من دون إجراءات جذرية، لا يبدو أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سينتقل من حالة الإفلاس التي يقع فيها الآن إلى حالة إعادة الإطلاق. ففي سنوات الأزمة خسرت المؤسّسة التي تضم أكثر من ربع اللبنانيين، قدرتها على تأمين التغطية الصحية للمشتركين، سواء استشفاء أو فواتير طبابة. فقد أصبحت مساهمتها في هذه التغطية للمضمونين لا تتعدّى الـ10% بعد رفع الدعم الكلّي عن الخدمات الصحيّة، التي أصبحت تُسعّر وتُدفع بالدولار النقدي بأكثر من 70%. ففي حال أراد الضمان إعادة مستوى الخدمات التي يقدّمها إلى ما كان عليه قبل الأزمة فسيصبح عجزه كبيراً، وهو ما سيحتاج إلى رفع حجم الإيرادات الآتية من اشتراكات العمّال المضمونين، بالإضافة إلى زيادة مساهمة الدولة.
في سنوات الأزمة، ارتفعت أسعار الخدمات الصحيّة بشكل سريع ينسجم مع ارتفاع سعر صرف الدولار. وتُقدّر منظمة العمل الدولية أن ما بين 50% و70% من كلفة الخدمات الصحيّة أصبح بالدولار. وفي المقابل سجّلت الأجور ارتفاعاً أبطأ بكثير من الارتفاع في الكلفة الصحيّة، إذ إن بنية التغطية في الضمان قائمة على تسديد أصحاب العمل والعمال اشتراكات تُحتسب على أساس نسبة من الأجور. وبسبب الفروقات الكبيرة بين تصحيح الأجور وتصحيح الأسعار فإن بنية التقديمات في الضمان قائمة على أساس اشتراكات تُحتسب على أساس نسبة من الأجور، فيما نسبة مساهمة الدولة محددة على أساس الفاتورة الصحية الإجمالية بنسبة 25%. على أي حال، إن ما حصل أدّى إلى تفاوت كبير بين الإيرادات، الآتية من المشتركين والدولة، وبين النفقات التي تحددها كلفة الخدمات الصحيّة.
وفي أكثر السيناريوهات تفاؤلاً التي رسمتها منظمة العمل الدولية، سيبقى صندوق الضمان الاجتماعي في عام 2026، يتحمّل عجزاً بنحو 8000 مليار ليرة سنوياً، إذا أراد الإبقاء على مستوى تقديمات المرض والأمومة التي توازي ما كان يُقدّمه للمضمونين قبل الأزمة. هذا السيناريو، يفترض نموّ الأجور بشكل ثابت، من دون أي خضّات إضافية. في هذه الحالة ترتفع إيرادات الضمان الاجتماعي الآتية من الأجور من نحو 983 مليار ليرة إلى 10695 مليار ليرة في عام 2026، في حين ترتفع مساهمة الدولة من نحو 300 مليار ليرة إلى 5637 مليار ليرة في الفترة نفسها. في المقابل، سترتفع نفقات الضمان الاجتماعي، التي تؤمّن نفس مستوى الخدمات، من 668 مليار ليرة في عام 2021 إلى 24641 مليار ليرة في عام 2026.