أطلقت مبادرة “غربال” تقريرها السنوي الخامس عن “الشفافيَّة في الإدارات العامَّة اللبنانية للعام 2022” والذي عالج هذا العام موضوع “القروض والمنح التي حصلت عليها الدولة اللبنانية بإداراتها ومؤسساتها وهيئاتها ومجالسها وصناديقها من العام 2001 حتَّى العام 2021”. تخلّل الإطلاق عرض لنتائج التقرير ونقاش حولها وكذلك حول تقرير ديوان المحاسبة الخاص بموضوع الهبات بين التشريع والواقع مع النائبة د. حليمة القعقور ورئيسة الغرفة الرابعة في ديوان المحاسبة القاضية نيللي أبي يونس ومدير مبادرة سياسات الغد سامي عطالله والمدير التنفيذي لمبادرة غربال أسعد ذبيان.
96 إدارة لم تردّ و80 إدارة أعطت معلومات ناقصة
عرضت مديرة البرامج في “غربال” كلارا بو غاريوس نتائج التقرير خلال اللقاء، فقالت: “في العام 2022 قدّمت مبادرة “غربال” طلبات معلومات للإدارات العامة اللبنانية، عملاً بقانون حق الوصول للمعلومات وتعديله، وطلبت من الإدارات لائحة تتضمّن كلّ القروض والمنح التي حصلت عليها من سنة 2001 وحتى سنة 2021 سواء من جهات محليَّة أم أجنبيَّة”. وشرحت بأنه من أصل 204 إدارات قدّمت لها طلبات المعلومات، هناك 96 إدارة لم تردّ أبداً و108 إدارات ردّت، من بينها 28 أعطت المعلومات المطلوبة كاملة و80 إدارة لم تعط المعلومات كاملة، وتتوزّع الإجابات كالتالي: 15 رفضت إعطاء أيّ معلومة، 3 أعطت إجابة عن عدد سنوات أقلّ من المطلوب، و61 أفادت أنّها لم تأخذ أيّ قرض أو منحة خلال 20 سنة وإدارة واحدة أحالتنا خطيّاً إلى سلطة الوصاية”. وكشفت أنه من 28 إدارة أعطت إجابة كاملة، حصلت “غربال” على معلومات عن 1,089 قرضاً ومنحة بقيمة 9.8 مليارات $ من قبل 228 جهة. وأشارت بو غاريوس إلى أنه من اللافت أن 45 إدارة ردّت عبر البريد الإلكتروني، وهو رقم متقدّم عن السنوات الماضية.
البنك الدولي والصندوق العربي الأكثر إقراضاً ومنحاً للبنان
وشرحت بو غاريوس أنه في تحليل نتائج إجابات الـ28 إدارة، تبيّن الآتي:
– تصدّر مجلس الإنماء والإعمار الجهات المستفيدة من القروض والمنح بلبنان، فحصل على 9.1 مليارات دولار من 555 قرضاً ومنحة.
– تصدّرت سنة 2006 التي شهدت حرب تموز، السنوات العشرين من حيث عدد وقيمة القروض والمنح، حيث حصل لبنان على 80 قرضاً ومنحة بقيمة 1.5 مليار دولار.
– تصدّر البنك الدولي الجهات المقرضة للبنان بـ1.6 مليار دولار، يليه الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي بـ1.3 مليار دولار ومن ثم البنك الإسلامي للتنمية بـ1.1 مليار دولار.
– تصدّر الاتحاد الأوروبي الجهات المانحة للبنان بـ600 مليون دولار، والمملكة العربية السعودية بـ503 ملايين دولار، ومن ثم الكويت بـ 352 مليون دولار.
وقالت بو غاريوس إنه بعد مقارنة المعلومات المتوفّرة من الإدارات مع تلك المنشورة بموجب قوانين ومراسيم في الجريدة الرسمية، تبين أن عدّة إدارات حصلت على منح وقروض بموجب قوانين ومراسيم. لكن للأسف لم تجاوب على طلب المعلومات المقدّم من “غربال”. كذلك تبيّن فروقات بين الداتا التي قدّمتها الإدارات وتلك المنشورة في الجريدة الرسمية، وذلك إمّا من حيث عدد القروض التي صرّحت عنها وليس لها أي مستند قانوني في الجريدة الرسمية، وإما من حيث تفاوت قيمة بعض العقود بين ما تمّ التصريح عنه وما هو منشور في الجريدة الرسمية.
1.2 مليار دولار بدّدت من دون حل أزمة الصرف الصحي
خلال النقاش في تحليل تقرير الهبات والقروض، أشارت النائبة حليمة قعقور إلى أن “هناك سؤالاً للجهات المانحة لوزارة التربية وباقي الوزارات عن كيف وافقت على وضع هباتها في حسابات غير معروفة خارج مصرف لبنان بشكل مخالف لقانون المحاسبة العامة”. وكشفت قعقور أنها رفضت في اللجان المشتركة قبول قروض جديدة دون معرفة أين هدر القديم وقدّمت عريضة لتأليف لجنة تحقيق برلمانية بشأن 1.2 مليار دولار من القروض بدّدت دون حل أزمة الصرف الصحي ومحطات تكرير المياه في لبنان. وأعلنت قعقور أن العريضة جمعت 25 توقيعاً من الزملاء والزميلات وقدّمت في تشرين الثاني 2022، لم يرد عليها رئيس المجلس حتى الآن فيما القرض مرّر وصدّق عليه.
إحتراق ملفات وعدم احترام القواعد المحاسبية… ومخالفات بالجملة
شرحت رئيسة الغرفة الرابعة في ديوان المحاسبة القاضية نللي أبي يونس تقرير الديوان عن الهبات العامة (1993 -2022)، الذي مرّ بثلاث مراحل: “بين عامي 1993 و1996 حيث كان من المستحيل التدقيق بسبب فقدان المستندات بفعل حريق شبّ في وزارة المالية، وبين 1997 و2010 حيث لم تحترم الآليات القانونية والمحاسبية لتسجيل الهبات، وبين 2011 و2022 حيث وقعت مخالفات عديدة رغم صدور تعاميم لتنظيم تسجيل الهبات”. وعن مخالفات التفتيش المركزي في مذكرة التفاهم مع بريطانيا لتنفيذ مشروع الحوكمة (منصة Impact) بقيمة 2.5 مليون جنيه استرليني، أشارت أبي يونس إلى أن أبرز المخالفات هي: “مخالفة الأصول في توقيع مذكرات التفاهم، قبول هبة وقيدها خارج الأصول القانونية، جمع المهام الرقابية والتنفيذية، وتسليم داتا المواطنين لجهات خارجية”.
أما بالنسبة إلى حسابات الدولة اللبنانية (1997- 2017) التي يدقّق فيها ديوان المحاسبة، فكشفت أبي يونس أنه تم إنجاز حسابات الأعوام 1997 حتى 2000 و2017 حتى 2019 وبأنّ الديوان بصدد الانتهاء من حسابات 2001. علماً أن وزارة المالية لم تودع الديوان حسابات الأعوام 2020 و2021 رغم المذكّرات العديدة بهذا الشأن. وقالت: “من أبرز الملاحظات على حسابات الدولة، هو إعطاء مبلغ يفوق الـ25 مليار دولار لمؤسسة كهرباء لبنان دون اتّباع أي أصول قانونية وهي ما زالت موجودة ضمن قيود مؤقتة، ولا حلّ لها لأنه لم تصدر فيها حوالات ضمن الموازنة ولم تدفع وفق الأصول إنما طلبت الحكومة من مصرف لبنان دفعها”.
شحّ القروض والمنح في سنوات ما بعد الإنهيار
وعرض مدير مبادرة سياسات الغد سامي عطالله التحليل الذي أعدّه عن المنح والقروض المنشورة في الجريدة الرسمية التي جمعتها مبادرة “غربال”، فقال: “يمكن تقسيم العقود الثلاثة الماضية إلى 5 مراحل أساسية. ما قبل الـ2005، وما بين 2005 و2011 تركزت فيها المساعدات على إعادة الإعمار بعد حرب تموز، تليها مرحلة الحرب السورية بين 2011 و2016 التي شهدت اهتماماً دولياً وإقليمياً بقطاع الأمن، أما المرحلة الرابعة فتلك التي جرت بين 2016 و2019، التي تراجعت فيها القروض والمنح وصولاً إلى مرحلة بدء الانهيار الاقتصادي الذي اتّسم بشحّ المساعدات”. وأضاف أن إحدى الملاحظات المهمة حصول لبنان على منح في فترات الفراغ الرئاسي الثلاث، تزيد قيمتها عن قيمة القروض والمنح الممنوحة خلال عهد الرئيس ميشال عون. وأشار كذلك الى أن عهد الرئيس رفيق الحريري شهد وصول قروض بقيمة أكبر بكثير من المنح، بينما شهدت فترة تمام سلام العكس حيث طغت المنح على الأموال الممنوحة خلال الأزمة السورية. وأشار عطالله الى أن “من ينظر الى قيمة الأموال من قروض ومنح لصالح قطاع الطاقة يظن أن مشكلة الكهرباء قد تم حلّها”. هذا وقد شهدت الفترات الخمس المختلفة تفاوتاً كبيراً من حيث تنوّع مصادر التمويل وقيمته. فمن مصادر متعددة في التسعينيات الى مصادر محدودة جداً في أعوام ما بعد الانهيار.
سؤال يوجّه إلى الجهات المانحة والمقرضة حول مسؤوليتها الرقابية
أشار المدير التنفيذي لمبادرة “غربال” أسعد ذبيان، بدوره الى أن هناك 61 إدارة صرّحت بأنها لم تأخذ أي قرض أو منحة بينما في الجريدة الرسمية يتبيّن بأن بعضها حصل إمّا على قروض أو منح، كذلك صرّح بعض الإدارات عن قروض ومنح لم تنشر في الجريدة الرسمية، وهناك هبات عينية لا معلومات عنها أيضاً. وقال: “هناك سؤال يوجّه إلى الجهات المانحة والمقرضة حول مسؤوليتها بالرقابة على ما تعطيه للدولة اللبنانية”. وختم بأن مبادرة غربال تتابع بمراقبة تطبيق قانون الشراء العام عبر منصّة مناقصة بالتزامن مع التوعية على قانون الإثراء غير المشروع ومساءلة الإدارات العامة عن التزام موظفيها بتقديم تصاريحها عن الذمّة المالية والمصالح.