بعد الانهيار الكبير لبنك سيليكون فالي قد يتساءل البعض، كيف يمكن أن يتسبب انهيار مقرض لم يسمع الكثيرون به من قبل في إثارة تكهنات حول حدوث عدوى عالمية أخرى، أو حتى إعادة تشكيل الرأسمالية. ولا سيّما بعد فترة ليست طويلة من الأزمة المالية التي أطلقت مجموعة من الضمانات الجديدة.
في واقع الأمر تشير الكارثة إلى الصعوبة الكامنة في حماية الناس من صناعة قائمة في الأساس على المخاطر بل قد تكون هذه المهمة أكثر صعوبة الآن، وذلك بسبب حالة عدم اليقين الحتمية التي أطلقها الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة.
ربما كان بنك سيليكون فالي في المرتبة السادسة عشرة من بين أكبر البنوك المقرضة في الولايات المتحدة، لكن انهياره أثر على كل شيء بدءاً من الشركات الناشئة في الصين إلى أسواق الأسهم في سنغافورة.
حدث ذلك أيضًا في عصر يمكن أن تنتشر فيه الشائعات حول صحة البنك بسرعة التغريد. ربما كان التهافت المذعور على بنك سيليكون فالي والذي استنفد الودائع الأساسية فيه هو الأسرع في التاريخ.
أدى الفشل اللاحق لبنك آخر، وهو ثالث أكبر بنك في تاريخ الولايات المتحدة، إلى رفع حالة الطوارئ في هذا القطاع وانخفض المؤشر القياسي لأسهم البنوك الأميركية بشكل حاد.
وبالمثل حدث الأمر ذاته لمؤشر مشابه في أوروبا، حيث خضع بنك كريدي سويس Credit Suisse، أحد أكبر البنوك في المنطقة، لعملية استحواذ منسقة من قبل الحكومة.
بيد أن بنك سيليكون فالي كان هشاً بشكل فريد لأنه كان مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالعملاء التجاريين في صناعة التكنولوجيا (كما أنه قدم رهاناً مؤسفاً على السندات المحكوم عليها بفقدان قيمتها في عالم ترتفع فيه أسعار الفائدة).
من المؤكد أن دور البنوك الكبرى كان موضع تساؤل، فهل يجب أن تخضع البنوك المتخصصة للغاية لمزيد من التدقيق والرقابة المصرفية؟
في أعقاب الأزمة المالية العالمية قبل عقد ونصف، حاول المنظمون حشد استجابة جماعية. قامت الولايات المتحدة بتوسيع القواعد المالية مع قانون دود – فرانك في العام 2010، والذي يتطلب من البنوك الكبرى الخضوع «لاختبارات ضغط» منتظمة لقياس قدرتها على استيعاب الخسائر الفادحة (تم التراجع عن بعض العناصر لاحقاً).
أقرت المملكة المتحدة تشريعاً يطالب البنوك بـ»حماية» الخدمات المصرفية للأفراد من الخدمات المصرفية الاستثمارية الأكثر خطورة.
في حين اقترح الاتحاد الأوروبي ببساطة تفكيك البنوك الكبرى، عن طريق فصل وحدات التجزئة من الخدمات المصرفية الاستثمارية – وهي فكرة تم تأجيلها في النهاية.
قد يكون حجم ونطاق المشكلات التي ظهرت خلال الأزمة جديداً، لكن العمل المصرفي يعمل إلى حد كبير بالطريقة نفسها لفترة طويلة. في العام 1825، أدى الذعر في بريطانيا إلى إغلاق العديد من المقرضين الصغار الذين كانوا من بعض النواحي السلائف لبنك سيليكون فالي. لكن الإصلاح التنظيمي الذي تم سنه في العام التالي مكّن البنوك البريطانية من التوسع والتنويع.
بعد حوالى قرن من الزمان، كان هناك المزيد من الأخبار السيئة. حيث أفلس أكثر من 1300 بنك في الولايات المتحدة وحدها في العام 1930، ما أدى إلى حدوث انكماش اقتصادي عالمي.
بعد عدة سنوات من ذلك، حفزت إخفاقات البنوك في الهند تلك الدولة على البدء أيضاً في تأمين الودائع – وهو أمر يعتبر الآن أمراً مفروغاً منه في نظام مصرفي.
بعد فترة وجيزة من انهيار بنك سيليكون فالي، لوحظ على نطاق واسع أن التراجع عن قانون دود-فرانك لعام 2018 أعفى المُقرض من المتطلبات ذات الصلة، مثل اختبارات الجهد المنتظمة.
وأشار آخرون إلى أن الاندفاع الأخير للحصول على قروض من نظام يعرف باسم «مقرض الملاذ الأخير» يجب أن يكون ناقوس خطر.