قفل العديد من بائعي الخضار، في العاصمة بيروت ومناطق أخرى، أبواب محالهم، بعد الانهيار غير المسبوق والمتسارع لليرة اللبنانية، وتحليق الدولار ليسجل أكثر من 80 ألف ليرة. هذا الواقع، أثر بشكل رئيسي على أسعار الخضار والفاكهة، إسوة بالسلع الأساسية الأخرى، التي تحتاجها العائلة يومياً.
ففي الأيام القليلة الماضية، قفزت أسعار السلع الغذائية وتحديداً الخضار والفاكهة بشكل هستيري، وجعلت من الصعب على العديد من الأسر شراء كيلوغرام واحد من أي صنف لتناوله كوجبة رئيسية، حسب ما يؤكده عادل الخطيب، رب أسرة يتقاضى راتبه بالليرة اللبنانية. يقول لـ “المدن” لم يعد راتبي يكفي حتى لشراء كيلوغرام واحد من الخضار، سواء “بندورة” أو “خيار”، بعدما تخطى سعر هذه المنتجات، 45 ألف ليرة للكيلو الواحد. فإن أردت العائلة شراء كيلوغرام من البندورة لتناولها كوجبة رئيسية، لمدة شهر واحد من دون احتساب أي نفقات أخرى، تحتاج ما لايقل عن مليون و350 ألف ليرة، أي راتب موظف في المؤسسات العامة.
ارتفاعات هائلة
على الرغم من غياب أي رابط واضح بين انهيار قيمة الليرة وارتفاع أسعار المنتجات المحلية كالخضار والفاكهة، إلا أن بعض التجار، يعتبرون أن التكاليف الأساسية تتأثر بتحركات الدولار. بعد جولة لـ “المدن” في الأسواق اللبنانية، تبين بأن الأسعار قفزت مابين 120 إلى 200 في المائة منذ بداية شهر شباط الحالي. في بداية الشهر، لم يتخط سعر كيلوغرام البطاطا حاجز 15 ألف ليرة ووصل إلى 30 ألف ليرة، أما الكوسا واللوبياء، القرنبيط، الجزر، فقد تراوح سعرها ما بين 100 و120 ألف ليرة، بعدما كانت بداية الشهر لا تتعدى حاجز 50 ألف ليرة، أما الحشائش كالبقدونس أو الروكا، فوصلت لأكثر من 15 ألف ليرة، فيما وصل سعر الحامض إلى 30 ألف ليرة.
بالنسبة إلى أسعار الفاكهة والتي باتت من الكماليات، فلم تسلم أيضاً من الصعود الصاروخي، إذ ارتفعت أسعارها أكثر من 100 في المائة خلال أسبوعين فقط. في بداية شباط، لم يتخط سعر التفاح 20 ألفاً، والموز ما بين 15 إلى 18 ألفاً، فيما الليمون تأرجح ما بين 20 و22 ألف ليرة، إلا أن الأسعار ارتفعت ضعفاً لتتخطى حاجز 50 ألف ليرة.
لا ينفي رئيس جمعية المزارعين أنطوان حويك لـ “المدن” بأن ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية في لبنان ينذر بكارثة حقيقية، خصوصاً إن استمر استنزاف قيمة العملة. يقول لـ”المدن”: يدفع المواطن سواء المنتج أو المستهلك تبعات الفشل السياسي والاقتصادي، ولا يمكن تحميل جهة أخرى أسباب ما يحصل في الأسواق اللبنانية. فالمزارع بات رهينة “دولرة الاقتصاد”، ولا يوجد أي آليات للدعم، فلم تقدم الحكومات المساعدات أو المنح الأساسية للمزارع، سواء دعمه بسعر المحروقات، أو تأمين مستلزمات زراعية، ما رفع أصلاً التكلفة الإجمالية للمنتجات الزراعية.
من جهة ثانية، ووفق حويك، صحيح أن المزارع تأقلم مع فكرة “دولة الاقتصاد والمصاريف”، لكن ذلك لا يعني انتهاء الأزمة، بل خلق أيضاً وضعاً غير مستقر في القطاع، وخصوصاً وأن أسعار التكلفة تشهد تقلبات شبه يومية.
في الأزمة الحالية، لا ينفي، أن جزءاً كبيراً من المنتجات الزراعية يتم استيرادها، وتعطلت بالفعل بسبب إحجام التجار عن تصديرها إلى لبنان، وبحثهم عن وجهات أخرى، للحصول على الدولار الفريش. ومن جهة ثانية، هناك أيضاً أسباب خارجية، منها تعطل الإنتاج وتضرر الأراضي الزراعية في العديد من الدول، ما زاد من ارتفاع الأسعار عالمياً.
فيما اعتبر رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع ابراهيم ترشيسي، أن ارتفاع الأسعار مرتبط بالأوضاع الداخلية، فكلما انخفضت قيمة العملة، زادت التكلفة الأساسية للسلع. فعلى سبيل المثال، يتأثر النقل مع زيادة سعر صفيحة البنزين، التي تزيد التكلفة على المزارعين، حتى أن بعضهم يلجأ إلى تصدير المنتجات بدلاً من بيعها في الأسواق اللبنانية، لأنه يحتاج إلى الدولار حتى يتمكن من العيش، وبالتالي وفق ترشيشي، لا يمكن تحميل المزارع عبء ارتفاع الأسعار، لأنه أول من يتأثر بتقلبات العملة.
للبصل قصة أخرى
يتأسف محمد السبع، بائع خضار، لتبدل أحوال اللبنانيين. يقول لـ”المدن” تبدلت كثيراً عادات التسوق في لبنان، وبات العديد من الزبائن يحرصون على شراء احتياجاتهم بالحبة أو الحصة الواحدة. ويضيف: رغم قساوة هذا المشهد، لكن الوضع تأزم أكثر في الأيام الماضية، لم يتمكن الزبائن حتى من شراء حبات معدودة من الخضار أو الفاكهة، وفي مقدمة تلك السلع البصل، الذي تصدر وسائل التواصل الاجتماعي. فقد ارتفع سعر الكيلو غرام من البصل من 20 ألف ليرة بداية الشهر الحالي إلى 100 ألف ليرة، أي نحو 80 ألف ليرة. يعزو حويك ارتفاع الأسعار إلى شح الكميات المستوردة إلى لبنان. يستورد لبنان ما لا يقل عن 7100 طن، ولا سيما من مصر، وفي الفترة الماضية، باع تجار الجملة شحنات البصل المستوردة إلى لبنان، نحو ليبيا، لتحقيق عائدات مالية أفضل، حسب حويك، ما رفع بطبيعة الحال الأسعار، إذ بات سعر كيلوغرام البصل لدى تجار الجملة دولاراً واحداً، أي أكثر من 80 ألف ليرة.
يزرع لبنان سنوياً ما بين 25 و40 ألف دونم من البصل، ورغم ذلك، فإن الكميات المزروعة هذه لا تكفي لسد حاجات اللبنانيين، خصوصاً وأن جزءاً من المنتجات يتم تصديرها إلى الخارج. يتفق رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع، إبراهيم الترشيشي مع حويك في ملف بيع البصل إلى ليبيا، ورغم ذلك، يقول لـ”المدن” إن ارتفاع الأسعار ليس سببه فقط تصدير الكميات إلى الجانب الليبي، الذي دفع نحو 400 دولار للطن الواحد بدل من 350 دولار، ولكن انخفاض الإنتاج العالمي، في الهند وباكستان، لعب أيضاً دوراً في رفع الأسعار.
على الرغم من أن الأزمة الاقتصادية حولت شريحة كبيرة من المواطنين إلى فئة النباتيين، لكن رغم ذلك، فإن هذه الفئة لم تعد قادرة اليوم على شراء احتياجاتها.