تحول الطاقة يصطدم بعائق قلة المشاريع العالمية في النحاس

يعترض المسار العالمي الطويل لمسح البصمة الكربونية وتعديل أنظمة الطاقة التي تعتمد على الوقود الأحفوري مطب جديد هذه المرة يتمثل في أن ذلك التحول يتطلب كميات أكبر بكثير من النحاس وتفوق الكميات المطلوبة منه قدرة الشركات المنتجة حاليا.

ويعتبر المختصون أن هذا المعدن الذي لم يحظ بالاهتمام الكافي على الأقل في السنوات الأربع الأخيرة، الشريان الأساسي لشبكات الطاقة والمعدات الكهربائية وغيرها من المصادر والصناعات التي تعتمد عليه.

وليس واضحا ما إذا كان قطاع التعدين، الذي يتوخى الحذر عادة، سيستوعب حجم الاستثمارات اللازم لتغطية احتياجات العالم، في حين أن التعثر سيعني خروج خطة تحول الطاقة عن مسارها.

والنحاس أحد الموصلات الكهربائية المتاحة بوفرة نسبيا، ولا بديل أفضل منه، ويمكن العثور عليه في كل أنواع المنتجات، من أجهزة تحميص الخبز إلى أجهزة التكييف ورقائق أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية والسيارات الكهربائية.

وسيتطلب التخلص من الكربون في شبكات الطاقة والنقل والصناعات كميات من النحاس أكثر بكثير من المتاح. ولذا ثمة حاجة إلى مئات الأطنان منه لبناء شبكات أكثر كثافة وتعقيدا يمكنها استيعاب الكهرباء التي تنتجها مصادر بديلة لامركزية.

وتحتاج مزارع طاقتي الشمس والرياح، مثلا، إلى كمية أكبر بكثير من النحاس البالغ سعر الطن منه نحو 8900 دولار لكل وحدة طاقة تنتجها مقارنة بمحطات الكهرباء التي تعمل بالفحم والغاز.

وتشير وكالة بلومبيرغ إلى أن تحالف النحاس كوبر أليانس يؤكد أن المركبات الكهربائية تستخدم أكثر من ضعفي كمية النحاس التي تحتاج إليها السيارات التي تعمل بالبنزين.

ونتيجة لذلك، فإن الطلب السنوي مهيأ للتضاعف وبلوغ 50 مليون طن بحلول 2035، وفق دراسة أجرتها ستاندرد آند بورز غلوبال، والتي تفترض توفّر ما يكفي من المعدن الأحمر، وهو أمر غير مؤكد على الإطلاق.

ومع أن إعادة تدوير المزيد من النحاس لن توفر إمدادات جديدة بشكل كاف، فإن البديل الوحيد هو استخراج كميات أكبر، لكن التوقعات تظهر أن نمو الإمدادات سيصل إلى ذروته في 2024، إذ يبدأ عدد أقل من مشاريع التعدين الجديدة في العمل وتنضب مصادر النحاس القائمة.

ويُقدر المحللون في بنك غولدمان ساكس أن شركات التعدين ستحتاج إلى إنفاق قرابة 150 مليار دولار في العقد المقبل للتغلب على عجز يصل إلى ثمانية ملايين طن.

وللإشارة فإن العجز العالمي من معدن النحاس بلغ 441 ألف طن فقط في 2021، أي ما يوازي أقل من اثنين في المئة من الطلب على المعدن المكرر، وفقا لمجموعة دراسة النحاس العالمية.

وتشير التوقعات الحالية للسيناريوهات الأسوأ من ستاندرد آند بورز غلوبال إلى حدوث عجز بحلول 2035 يوازي نحو عشرين في المئة من الاستهلاك.

وتضررت الشركات بشكل كبير في الماضي، عندما انقلبت دورة القطاع ووجدت الشركات نفسها تعزز الإنتاج في الوقت الذي بدأ فيه تراجع الطلب.

ومنذ ذلك الحين، أعطت الشركات أولوية للقوائم المالية المُحكمة، كما باتت أكثر حذرا بالاستثمار في مشاريع جديدة، كما أن التضخم الجامع يقلص من جاذبية الإنفاق الرأسمالي الضخم جراء تكاليف الاقتراض والتشغيل.

وإلى جانب ذلك، تزداد صعوبة وكلفة العثور على المخزونات الغنية بالنحاس، كما رفع التدقيق المتزايد في معايير التعدين الاجتماعية والبيئية تكاليف الإنتاج، ووضع عراقيل أمام مسيرة التوسع.

ومثلما احتل النفط مركز الصدارة في المشهد الجيوسياسي خلال القرن الماضي، أصبح النحاس قضية أمن قومي في القرن الحالي. وتسارع الحكومات لضمان إمدادات مستقبلية لصناعاتها سريعة النمو المعتمِدة على الطاقة المتجددة.

وترجح سلسلة إمداد النحاس حاليا كفة الصين التي تنتج وتستهلك كمية كبيرة من المعادن المستخرجة من أميركا اللاتينية وأفريقيا.

وساهمت هيمنة ثاني أكبر اقتصادات العالم على معادن مثل النحاس والليثيوم والكوبالت في تحويلها إلى دولة رائدة في صناعة المركبات الكهربائية.

وتسعى الآن الدول المنافسة للصين اقتصاديا، في مقدمتها الولايات المتحدة وألمانيا، للحصول على مزيد من هذه المعادن محليا أو من حلفائها. ونادى بعض المشرّعين في الولايات المتحدة بإضافة النحاس إلى قائمة المعادن شديدة الأهمية للدولة.

وإذا اتضح أن نقص الإمدادات بالحدة التي يتوقعها محللون، فقد يتسبب ذلك في زيادة الأسعار بما يخاطر بالإضرار باقتصاديات الشبكات الذكية ومصادر الطاقة المتجددة وإبطاء تبنّيها.

ويرى بعض الخبراء أنه يمكن لمصنّعي تكنولوجيا الطاقة النظيفة تقديم العون لأنفسهم بالعثور على سبل تتيح لهم استخدام كميات أقل من النحاس في منتجاتهم. وستمثل الأسعار الأعلى على الأقل حافزا لشركات التعدين لزيادة إنتاجها.

غير أن تطوير منجم جديد يتطلب سنوات، ولذلك السبب فإنه في حال منحت دفعة جديدة من الطلب شركات التعدين الثقة لتشرع في استثمارات ضخمة جديدة فسيتطلّب الأمر قرابة عقد من الزمان للوصول إلى مرحلة الإنتاج.

ومع ذلك، يرى شق من الخبراء أن السياسات الحكومية قد تعرقل الخطط. وتسعى بلدان تملك احتياطات كبيرة من المعادن للحصول على حصة أكبر من أرباح التعدين للتعامل مع التفاوتات الاقتصادية، مما قد يؤدي إلى تثبيط همم بعض المستثمرين.

وربما تلعب العراقيل البيروقراطية دورا أيضا، فمثلا، تعطّلت مشاريع التعدين في تشيلي، وهي أكبر منتج للنحاس في العالم، بسبب الضبابية في القواعد التنظيمية. أما في بنما، فقد أصبح أحد المناجم الرئيسية طرفا في خلاف ضريبي.

ويمثل الضرر البيئي أحد المخاطر الأخرى للدول التي تدرس تنفيذ مشاريع تعدين جديدة، إذ يُستخرج النحاس من الخام باستخدام مواد كيميائية بإمكانها الوصول إلى المياه الجوفية وتلويث الأراضي الزراعية والقضاء على الحياة البرية، وتلويث مياه الشرب.

ووفقا لباحثين في جامعة كوينزلاند في أستراليا فإن مخلفات النحاس، وهي نفايات الصخور الناتجة عن معالجة الخام، مهيأة لتصل بمعدل سنوي إلى 16 غيغا طن في 2050 بعدما بلغت 4.3 غيغا طن خلال 2020.

ويقول الخبراء إن ذلك لا يمثل مشكلة بيئية فقط، بل إنَّ كلفة التخزين الإضافية قد تبلغ 1.6 تريليون دولار، بحسب التقديرات، وهو مبلغ ضخم للغاية.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةافتتاح معرض الخليج للأغذية 2023 في دبي بمشاركة واسعة لعلامة “صنع في روسيا”
المقالة القادمةاعترافات أولية للموقوفين بملف الصيارفة: من يُطلق سراحه ومن يستمر سجنه؟