعار لم تنخفض، بل ارتفعت أكثر. يقول أحد تجّار السلع المعمّرة (براد، غسالة، قطع كهربائية…): «المستهلك لن يلحظ فرق الأسعار بسبب انخفاض كلفة الشحن بنسبة 70%. لن تكون هناك صدمة لدى المستهلك ناتجة من رفع الدولار الجمركي، بل إن المستهلك كان مهيأً منذ شباط الماضي لذلك». إذاً، بدلاً من أن تنخفض الأسعار بانخفاض كلفة الشحن، ستبقى الأسعار على مستواها ما يمنح التجّار فرصة تحميل عبء الدولار الجمركي للمستهلك.
يرفض بعض تجّار الأحذية والملابس التعليق على مسألة ارتفاع الأسعار الناتجة من الدولار الجمركي، باعتبار أن السلع التي يبيعونها باهظة الثمن واستهلاكها متدنٍّ. لا يمكن قول الأمر نفسه عن تجارة الخرضوات وتجهيزات البناء والصيانة. يتهامس بعض المقاولين عن انعكاس الدولار الجمركي على الأسعار باعتباره أمراً ضرورياً، لكنهم يغفلون أن المستهلك يدفع الثمن أيضاً. و«رغم أن العالم تعوّدت»، كما يقول تاجر الأدوات الصحية ومواد البناء، إلا أن هذا التاجر يتخوّف من المرحلة المقبلة «عند سريان تعديل الدولار الجمركي إلى 15 ألف ليرة، ما يعكس تدهوراً إضافياً في القدرة الشرائية، وهذا بدوره سينعكس على المؤسّسات، ولا سيما الصغرى التي ستتقلص مبيعاتها وتصبح مهددة بالإقفال». ويشير إلى أن الصيانة والتأهيل باتا أمراً شبه كمالي لدى المستهلكين، إلا أنه يصرّ على أن «فرق الأسعار سيكون محدوداً، بعض البضائع سيزيد سعرها بما يتراوح بين 20% و25%، إلا أن هناك أصنافاً أخرى سترتفع بوتيرة أقلّ وهذا أيضاً بفضل انخفاض كلفة الشحن».