فتحت الأزمة الحالية، المتناسلة منذ العام 2019، الباب على كل أنواع الموبقات في إدارات الدولة. وفي ظل فقدان الموظفين العموميين قدرتهم الشرائية، وعلى هامش التعطيل القسري عن العمل، بات الفساد يستشري أكثر من السابق. وبات الموظف الفاسد يجد طريقاً أسهل من السابق لاستغلال حاجة المواطن لأي معاملة، فيتم ابتزازه لدفع رشاوى بمبالغ مالية طائلة، خصوصاً في ظل التقنين في دوامات العمل المعتمدة في الإدارات.
فقدان الطوابع
وحالياً وفي ظل فقدان الطوابع من الأسواق، وبيعها في السوق السوداء بمبالغ طائلة (طابع الألف ليرة يباع بخمسين ألف ليرة) لم يعد يقتصر الأمر على شراء الطابع بمبالغ مضاعفة عشرات المرات، بل إن الإدارات لجأت إلى تحصيل ثمن الطوابع من المواطنين من دون وجود تعميم صادر عن وزارة بهذا الشأن.
فبعد وزارة العمل، وبعض الإدارات، التي بدأت باستيفاء الطوابع نقداً من المواطنين، يستوفي موظفون في وزارة التربية ثمن الطوابع أيضاً من المواطنين، لقاء تصديق معاملات، كما أكدت مصادر مطلعة. هذا على الرغم أن قانون الرسم والطابع لم يعدل بعد. واستيفاء بدل الطوابع بحاجة إلى قانون من المجلس النيابي وتعميم إداري من وزارة المالية بهذا الشأن. ورغم أن الإدارات بدأت تتناقل أخباراً عن قرب صدور تعميم من وزارة المالية بهذا الشأن، إلا أن التذرع بفقدان الطوابع من الأسواق للجوء إلى استيفاء ثمنها نقداً، لعدم تعطيل شؤون المواطنين والإدارات، مخالف للقانون، وذلك إلى حين صدور قانون جديد للطوابع، تقول مصادر مطلعة.
فساد تحت ستار الطوابع
وتتخوف المصادر من الفوضى الحالية خصوصاً أن لا صناديق مخصصة للتحصيل في الإدارات، ولا تعاميم حول كيفية استيفاء بدل الطوابع. لكن التخوف من الاستيفاء من دون وجود تعميم بهذا الشأن، يعيد فتح ملف تلقي موظفين الرشاوى لقاء تسهيل أمور المواطنين في الإدارات. فلا ضمانة في كيفية تحصيل الدولة أموالها طالما لم يعمم بعد كيفية الاستيفاء لقاء وصلٍ مالي يثبت الأمر. زد على ذلك وجود موظفين مرتشين في مختلف الإدارات. ورغم أن قضية الرشاوى ليست حديثة، إلا أن التوقيفات التي حصلت في النافعة، سابقاً، وفي الدوائر العقارية حالياً، أعادت إحياءها من جديد.
لم تتحقق الإدارة من كيفية تحصيل موظفين في وزارة التربية ثم الطوابع نقداً بعد. فالأمر ربما يقتصر على إصدار وثائق لا تحتاج إلى طوابع، ويقوم موظف ما بتلقي ثمن طوابع وهمية. وتؤكد المصادر، أن تلاعب بعض الموظفين في التربية وتلقي رشاوى من المواطنين لقاء تسهيل المعاملات، ليس غريباً عن الوزارة، كسائر إدارات الدولة. وتفاقم الوضع بعد الأزمة المالية وتراجع قيمة رواتب الموظفين، أدى إلى لجوء العديد منهم إلى استغلال حاجة المواطن للمعاملة، فيتم ابتزازه للحصول عليها. وبقاء الأمور على حالها يؤدي إلى هجرة الموظفين النزيهين لصالح الموظفين الفاسدين في الإدارات كلها، كما تؤكد المصادر.
وتضيف المصادر، أن الموظف النزيه إما ترك الخدمة أو يعمل في هذا الاتجاه. وبما أن الأجهزة الرقابية معطلة، فاستشراء الفساد سيبقى على حاله، خصوصاً أن أجهزة التفتيش باتت فارغة من الموظفين، وقيمة بدل النقل المخصصة للمهمات الرقابية ما زالت على حالها منذ ما قبل اندلاع الأزمة. وهذا لا يفتح الباب لتدخل الأجهزة الأمنية في شؤون إدارية، يفترض بالأجهزة الراقابية القيام بها، بل يؤدي إلى تحلل الإدارات.