لا يُمكن لأيّ خبير إقتصادي أو عالم بهذا الشأن أنْ يتفاءل تجاه الوضع الإقتصادي المتردي، في ظل فراغ سياسي مخيف ومقاربات ترقيعية لتداعيات الأزمة التي دخلت عامها الرابع بلا أي حلول جدية وعلاجات جذرية.
هذه النظرة التشاؤمية المُتحكمة برؤية الضالعين بهذا الشأن، يُعبِّر عنها الخبير الإقتصادي والوزير السابق عادل أفيوني بقوله:
«بيحكوا بالإرتطام… الإنهيار لا قعر له»، بهذه العبارات المتشائمة يبدأ حديثه إلى صحيفة «نداء الوطن»، حيث يُشير إلى أنّ «إنهيار الليرة اللبنانيّة أمام الدولار سيبقى مُستمراً بهذه الوتيرة من دون أيّ قعر أو حدود إذا لم يتمّ إقرار وتنفيذ إصلاحات جذريّة حقيقيّة».
الدولار يتخطّى الأرقام بسهولة
أمّا عن السقف الذي من المُمكن أن يصل إليه الدولار، فيرى أفيوني أنّه «ليس هناك من مستحيل بعلم المال، فالدولار يتخطّى كل الأرقام بسهولة، ولن يكون له أي سقف علمي. وبالنهاية مستوى الدولار خاضع لآلية العرض والطلب، وما يحصل من إستمرار لطبع الليرة يؤدّي إلى طلب مستمرّ على الدولار، فالإنهيار المتسارع مستمرّ حتماً دون أيّ سقف إذا إستمرّت سياسة طبع الليرة بهذا الحجم». ويسأل «ما الذي سيوقف إنهيار الليرة اللبنانية، إذا لم تُتخذ إجراءات جديّة لوقفه؟ ويعتبر أنّ «المؤشّر الأهمّ للمواطن هو سعر الصرف».
ما هي الإجراءات التي تحدّ من الأزمة وتساهم في معالجتها؟ يُشدّد أفيوني هنا على «ضرورة إيقاف الخطط بـ»الترقيع وعالقطعة»، فالأسلوب السائد اليوم يعتمد على عمليّات ترقيعيّة ومؤقتة لن توصل الى أيّ نتيجة، وما نعيشه من إنهيار خير دليل على ذلك».
واقع مرير منذ سنوات
ووفق هذا الواقع، يرى أنّه «لمعالجة الأزمة، يتوجَّب العمل على خطّة شاملة مُتكاملة، إضافةً إلى العمل من أجل الحصول على دعم مادّي خارجي لتمويل الخطّة، وتنفيذ الإصلاحات بجديّة لإستعادة الثقة المفقودة. فما نلمسه لا يدلّ على أن هناك نيّة لدى القوى السياسيّة بتنفيذ أيّ خطة أو إصلاحات». ويستشهد هنا بما حصل مع صندوق النقد الدولي، حيث يلفت إلى أنّه «منذ ما يُقارب العام، كان من المفروض أن يتمّ إبرام إتفاق مع الصندوق مُقابل سلسلة إصلاحات، إلّا أنّه لم تنفَّذ أيّ من تلك الإصلاحات، للأسف هذا هو النمط السائد منذ عشرات السنوات والذي ندفع ثمنه (وعودٌ لا تُنفّذ، إصلاحات لا تتمّ، وقرارات لا يتّفقون عليها)».
المُودع والمواطن هما الضحيّة
ويُشدّد على «أهميّة الدعم المادّي الخارجي، فلبنان بأمسّ الحاجة إلى أموال خارجيّة لتمويل الخطط الإصلاحيّة، لأنّ المصدر الوحيد اليوم الذي تلجأ إليه السلطة لتمويل حاجاتها بالدولار هو ما تبقّى من أموال المودعين، وهذه جريمة لا بل كارثة». ويرى أنّه «في ظلّ عدم توفّر أيّ مصدر آخر لتمويل الدولة، فسيستمرّ إرتكاب المجزرة بحقّ المودعين ممّا سيُساهم بزيادة حجم خسائرهم».
وأمّا عن الحاجات الإنفاقيّة بالليرة اللبنانية، فيلفت أفيوني إلى أنّه «يتمّ تأمينها عبر عمليّات الطبع، وهو ما يؤدّي إلى إنهيار الليرة أكثر وأكثر، وكذلك زيادة بالتضخم».
وفي كلا الحالتيْن، يعتبر أفيوني أنّ «المودع والمواطن العادي هما مَن يدفعان الثمن، فيما المُستفيد هو مَن لديه موارد بالدولار، والذي هرّب أمواله من المصارف، إضافةً إلى مَن يستغلّ موقعه لزيادة إثرائه أكثر عبر المُضاربة بأسعار الدولار والتهريب». ويسأل «في ظلّ هذا الجوّ السائد من أين سيأتي الإنقاذ؟».
سعر الـ15 ألف ليرة
وعن تداعيات إعتماد سعر الصرف الرسمي للدولار 15000، يرى أنّه «حتى الساعة ليس هناك من تفاصيل دقيقة عن إنعكاساته»، إلّا أنّه يعتبر أنّ «مجرّد الإنتقال إلى إعتماد سعر الصرف 15000 يعني الإقرار والإعتراف المتأخّر (وان غير كاف) بخسائر جسيمة بالمصارف والمصرف المركزي على حدّ سواء».
والسؤال الأهمّ بالنسبة لأفيوني، هو «ما هي تداعيات هذا التغيير في سعر الصرف على ميزانيّات المصارف والمصرف المركزي؟ وما هو حجم الخسائر التي سيتمّ الإقرار بها؟»، ويؤكّد أنّ «هذا السعر إصطناعي لا يمتّ إلى الواقع والحقيقة بأيّ صلة، وهو مجرّد ترقيع للميزانيات وغير واقعي، فسعر الصرف الوحيد هو ما يتمّ تداوله بين الأفراد العاديين، وليس السعر الذي تعتمده المصارف لتغطية خسائر ميزانياتها».
وهنا يُشير أفيوني إلى أنّ «تغيّر سعر الصرف الرسمي كان سبباً من الأسباب التي حرّكت السوق السوداء، وأدّت إلى إرتفاع دولار السوق السوداء».
وأمّا عن اللجوء إلى رفع سعر صرف صيرفة، فيرى أنّه «سعر إصطناعي آخر. فسعر المنصّة هو سعر تستفيد منه قلّة من المحظوظين ويدفع ثمنه المودع». ووفق نظرته، فإنّ «أيّ سعر إصطناعي إنْ كان سعراً رسمياً أو سعر منصّة أو سعر تعاميم، هو سعر تستفيد منه فئة معيّنة، ويدفع ثمنه المودعون، فكلفته تذهب من جيْبهم. والحل الوحيد السليم هو سعر موحد وشفاف وليس اسعار على الطلب».
الدولرة وإقتصاد الكاش
ما هي نسبة «الدولرة» في الإقتصاد اللبناني؟ يُجيب: «ليس هناك رقم محدّد، لكن لا شك أنها تكبر وبشكل كبير جداً».
وعلى صعيد «الكاش إيكونومي»، يلفت أفيوني إلى أنها «تزداد وتتفاقم»، ويُشير إلى أنّ السبب في ذلك يعود إلى «عدم وجود ميزانيات واضحة للمصارف، وإستخدامها أسعار صرف إصطناعيّة، ممّا يُفقد الناس ثقتهم بالمصارف».
ويلفت هنا إلى «أهميّة الثقة»، حيثُ يعتبر أنها «هي الأساس بالعمل المصرفي، إلّا أنّها اليوم مفقودة بسبب كيفيّة تعاطي المصارف السلبي مع الأزمة، فهو تعاطٍ غير مقبول على الإطلاق، فتعامل المصارف مع العميل منذ بداية الأزمة كان تأثيره سلبياً، لذا ساد إستخدام الكاش».
ولمعالجة هذه الإشكاليّة، يُشدّد أفيوني على «ضرورة عمل المصارف على إستعادة الثقة بها وأنْ يكون لديها مصداقيّة، من خلال ميزانيات واضحة، وإعادة «الرسملة والهيكلة»، لكن طالما أن المصارف تنتهج أسلوباً مغايراً لذلك وتعمل على إخفاء خسائرها وتجاهلها، فمن أين ستأتي الثقة؟».
ويتحدّث عن «إنعكاسات ذلك على الإقتصاد عموماً»، حيث يُوضح أنّه «من غير المُمكن أن يعود الإقتصاد وينتعش من دون المصارف، فنحن بحاجة ماسة إلى مصارف سليمة لديها الشجاعة لإعادة تقييم ميزانيّاتها بشفافية وإعادة الهيكلة أيضاً بشفافية وصدق، من أجل إعادة العمل المصرفي على السكة الصحيحة».