تخوض السلطات اللبنانية غمار محاولة يائسة لضبط الأسعار المرتفعة في الأسواق التجارية، والتي تشهد حالة من الانفلات، وسط تشكيك في جدواها بالنظر إلى سوء إدارة الجهات المعنية لأزمة التضخم في ظل انهيار غير مسبوق لليرة.
واستكملت مصلحة حماية المستهلك بوزارة الاقتصاد والتجارة الخميس حملتها في العديد من مناطق البلاد لمراقبة المتاجر والمطاعم والسوبرماركت وغيرها للتأكد من التزامها بالتسعيرة المحددة.
وتأتي الحملات بعد تزايد شكاوى المواطنين من فوضى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في المحلات التي يعمد أصحابها إلى تغيير أسعار السلع عند صعود الدولار، ويمتنعون عن خفضها عند تراجعه في السوق السوداء.
وذكرت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية أن مصالح حماية المستهلك شنت حملة بمؤازرة من قوات الأمن في مدينة النبطية جنوب لبنان وتم توجيه إنذارات لعدد من أصحاب المحلات للالتزام بالقوانين.
وخلال الفترة الأخيرة قاد ناشطون بالشبكات الاجتماعية في لبنان حملة لمقاطعة المواد الغذائية والاستهلاكية احتجاجا على تغول المضاربين الذين يحتكرون السلع ويحددون الأسعار دون مبالاة بتدهور القدرة الشرائية للناس.
وتعطي هذه التحركات صورة أكثر وضوحا عن الحالة الكارثية للسكان بعد أن أصبحت الدولة عاجزة عن سد منافذ الجوع، مع بلوغ التضخم مستويات تجاوزت 170 في المئة، فيما يشير خبراء إلى أنها أكثر من ذلك بكثير.
ولا تزال الصعوبات الغذائية بالبلاد تتفاقم، حتى أصبح هذا البلد ضمن 20 دولة تعد بؤرا ساخنة للجوع إثر الأزمة الاقتصادية الحادة المستمرة منذ ثلاث سنوات، فضلاً عن تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي والحرب في أوكرانيا.
وثمة إجماع بين الخبراء والمنظمات الدولية المعنية بالغذاء بأن استعراض المؤشرات لا يكفي وحده دون تدخل دولي عاجل. كما أن على المسؤولين وضع حد للتقاعس لحل المشكلة بشكل جدي.
وباتت مظاهر الجوع تهدد الآلاف من الأسر اللبنانية، فيما اعتبرها المراقبون أنها أشد أزمة في تاريخ البلاد منذ الحرب الأهلية لعام 1975.
وتشهد البلاد أسوأ انهيار اقتصادي منذ عقود يتزامن مع شحّ الدولار وتوقف المصارف عن تزويد المودعين بأموالهم بالدولار وجعلت قرابة نصف السكان تحت خط الفقر.
وقال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أثناء افتتاح “منتدى الاقتصاد العربي” الذي تنظمه مجموعة الاقتصاد والأعمال اللبنانية في بيروت الخميس إن البلد “على مفترق طرق، خلاصته إما النهوض المنتظر أو التدهور القاتم”.
وأضاف “في حال تحقق السيناريو الإيجابي المنشود، من المتوقع أن يسجل الاقتصاد الفعلي نموا إيجابيا يتراوح بين 4 و5 في المئة عام 2023 تحركه المشاريع والاستثمار الخاص، ويساعد على استقرار سعر صرف الليرة”.
واعتبر أن السيناريو الإيجابي يتمحور حول انتخاب رئيس جديد في أسرع وقت ممكن، وتشكيل حكومة جديدة تتعهد باعتماد نهج إصلاحي حقيقي بدعم سياسي فاعل وشامل.
أما السيناريو المعاكس فسيؤدّي إلى مزيد من الركود الاقتصادي والتعثر في كافة القطاعات الذي سيؤدي بدوره إلى ضغوط كبيرة على سعر الصرف مما ينعكس خصوصا على الأوضاع الاجتماعية وعلى الأُسَر اللبنانية بشكل عام.
ولفت إلى أنه رغم الضغوط الماكرو – اقتصادية المستمرة والاختلالات المالية في ظل تشنج سياسي متعاظم عاد لبنان ليسجل اقتصاده هذا العام نموا يقارب اثنين في المئة بالقيم الفعلية.
وقال ميقاتي إن “النمو يترجم عبر عدد من المؤشرات الماكرو – اقتصادية والتي من أبرزها تحسن قطاع البناء مع ارتفاع تسليمات الإسمنت بنسبة 36 في المئة”.
وأشار إلى ازدياد عدد السياح بنسبة 70 في المئة خلال الأشهر التسعة الأولى من 2022، كما أن تحويلات العاملين في الخارج زادت بنسبة 7 في المئة عام 2022 لتبلغ 6.8 مليار دولار.