سقف الدين الأميركي… أزمة موقوتة في وجه العالم

في الوقت الذي يترقب الاقتصاد الأميركي ومن خلفه الاقتصادات العالمية الكبرى، الحالة التي وصلت إليها أزمة ارتفاع سقف الدين القومي الأميركي وتجاوزه 31 تريليون دولار واحتمالات تفاقم العجز؛ ترى دوائر السلطة المالية في الولايات المتحدة أن تفاقم الوضع الحالي سيؤدي لكوارث كبرى تتخطى الحدود الأميركية، بينما يرى الخبراء أنها أزمة موقوتة ستعصف بالاقتصاد الدولي في مشهد مهيب.

ووفقاً لبيانات موقع وزارة الخزانة، بلغ الدين الأميركي 31.38 تريليون دولار، فيما يبلغ الحد الأقصى للدين المسموح به للولايات المتحدة 31.4 تريليون دولار، أي أنه فاق الحد المسموح به وبات يشكل خطراً حقيقياً على الولايات المتحدة الأميركية، حيث أصبح الدين العام يقارب 130 في المائة من الناتج الإجمالي لأميركا، وهو ما أشارت إليه وزيرة الخزانة الأميركية جانيت بلين حيث اعتبرت أنه في حال عدم قيام الكونغرس برفع سقف الدين، فإن البلاد ستدخل في إجراءات استثنائية، وفي حال تفاقمت أزمة سقف الدين سيؤدي ذلك إلى عدم الثقة في الحكومة والبنوك وأثر سلبي على الاقتصاد الداخلي ونمو الاقتصاد، كما سيؤدي لفقدان هيبة الدولار والاقتصاد الأميركي على الصعيدين الإقليمي والدولي.

ويرى خبراء اقتصاديون أن الاقتصادات التي ستكون أقل ضررا في حال وقوع أزمة هي البلدان الغنية بالنفط تتقدمها دول مجلس التعاون الخليجي، مرجعين ذلك إلى امتلاك تلك الدول احتياطات نقدية واقتصادية كبيرة، ولاتباعها سياسات نقدية ومالية أثبتت نجاحها على مستوى كبير جدا وساعدت في تجاوزها للكثير من الأزمات العالمية التي ألقت بظلالها على الاقتصادات العالمية، ومن أبرزها التعافي من جائحة كورونا وارتفاع نسب التضخم عالمياً.
من جانبه، قال الدكتور عبد الله باعشن رئيس مجلس إدارة تيم ون للاستشارات المالية، إن الدولار الأميركي موجود في أغلب الاقتصادات العالمية ويشارك بنحو 80 في المائة منها، بسبب قوة الاقتصاد الأميركي، وكونه الملاذ الآمن وما يحتويه من فرص استثمارية واعدة ومتنوعة وعوائد مجزية لكثير من رؤوس الأموال، ومنها أموال منطقة الشرق الأوسط، والتي يذهب كثير من مدخراتها للاستثمار في السوق الأميركي.

وأضاف الدكتور باعشن، أن تأثير أزمة الديون الأميركية على اقتصادات المنطقة يتفاوت بحسب مقدرة تلك الاقتصادات وطريقة تعاملها مع الاقتصاديات العالمية، ولا يمكن توقع تأثيرها بشكل دقيق، موضحاً أنه «إذا ما قارنا الأزمة الحالية مع الأزمة المالية العالمية في 2008 فقد كانت أقل حدة على منطقة الشرق الأوسط، ويعود ذلك إلى اتباع دول المنطقة لنهج الاقتصاد المفتوح والتركيز على الاستثمارات منخفضة المخاطر».

وتوقع الدكتور باعشن، أن يكون تأثير الأزمة على الاقتصاد السعودي محدود الأثر، مرجعاً ذلك إلى ما تمتلكه المملكة من نمو اقتصادي سنوي وبنية تحتية تشريعية مالية حديثة، وكذلك للخطوات التي اتخذتها السعودية مؤخراً ومنها التطور التكنولوجي والتقنيات المالية، وإيجاد أفضل وأحدث الممارسات المالية، بحيث تكون سلاسل الإمداد وتدفق الأموال أكثر سهولة وسرعة، وزاد بأن ما يحد من تأثير الأزمة على المملكة امتلاكها لسوق مالي كبير يحتوي على قطاعات اقتصادية في الطاقة والنفط والسياحة، وشركات واعدة في عدة مجالات وهو ما يقلل من تأثير سعر النفط أو حركة الدولار صعوداً أو هبوطاً على اقتصادها.

ولمح الدكتور باعشن إلى أن أزمة الديون الأميركية قد تفتح فرصا مستقبلية إلى توجه أموال المستثمرين العالميين إلى السوق السعودي، بسبب ما يتميز به السوق السعودي من وجوده في منطقة أكثر أمانا وأقل تقلبات من ناحية العملة أو قوة القطاع البنكي والحوكمة والرقابة المالية، وكذلك حجم القطاع البنكي وهو ما ساعد على تطوير السياسات المالية.

من جهته، قال الدكتور محمد مكني أستاذ المالية والاستثمار في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالسعودية، إن الاقتصادات العالمية تمر في المرحلة الحالية بظروف صعبة جداً، وما زالت متأثرة بتداعيات جائحة كوفيد – 19، وارتفاع نسب التضخم، مشيراً إلى أن تجاوز الدين السيادي للولايات المتحدة الأميركية لحوالي 30 تريليون دولار، واحتمال التخلف عن سداده ستكون له تداعيات كبيرة على الاقتصادات العالمية، لما يمثله الاقتصاد الأميركي من أهمية كبرى على جميع الأصعدة، حيث يُعد الاقتصاد رقم واحد في العالم.

ويرى الدكتور مكني أن الأزمة ستؤثر على الاقتصاد الأميركي من جهتين، حيث ستجعل من تكلفة الإقراض عالية جداً على الأفراد، وسوف تسرع من الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة، مضيفاً أن الأزمة ستكون مؤثرا إضافيا في الركود الاقتصادي رغم أن البوادر تشير إلى وجود ركود اقتصادي في بعض القطاعات منذ نهاية 2022.

وحول تأثيرها على منطقة الشرق الأوسط، يتوقع أستاذ المالية والاستثمار أن يكون تأثيرها الأكبر على الاقتصادات الأقل نموا في المنطقة، مشيراً إلى أن تأثيرها على اقتصادات الدول المنتجة للنفط ومنها دول مجلس التعاون الخليجي سيكون محدودا، مرجعاً ذلك إلى وجود احتياطيات اقتصادية كبيرة لديها، وكذلك السياسات المالية والنقدية اللي تبعتها دول مجلس التعاون في الفترة الأخيرة، لافتاً إلى أنها أثبتت نجاحها على مستوى كبير جدا وساعدت في تجاوز الكثير من الأزمات، ومن أبرزها التعافي من جائحة كورونا ومواجهة التضخم.

 

مصدرالشرق الأوسط - محمد المطيري
المادة السابقةالأسواق العالمية ترتفع وسط أسبوع نتائج البنوك
المقالة القادمةموظفو القطاع العام لن تخدعهم الحكومة: زيادة هزيلة للرواتب