حذّر صندوق النقد الدولي من «تداعيات خطيرة للغاية» على الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي، إذا تخلفت أميركا عن سداد ديونها. وحثّ الديمقراطيين والجمهوريين على التوصل إلى توافق سريع بشأن رفع سقف الدين.
صرّحت جولي كوزاك، المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي، في إحاطة صحفية الخميس الماضي، بأن العواقب المحتملة لتخلف الولايات المتحدة عن السداد، ستشمل أسعار فائدة أكثر ارتفاعاً، وحالة من عدم الاستقرار واسعة النطاق. وقالت إن ذلك من شأنه أن يضيف إلى الصدمات التي شهدتها السنوات الأخيرة، بما في ذلك جائحة «كوفيد-19»، والحرب في أوكرانيا.
قالت كوزاك: «المناقشات في الولايات المتحدة تجري في وقت عصيب على الاقتصاد العالمي. تقييمنا أنه ستكون تداعيات خطيرة للغاية، ليس فقط على الولايات المتحدة ولكن أيضاً على الاقتصاد العالمي، إذا حدث تخلُّف عن سداد ديون أميركا. ونحثّ بشدةٍ الأطرافَ في الولايات المتحدة على العمل معاً للتوصل إلى إجماع لمعالجة هذه المسألة عاجلاً».
من المقرر أن يجتمع الرئيس جو بايدن وزعماء الكونغرس بشأن قضية الديون، بعد المناقشات الأولية في وقت سابق من هذا الأسبوع.
يلين: الحل الوحيد رفع سقف الدين
بدورها حذرت جانيت يلين وزيرة الخزانة الأميركية هذا الأسبوع، من أن التخلف عن السداد «من شأنه أن يؤدّي إلى انكماش عالمي، وسيخاطر أيضاً بتقويض القيادة الاقتصادية العالمية للولايات المتحدة، ويثير تساؤلات حول قدرتنا على الدفاع عن مصالح أمننا القومي».
وأكدت وزيرة الخزانة جانيت يلين أنَّ الحل الوحيد الجيد في الأزمة الحالية هو أن يرفع الكونغرس سقف الديون الأميركية.
أوضحت يلين، في مقابلة مع تلفزيون «بلومبرغ»: «ما تحتاج الأسر والشركات الأميركية والأسواق العالمية رؤيته هو تعهد الكونغرس بسداد الالتزامات».
أضافت يلين، أثناء تحدّثها على هامش اجتماع مجموعة السبع للمسؤولين الماليين في نيغاتا باليابان: «إذا فشل الكونغرس في القيام بذلك؛ فإنَّه يضعف حقاً تصنيفنا الائتماني».
رفضت يلين توضيح الخطوات التي ستتخذها وزارتها إذا فشل الكونغرس في رفع أو إرجاء سقف الديون قبل أن تجد وزارة الخزانة نفسها غير قادرة على تغطية جميع التزامات الحكومة.
بالعودة إلى واشنطن؛ أرجأ الرئيس جو بايدن ورئيس مجلس النواب كيفين مكارثي اجتماعاً بشأن سقف الديون كان من المقرر انعقاده امس الجمعة. وقال أشخاص مطلعون على المحادثات إنَّ التأجيل كان علامة على أنَّ المحادثات على مستوى الموظفين تحقق تقدّماً.
وعلق بايدن والجمهوريون في الكونغرس في خلافات لأسابيع حول رفع حد اقتراض الحكومة الفيدرالية الأميركية البالغ 31.4 تريليون دولار. وطالب قادة الحزب الجمهوري بوعود تحقق تخفيضات في الإنفاق بالمستقبل قبل الموافقة على سقفٍ أعلى. ومن جانبه؛ أصر بايدن على إقرار زيادة «نظيفة»، على أن تسير محادثات الميزانية في مسار منفصل.
وصلت الحكومة إلى الحد الأقصى القانوني للاقتراض في كانون الثاني، ومنذ ذلك الحين، تستخدم وزارة الخزانة تدابير محاسبية خاصة لإتاحة السيولة النقدية. وأبلغت يلين الكونغرس أنَّ هذه الإجراءات قد تنتهي في الأول من يونيو.
تأثيرات تتجاوز الحدود الأميركية
من جانبها جولي كوزاك، المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي، أفادت أن زيادة أسعار الفائدة حتى الآن أضرَّت بالفعل ببعض البلدان، خصوصاً تلك التي تعاني ضائقة ديون ولديها مواطن ضعف. يقدر صندوق النقد الدولي أن 15% من البلدان منخفضة الدخل تعاني أزمة ديون، و45% معرَّضة لخطر التخلف عن السداد. كما يرى بالفعل أن النمو العالمي على مدى السنوات الخمس المقبلة سيكون الأضعف منذ أكثر من ثلاثة عقود.
دونالد ترامب لا يفهم
وانتقد الرئيس التنفيذي لبنك «جيه بي مورجان» بشدة، الرئيس الأميركي السابق «دونالد ترامب»، قائلاً إنه لا يفهم سقف الديون و»ما هو على المحك»، في إشارة إلى التداعيات المحتملة للتخلف عن السداد.
دعا «ترامب» في مقابلة الأربعاء الماضي، الجمهوريين للسماح بتخلف البلاد عن سداد ديونها، قائلًا إن ذلك سيكون أفضل لأن الإدارة الديمقراطية «تنفق الأموال مثل البحارة المخمورين».
وعلق «ديمون» في مقابلة مع «بلومبيرغ»، بأن سقف الدين هو «مجرد شيء آخر لا يعرف عنه (ترامب) الكثير»، مضيفاً أنه سيكون «كارثياً» إذا حدث. وأضاف: «كلما اقتربت منه، ستصاب بالذعر، وربما ينخفض سوق الأسهم، وستواجه أسواق الخزانة مشكلاتها الخاصة، وهذا ليس جيداً».
كما أعرب ديمون عن مخاوفه من إمكانية خفض الجدارة الائتمانية للولايات المتحدة، كما كان الحال خلال أزمة حدود الديون عام 2011.
أصل الحكاية
وعندما تسمع عبارة «سقف الديون» تشعر بالتقشف والتقييد، وكأنَّ هناك حداً أقصى للإنفاق الحكومي ممنوع تجاوزه. لكن في حقيقة الأمر، يؤثر هذا الحد الأقصى للاقتراض الحكومي الأميركي فقط على القدرة على سداد التزامات قائمة فعلاً، وليس من أجل الموافقة على أوجه جديدة للإنفاق. لكنَّه تحول مؤخراً إلى أزمة سياسية تنذر باحتمال عرقلة الأسواق المالية، إذ إنَّ الفشل في رفع السقف قد يؤدي في النهاية إلى تعثر في السداد لأول مرة على الإطلاق في بعض التزامات الحكومة الأميركية.
ما الوضع الراهن في الولايات المتحدة الآن؟
تقترب الولايات المتحدة بشكل خطير من السقف الحالي للديون الفيدرالية البالغ 31.4 تريليون دولار، وإذا وصلت لهذه المرحلة قد تفقد قدرتها على الوفاء بجميع التزامات السداد. تقول يلين إنَّ هذه اللحظة- التي تُعرف باسم اللحظة «س» (date-X)- يمكن أن تصل بحلول 1 حزيران المقبل. ومنذ منتصف كانون الماضي، تستخدم إدارتها ما يسمى بالإجراءات الاستثنائية- مثل وقف المساهمات المنتظمة لصندوق تقاعد الموظفين الفيدرالي- من أجل مواصلة سداد الديون وتأخير الدفع. وبمجرد استنفاد هذه الإجراءات؛ تصبح الخيارات أكثر صعوبة.
ما أسوأ نتائج التخلّف عن السداد؟
سيواجه عدد كبير من الأشخاص والكيانات ممن تدفع لهم الحكومة الأميركية أموالاً إجراءات لا يمكن تصورها عادةً، حيث ستشدد الولايات المتحدة الخناق عليهم (على الأقل لبعض الوقت). بما في ذلك متلقو مساعدات الضمان الاجتماعي وأفراد الجيش والعائلات التي لديها أطفال، فضلاً عن مقدّمي الرعاية الطبية، وحاملي سندات الخزانة، كما قد يقف تمويل الحكومة جزئياً.
سينتج عن التخلف في سداد أموال حاملي السندات عدة آثار متعاقبة، حيث ستخفض وكالات التصنيف الائتماني تصنيف ديون الحكومة الأميركية، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض للحكومة والشركات والأسر. ووفقاً لمجلس المستشارين الاقتصاديين؛ فإنَّ الاقتصاد الأميركي «سيتراجع بسرعة كبيرة، حيث يعتمد حجم الخسائر على طول فترة التخلف عن السداد. ومن المرجح أن يؤدي التعثر الممتد إلى أضرار جسيمة للاقتصاد، مع تراجع نمو الوظائف من وتيرته الحالية، وتحوله من تحقيق زيادات قوية إلى تراجع يصل إلى الملايين». كما أنَّ مجرد الاقتراب الشديد من سقف الديون، كما حدث في 2011، قد يؤثر على التصنيف الائتماني للولايات المتحدة ويضر بثقة المستهلك.
لماذا وضع سقف الديون من الأساس؟
أدى وضع سقف الديون في 1917 إلى تسهيل تمويل الحرب العالمية الأولى من خلال تجميع السندات مختلفة الفئات، مما خفف العبء المُلقى على عاتق الكونغرس بشأن ضرورة الموافقة على كل سند على حدة. ومع اقتراب الحرب العالمية الثانية في 1939؛ أنشأ الكونغرس أول سقف إجمالي للديون ومنح وزارة الخزانة مجالاً واسعاً بشأن السندات التي ستصدرها. كما يتيح رفع السقف للحكومة الاقتراض لتغطية الفجوة بين الإنفاق والضرائب التي وافق عليها الكونغرس بالفعل.
متى تحوّل سقف الديون إلى قضية سياسية؟
إرتفع سقف الديون بشكل متكرر دون حدوث عواقب سيئة حتى عام 1953. في ذلك العام، عُلقت الموافقة عليه بمجلس الشيوخ في محاولة لتقييد إنفاق الرئيس الأميركي آنذاك دوايت أيزنهاور، الذي طلب زيادة الأموال حتى يتمكّن من بناء نظام الطرق السريعة الوطنية. ومنذ ذلك الحين رُفع سقف الديون عشرات المرات، وكان ذلك يحدث عادة دون نشوب معركة سياسية عليه. على سبيل المثال؛ اتفق الحزبان على رفع سقف الديون في عهد الرئيس الجمهوري دونالد ترامب. لكن على مدار ربع القرن الماضي تحوّل سقف الديون بشكل متزايد إلى سلاح حزبي.
كما كان رفع سقف الديون من بين أسباب الخلاف التي أدت إلى وقف تمويل الحكومة الفيدرالية في أواخر 1995 وأوائل عام 1996. ووقعت معركة أخرى بسببه في 2011، أدت إلى خفض مؤسسة «ستاندرد آند بورز» التصنيف الائتماني للحكومة الأميركية لأول مرة. كما تراجعت ثقة المستهلك، وهبطت تقييمات استطلاعات الرأي حول أداء الجمهوريين في الكونغرس، ثم تراجعت شعبية الرئيس الأميركي باراك أوباما آنذاك.
ووافق أوباما والكونغرس حينها على خفض الإنفاق بأكثر من تريليوني دولار على مدى عقد لإنهاء الأزمة. كما أدت مواجهة ثانية حول سقف الديون بين أوباما والجمهوريين في 2013 إلى تعليق سقف الديون لأول مرة.
من يريد رفع سقف الديون؟
يؤكد قادة كلا الحزبين السياسيين الرئيسيين ضرورة رفع سقف الديون، لأنَّ الفجوة بين الإنفاق الحكومي والإيرادات كبيرة جداً. لكنَّ الجمهوريين، الذين سيطروا على مجلس النواب في الثالث من يناير/كانون الثاني الماضي، وألقوا باللوم في أزمة ارتفاع التضخم على زيادة الإنفاق خلال أول عامين من حكم الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن؛ يريدون الجمع بين زيادة سقف الديون وخفض الإنفاق. وفي 26 أبريل/نيسان الماضي؛ أقرّ الجمهوريون في مجلس النواب مشروع قانون من شأنه رفع سقف الديون بنحو 1.5 تريليون دولار مقابل تخفيض عجز الميزانية بمقدار 4.8 تريليونات دولار على مدى 10 سنوات.
وصف رئيس مجلس النواب، كيفين مكارثي، هذا القانون- الذي لا يحظى بفرصة كبيرة لتمريره في مجلس الشيوخ ذي الأغلبية الديمقراطية بشكل منفرد- بأنَّه عرض أولي صُمم خصيصاً لإبرام صفقة مشروطة مع الرئيس بايدن، الذي قال من جهته إنَّ رفع سقف الديون غير قابل للتفاوض، ولا ينبغي أن يكون مرهوناً بأي إجراء آخر.
هل تطبيق سقف للديون ضروري؟
يقترح بعض خبراء الميزانية والمعلقين إلغاء سقف الديون، قائلين إنَّ معارك الكونغرس المتكررة حوله تزيد من حالة عدم اليقين الاقتصادي. ورُفضت مجموعة متنوعة من الأفكار للتحايل على هذا السقف من قبل الإدارات السابقة، بما في ذلك سك العملات المعدنية البلاتينية ووضعها في خزائن الاحتياطي الفيدرالي، أو الإعلان عن أنَّ سقف الدين يمثل انتهاكاً للتعديل الرابع عشر الذي يحظر التشكيك في الديون الفيدرالية. وهناك إحدى الأفكار التي حظيت بمزيد من الاهتمام في السنوات الأخيرة؛ وهي أن تصدر وزارة الخزانة سندات مميزة من خلال تقديم أسعار فائدة أعلى بكثير، وبالتالي؛ يقبل المستثمرون على شراء هذه السندات، ويوفرون السيولة النقدية اللازمة للحكومة، ولكن مع تقليص القيمة الاسمية للدين بغرض الإفلات من تجاوز سقف الديون. مع هذا؛ أصرت يلين ورئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، على أنَّ الكونغرس يجب أن يتخذ قراراً في هذا الصدد.
البنك الدولي يحذّر من مشكلة الديون
الى ذلك، ذكر»ديفيد مالباس» رئيس البنك الدولي أن الاقتصادات المتقدمة حول العالم تواجه مشكلة ديون، وأن هذا يضاف إلى المشكلات الأخرى في الاقتصاد العالمي مع استمرار البنوك المركزية في مواجهة التضخم.
وصرح «مالباس» خلال اجتماع وزراء مالية مجموعة دول السبع ومحافظي البنوك المركزية في اليابان لشبكة «سي إن بي سي» قائلاً: الديون العالمية المرتفعة عند مستويات قياسية بحاجة إلى المعالجة من أجل تحقيق الاستقرار.
وأشار إلى أن نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي للاقتصادات المتقدمة تعد أعلى من أي وقت مضى، وأن الدول النامية تواجه أيضاً مشكلة مماثلة، هذا يعني أن الاقتصاد يجب أن يعمل بجهد أكبر لمجرد سداد الأموال التي تم اقتراضها بالفعل.
كما أكد «مالباس» على الحاجة إلى الشفافية لمعالجة ارتفاع الديون في مواجهة عدد من القضايا الاقتصادية العالمية بما في ذلك الضغط على القطاع المصرفي وارتفاع التضخم.
وقد أعلن البنك الدولي في تقريره الصادر في ديسمبر/كانون الأول ارتفاع إجمالي الدين الخارجي للدول منخفضة ومتوسطة الدخل 5.6% بالقيمة الاسمية إلى 9 تريليونات دولار.(اقتصاد الشرق، أرقام)