هناك عمليات مختلفة تتم على منصّة «صيرفة»، منها عمليات مقفلة خاصة بالتجّار الذين يقدمون أوراقاً تثبت حاجتهم. وهناك عمليات مخصصة لسحب رواتب القطاع العام. فوقها هناك عمليات مخصصة للأفراد ضمن سقف كان يبلغ 400 دولار شهرياً، إلا أنه في مناسبات معينة قرّر مصرف لبنان فتح السقف على مصراعيه مالياً وزمنياً، فأتاح إيداع مليارات الليرات يومياً لكل حساب. لذا، مهما كانت استفادة الأفراد، فإنها تبدو مجرّد فتات أمام العمليات المفتوحة التي تصبّ الدولارات في جيوب أصحاب الرساميل الكبيرة.
تقوم فكرة الاستفادة من العمليات التي باتت تُعرف باسم «صيرفة» على الهامش بين سعر الدولار على منصّة مصرف لبنان، وبين سعر الدولار في السوق الحرّة. في أقصاه، تجاوز الهامش 14 ألف ليرة لكل دولار، فيما لم يتدن أقلّ من 3 آلاف ليرة. هذا الأمر يتم بشكل شبه متواصل منذ أكثر من سنة، وإن كان مصرف لبنان قد عدّل أكثر من مرّة سقوف العمليات المسموح القيام بها. فعندما يكون السقف مفتوحاً والهامش واسعاً يتهافت أصحاب الحسابات المصرفية على تنفيذ العمليات وتحقيق أرباح سهلة وسريعة وشبه مجانية لولا العمولات التي تقتطعها المصارف لحسابها. وعندما يكون الهامش ضيّقاً تتقلّص وتيرة العمليات. وكل ذلك ينعكس في حجم التداول المسجّل على «صيرفة». المستفيدون هم أصحاب الحسابات المصرفية، ويمكن تقسيمهم إلى فئات: أفراد موظفون في القطاعين العام والخاص، أفراد ينوبون عن أولادهم أو أقربائهم في تحريك الحسابات، تجّار وأصحاب محلات بيع بالتجزئة.
أرباح «صيرفة» تشبه السحر. لكن حساسيتها لا تقتصر على سهولتها، بل في أنها دخل إضافي يسعى الجميع للحصول عليه في ظل ارتفاع الأسعار 16 ضعفاً مقابل تصحيح للأجور لا يتجاوز 4 أضعاف. لذا، قد يكون مفهوماً هذا التهافت على العمليات.
منذ بضعة أشهر أتيح لموظفي القطاع العام تحويل رواتبهم على منصّة «صيرفة». وإلى جانب ذلك أتيح لهم الاستفادة مع أصحاب الحسابات المصرفية الأخرى من إيداع أموال بالليرة وتحويلها على «صيرفة» ضمن سقف 400 دولار، علماً بأن بعض المصارف يطلب تبريراً لمصدر هذه الأموال لتبديد الشكوك بأن هذه العمليات عبارة عن تبييض للأموال. وعندما أصبحت العمليات مفتوحة السقف انخرط فيها الأفراد والتجار الذين يملكون مدخرات نقدية جاهزة للاستعمال، ما أدّى إلى ارتفاع قياسي في قيمة العمليات المسجّلة على «صيرفة». وضمن السقف المفتوح، تتضح الصورة أكثر. فمن يملك كميات أكبر من المال، سيستحوذ أكثر على الأرباح الناتجة من فروقات أسعار الصرف المتعددة. فمن يملك محطة مبيع مشتقات نفطية، أو لديه سوبرماركت، ستتاح له كمية أكبر من المبالغ النقدية التي يجمعها. وبإمكان هذه الفئات أن تجمع كميات كبيرة من الليرات يومياً، بالتالي سيكون لديها حظ أكبر في الاستفادة من «صيرفة». وإلى جانب ذلك فإن التجار وبائعي التجزئة يشترون الدولارات على سعر المنصّة البالغ اليوم 38 ألف ليرة، لكنهم يبيعون البضائع في السوق على أساس سعر صرف السوق الحرّة الذي بلغ أمس 45 ألف ليرة.
ثمة اعتقاد بأن هذا الهامش من الربح السريع يستخدمه حاكم مصرف لبنان لتهدئة المودعين الذين احتجزت ودائعهم وموظفي القطاع العام الذين تآكلت القوة الشرائية لرواتبهم. لكن حجم التداول الكبير واليومي لمنصّة صيرفة يعني وجود شركات أو أشخاص يملكون كميّات كبيرة من الليرة اللبنانية ويستغلون المنصة لتحقيق ربح سريع، إذ إن العملية لا تستغرق أكثر من 72 ساعة كحد أقصى من لحظة إيداع المبلغ في المصرف إلى حين استحصال ما يعادله من الدولار.