بعد الإندفاعة القوية التي شهدها ملف التنقيب عن النفط والغاز في البحر اللبناني بفعل الإتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و”اسرائيل” في تشرين الأول 2022 بوساطة أميركية، توجهت الأنظار أخيراً نحو إتمام الإلتزامات المتفق عليها في العقد البترولي الخاص بكل من الرقعتين 4 و9. فكان لا بد كخطوة أولى إستكمال عملية تشكيل الإئتلاف الذي يتولى عملية الإستثمار في هاتين الرقعتين، بعد إنسحاب شركة “نوفاتك” الروسية منه.
في التاسع والعشرين من كانون الثاني من العام الحالي 2023، دخلت “قطر إنيرجي” كشريك ثالث في إتفاقية الإستكشاف والإنتاج المخصصة لكل من البلوكين 4 و9. بحيث وقّعت العقد وإنضمت إلى التحالف الحالي المؤلف من الشركة الفرنسية “توتال إنيرجيز” بصفتها كمشغل، والشركة الإيطالية “إيني” التي تعتبر من أكبر الشركات المشغلة في العالم.
وتمهيداً لعملية حفر أول بئر إستكشافية في البلوك رقم 9، وصلت سفينة “جانوس 2” إلى مرفأ بيروت في شباط الماضي 2023، وأجرت مسحاً بيئيّاً شاملاً لمدة ثمانية أيام. حيث تم جمع الصور لقاع البحر وتمّ أخذ عينات من المياه والرواسب ومراقبة الحياة البحرية في تلك المنطقة.
وعليه، يتم تحليل البيانات والمعلومات التي تمّ جمعها، وذلك بهدف إصدار التقرير الخاص بعملية تقييم الأثر البيئي للأنشطة البترولية المحتملة في البلوك المذكور. إذ يعتبر هذا الإجراء شرطاً أساسياً لإطلاق عمليات الحفر بما يتوافق مع المعايير الدولية والقوانين والأنظمة مرعية الإجراء.
من ناحية أخرى، وفي الثاني من أيار الحالي، قام إئتلاف الشركات الثلاث الملتزمة عملية الإستثمار والتنقيب في البلوكين 4 و9 بالتعاقد مع الحفارة التي سوف تتولى حفر البئر الإستكشافية في البلوك رقم 9. فوفق الجدول الزمني المعلن، وقعت شركة “توتال إنيرجيز” بالإتفاق مع شركائها “إيني” و”قطر إنيرجي” عقدًا ثابتًا مع “Transocean Barents” لاستئجار الحفارة التي ستقوم بعملية الحفر قبالة الساحل الجنوبي للبنان في أقرب وقت ممكن من العام 2023.
يعتبر هذا التطور خطوة رئيسية جديدة من قبل الشركات البترولية صاحبة الحق في مسار التحضير لإستكمال العمليات اللازمة للإستثمار بحسب المبادىء المنصوص عليها في دفتر الشروط وإتفاقية الإستكشاف والإنتاج الموقعة بين إئتلاف الشركات من جهة والدولة اللبنانية من جهة أخرى. وعليه، سوف تبحر منصة الحفر التي تمّ التعاقد معها إلى المياه البحرية اللبنانية، وذلك بعد الإنتهاء من إلتزاماتها الحالية في بحر الشمال البريطاني.
وفي هذا الإطار، أعلن وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض في تصريح صحافي في التاسع من أيار الحالي على هامش المؤتمر العالمي للمرافق المنعقد في أبو ظبي، أن إئتلافاً بقيادة “توتال إنيرجيز” سيبدأ عمليات التنقيب عن النفط والغاز قبالة الساحل اللبناني في مطلع أيلول المقبل، وعليه سوف يتم التأكد من وجود إكتشاف تجاري قبل نهاية العام أو عدمه.
وأضاف فياض أنه يأمل في أن يفتح أي إكتشاف الباب أمام ضخ المزيد من الإستثمارات في قطاع النفط والغاز في البحر اللبناني. فالإكتشاف المحتمل قد يحدد مسار دورة التراخيص الثانية وما إذا كان سيجري تمديد مهلة تلقي طلبات الإستثمار في الرقع البحرية الثمانية المتبقية بعد حزيران المقبل.
وقال للصحافيين: “سمعت من مشاركين ميدانيين أنهم حريصون على التوصل إلى نتيجة للحفر في منطقة الإمتياز رقم تسعة قبل أن يتخذوا قرارات بشأن مزيد من الإستثمارات أو الإلتزامات في لبنان”.
ولحين الوصول إلى موعد الحفر المنتظر، يواجه لبنان تحديات مختلفة وعلى أكثر من صعيد فيما خصّ ملف إستغلال الثروة البترولية الكامنة في البحر اللبناني، على رأسها يأتي موضوع تلزيم بلوكات جديدة وإستثمارها بعد إعتماد مبدأ التلزيم التدريجي للرقع البحرية.
وفقًا لذلك، وجب على الدولة اللبنانية الإسراع في إستكمال دورة التراخيص الثانية التي أطلقها مجلس الوزراء في نيسان 2019، وتم تأجيل المواعيد النهائية لتقديم طلبات الإشتراك فيها مرّات عدّة بسبب إنتشار جائحة كورونا وتأثيره على قطاع البترول عالميّاً. مّا أدى إلى إنخفاض القدرات المالية واللوجستية للشركات المنقبة عن البترول نظراً للضوابط الكبيرة التي كانت موضوعة على حركة التنقل العالمية، الأمر الذي أسفر عن خفض الشركات إستثماراتها الرأسمالية في قطاعي الإستكشاف والتطوير، وتجميد إلتزاماتها الجديدة في المناطق غير المستكشفة.
كان آخرها قرار وزير الطاقة والمياه رقم 3 الصادر في 23/11/2021 المستند إلى توصية هيئة إدارة قطاع البترول، والذي يقضي بإستكمال دورة التراخيص الثانية في المياه اللبنانية من خلال تحديد 30 حزيران 2023 كموعد نهائي لتقديم طلبات الإشتراك في الدورة من قبل شركات النفط والغاز. مع الإشارة إلى أن الرقع المفتوحة للمزايدة في دورة التراخيص الثانية وهي الرقع الثمانية المتبقية: 1 – 2 – 3 – 5 – 6 – 7 – 8 – 10.