عدم اليقين الاقتصادي يدفع اللبنانيين إلى التحوط بالذهب

يتجه الكثير من اللبنانيين إلى الاحتفاظ بالمشغولات الذهبية كمخزن للقيمة في ظل عدم اليقين الاقتصادي، إذ يعتبرون الاحتفاظ بالمعدن الأصفر في المنزل بمثابة مال مخزون يصلح وقت الحاجة والأزمات.

وتعد عملية بيع الذهب وشرائه من قبل المواطنين هذه الفترة، التي تشهد ارتفاعا في الأسعار غير مسبوق، نوعا من الاستثمار والاستفادة من الفرص للحصول على هامش ربح يعود على الأسر بالفائدة المالية ويقوي مدخراتها.

ويأتي هذا التحول اللافت بالنظر إلى انعدام الثقة في القطاع المصرفي، إلى جانب جنوح البلاد إلى “الاقتصاد المدولر” مع فقدان الليرة لقيمتها بشكل جنوني جراء تراكم الأزمات منذ أواخر 2019.

ويدخر إبراهيم خليفة نحو 500 دولار شهريا من وظيفته كمبرمج في شركة معروفة في بيروت لشراء عملة ذهبية أو جمع المزيد من المال لشراء أونصات الذهب كاستثمار، وسط حالة عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي في جميع أنحاء العالم.

وقال خليفة لوكالة شينخوا “لا يمكنني أن أكون واثقا بأن سعر الذهب سيرتفع، لكنني أعتقد أن شراءه أفضل من الاحتفاظ بمدخراتي في أحد البنوك بعد انهيار القطاع المصرفي”.

وفي حين تعتبر العقارات خيارا جيدا آخر لخليفة، غير أنه يؤكد أنه يحتاج إلى المزيد من الأموال للمغامرة في مثل هذا الاستثمار.

ومثل خليفة، تدخر ربة المنزل منى حمدان بضع مئات من الدولارات من التحويل الشهري، الذي يرسله زوجها، الذي يعمل في السعودية لشراء الذهب، خوفا من تأثر الدولار بعد إفلاس مصارف في الولايات المتحدة.

وجراء سنوات من الفساد والتجاذبات السياسية صار البلد يعيش أزمة مالية خانقة وسط نقص في احتياطيات النقد الأجنبي، الأمر الذي تسبب في احتجاز البنوك مليارات الدولارات من الودائع.

وفضل اللبنانيون الذين نجحوا في سحب بعض أموالهم، في الاستثمار في الذهب الذي يحافظ على قيمته على عكس العملات الورقية.

وتشير تقديرات محللين إلى أن الذهب قد يسجل ارتفاعا في أسعاره بالأسواق العالمية خلال هذا العام فوق 2100 دولار للأونصة ليصل إلى 2500 دولار، فيما تأرجح سعره في الثلث الأول من العام بين 1549 و1947 دولارا.

ويؤكد جوني مدور، وهو صاحب محل مجوهرات في بيروت، أن الطلب على أونصات الذهب والعملة الذهبية ارتفع بأكثر من 100 في المئة خلال العام الماضي مقارنة بالسنوات السابقة.

وفسر ذلك بأن الناس باتوا يدركون أن الذهب يكسبهم ربحا يتراوح بين 10 و15 في المئة على المدى الطويل حتى لو انخفض سعره في وقت ما.

وأضاف “بعض عملائنا يطلبون شراء كميات كبيرة مثل 30 أو 40 أونصة بينما يقوم عملاء آخرون بميزانيات صغيرة بشراء الذهب والأونصات عندما يكون ذلك ممكنا، بدلا من ادخار الدولارات النقدية”.

ويبيع باريحان الحافي، صاحب محل مجوهرات آخر، حاليا العشرات من الأونصات والمئات من العملات الذهبية في شهر واحد فقط، وذلك مقابل أونصة واحدة فقط أسبوعيا قبل عامين.

وقال إنه “يرى إقبالا كبيرا من اللبنانيين وكذلك من المصريين الذين يزورون البلاد لشراء غرام الذهب بسعر 60 دولارا وتحقيق ربح في بلادهم، حيث يمكنهم بيعه بسعر 90 دولارا للغرام”.

ووفق منصة بورصة الذهب، يبلغ سعر غرام الذهب من عيار 24 قيراطا بالسوق المحلية 939.6 ألف ليرة (62.54 دولارا)، وعيار 22 قيراطا بنحو 861 ألف ليرة (57.3 دولارا)، وعيار 18 قيراطا بنحو 704.7 آلاف ليرة (46.9 دولارا).

ورأى الحافي أن “هذا هو سبب نفاد العملات الذهبية والأونصات، مما يدفع بعض الناس إلى شراء قلائد وأساور ذهبية بدلا من ذلك للحفاظ على قيمة أموالهم”.

وتظهر بيانات مجلس الذهب العالمي أن إجمالي احتياطات لبنان من المعدن النفيس تبلغ نحو 286.8 طنا، تجعله واحدا من أكبر 25 حائزا له على مستوى العالم.

ويؤكد رئيس نقابة تجار الذهب والمجوهرات نعيم رزق أن الطلب على أونصة الذهب والعملات الذهبية ازداد بشكل ملحوظ منذ العام الماضي، مشيرا إلى عدم وجود أرقام دقيقة في هذا الصدد.

ووفق رزق سجل عام 2022 لوحده أرباحا لدى تجار الذهب والمجوهرات تعادل الأرقام التي تحققت خلال السنوات العشر الماضية.

وأشار إلى أن الزيادة الملحوظة في الطلب على الذهب أدت إلى نقص كبير في السوق المحلية، واضطر العديد من التجار إلى الانتظار لاستلام الكميات المستوردة لتلبية الحجم الكبير للطلبات المحلية.

وتبريرا للطلب العالمي المتزايد على المعدن الأصفر، يستشهد رزق بتقرير لمجلس الذهب العالمي، قائلا إن “بعض البنوك المركزية العالمية رفعت قيمة احتياطاتها من الذهب إلى 60 في المئة، وبأوراق نقدية بنسبة 40 في المئة”.

وأرجع رزق سبب ارتفاع الطلب على الذهب عالميا إلى عوامل، بينها “الاتفاق الذي توسطت فيه الصين بين السعودية وإيران، حيث قد تدفع الصين مقابل وارداتها النفطية من المملكة باليوان بدلا من الدولار، مما يشير إلى تراجع الثقة في العملة الأميركية”.

وأضاف “علاوة على ذلك، دفع بعض مشترو الغاز في أوروبا قيمة مشترياتهم لروسيا بالروبل كما طلب الرئيس فلاديمير بوتين”. وأكد أن العديد من رجال الأعمال لجأوا إلى تحويل جزء من ثروتهم من العملة الورقية إلى المعدن الأصفر.

ويعزو الباحث الاقتصادي زياد نصرالدين ارتفاع الطلب العالمي والمحلي على الذهب إلى رفع أسعار الفائدة الأميركية. وقال إن “هذا الإجراء يعكس حالة من عدم اليقين المالي على غرار مجريات الأحداث في لبنان، والتي أدت إلى انهيار النظام المصرفي”.

وأضاف “في محافظ ومنازل الكثير من اللبنانيين دولارات أميركية، ويخشون أن تفقد هذه العملة قيمتها، ما يدفعهم إلى شراء الذهب، على أمل الحفاظ على قيمة أموالهم”.

وأشار إلى أن “قيمة مشتريات الذهب في لبنان بلغت في 2022 نحو 1.37 مليار دولار، وهو رقم مرتفع للغاية مقارنة بسكان لبنان، وبالتالي فهو مؤشر على تراجع الثقة بالدولار”.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةقمة دولية في باريس تبحث آفاق تنظيف صناعة البلاستيك
المقالة القادمةالسوق العقاري على حاله بإنتظار تحسن العجلة الاقتصادية والاستقرار السياسي