جهاد أزعور مرشحاً للرئاسة: المصرفيون حذرون والمودعون يأملون

طُرِحَ إسم جهاد أزعور كمرشّح لرئاسة الجمهورية يمثّل جزءاً من الكتل النيابية وجمهورها. لم يُعلِن الرجل، بنفسه، الترشّح رسمياً، لكنّه مع ذلك، بات داخل السجال الحاصل في البلد حول فراغ كرسيّ الرئاسة ومواصفات مَن سيشغله.

وبعيداً من الهواجس السياسية المرتبطة بهذا الاستحقاق، هناك وجه آخر يتّصل بالأزمة الاقتصادية والنقدية الراهنة. فكيف سيتعامل الرئيس الجديد مع الأزمة، والتفاوض مع صندوق النقد الدولي، واستعادة الثقة الخارجية وتنشيط الاستثمارات، وإعادة تفعيل عمل المصارف ومصير أموال المودعين فيها.

ولأنّ جهاد أزعور هو مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، وشغل منصب وزير المالية بين عاميّ 2005 و2008، يُحمِّله ذلك أعباءً إضافية تتعلّق بضرورة امتلاكه مقاربة تقنية للأزمة، بعيداً من الشعارات السياسية لأي مرشّح تقليدي.

القطاع المصرفي يريد استعادة الثقة

فَقَدَ القطاع المصرفي ثقة المودعين مُذ امتنع عن إعطاء الودائع لأصحابها. وعِوَضَ التوصّل معهم إلى اتفاق حول كيفية استعادتها وترشيد حجم السحوبات الشهرية، وَضَعَت المصارف نفسها في مواجهة مع مودعيها، وقرَّرَت تسهيل إخراج أموال كبار مستثمريها وعدد كبير من السياسيين، على حساب صغار ومتوسّطي المودعين. فخاطَرَت بذلك بزعزعة ثقة المستثمرين في الخارج، فضلاً عن ثقة المصارف المراسِلة، وأصبحت استعادة تلك الثقة صعبة، ولا تمرّ إلاّ عن طريق الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، والذي يتضمّن إعادة هيكلة القطاع المصرفي، ولاحقاً “تفعيل دور القطاع”، وهو ما أكّد عليه أزعور في مقابلة مع CNN عربية، في تشرين الأول 2020.

وإن كانت مصادر في جمعية المصارف تؤكّد لـ”المدن” أن الجمعية “لا تقدّم رأيها في مسألة سياسية كانتخاب رئيس للجمهورية، وإنما تقدّم طروحات اقتصادية وتهتم حالياً بمسألة الودائع والقوانين”، إلاّ أن رئيس وحدة الدراسات في بنك بيبلوس، نسيب غبريل، يرى في حديث لـ”المدن”، أنَّ أزعور “لم يُعلن ترشّحه رسمياً ولم يطرح مشروعاً متكاملاً يتضمّن رؤية اقتصادية وسياسية ونقدية”. ومع ذلك، يرسم غبريل خطوطاً عريضة هي بمثابة أولويات للقطاع مطلوبة من أي رئيس، وهي “استعادة الثقة بالقطاع المصرفي، إجراء الإصلاحات البنيوية، الاهتمام بالشأن الاجتماعي، احترام الدستور، التأكيد على أن القطاع الخاص والمبادرة الفردية في العمود الفقري للاقتصاد، ويكون القطاع العام مكمّلاً له ولا يأخذ مكانه”.

وكذلك، المطلوب من أزعور في هذه الحالة، الدفع باتجاه “رفع تنافسية القطاع الخاص، إعادة هيكلة القطاع العام، ضبط الحدود، مكافحة التهرّب الجمركي والضريبي والتأكيد على هوية لبنان المنفتح على العالم والدول العربية”.
صحيح أنّ أزعور لم يطرح برنامجاً بعد، إلاّ أن رؤيته للخروج من الأزمة تندرج ضمن مسار الاتفاق مع صندوق النقد، والذي يُجيب بطريقة ما على تساؤلات القطاع المصرفي، خصوصاً في ما يتعلّق بـ”إعادة إطلاق الحركة الاقتصادية للقطاعات المنتِجة، وتفعيل دور القطاع المصرفي”.

الإصلاح الجَدّي يضمن إعادة الودائع

انتظار القطاع المصرفي معطيات ملموسة قد يقدّمها أزعور، يترافق مع انتظار المودعين لها. وبالتالي، تقول المحامية في رابطة المودعين زينة جابر، لـ”المدن”، أن “العبرة بالخطّة والإصلاحات التي ستتعامل مع الأزمة”. وكما المصارف، يرى المودعون أن أزعور “لم يقدّم موقفاً واضحاً لكيفية تعامله مع استعادة الودائع ومع الأزمة الاقتصادية بشكل عام”. لكن على الضفّة الأخرى، “هناك جانب إيجابي بوصول أزعور إلى الرئاسة، نظراً لعمله في صندوق النقد وعلاقاته مع المجتمع الدولي، ما يعطيه أفضلية عن غيره من المطروحين للرئاسة وغير الملمِّين بالقضايا الاقتصادية والمالية”. ولأنه كذلك، فأزعور “مُلِمّ بواقع الأزمة وما يُفتَرَض بأن يحصل مع الوقت، وهذا أمر إيجابي بالنسبة للمرحلة المقبلة”.

عدم وجود خطة معلنة، والإيجابيات المتعلّقة بالجانب المهني لأزعور، تجعل الموقف منه متبايناً، ولا يُحسَم إلاّ بالتجربة على الأرض حين يصبح رئيساً. ولذلك، يريد المودعون معرفة كيف سيتعامل أزعور مع ملفّات مثل “خطة الذل المالية التي تنفذها المنظومة بالتشارك مع المصرف المركزي والمصارف التجارية. فهل سيستكمل الخطة القائمة أم سيطرح خطة انقاذية تتعامل مع الأزمة بعدالة وشفافية وتحاسب وتسائل كل من كان له يد بالوصول إلى الأزمة؟”.
الإجابة على التساؤلات، بالنسبة للمودعين، أهم من أي تصريح يتعلّق بوعود استرجاع الودائع، فـ”الإصلاح الجدّي يضمن إعادة الودائع ضمن النطاق القانوني والاقتصادي”.

المكان الطبيعي في المصرف المركزي

التعويل على الخلفية المالية والعمل التقني في صندوق النقد، تجعل من أزعور “رجلاً مناسباً للعمل كحاكم للمصرف المركزي وليس رئيساً للجمهورية”، وفق ما يقوله رئيس لجنة التجارة في غرفة بيروت وجبل لبنان، جاك الحكيِّم، الذي يؤكّد لـ”المدن”، أن “صلاحيات حاكم مصرف لبنان في ملف كالأزمة الحالية، هي أهم من صلاحيات رئيس الجمهورية”.

موقف حكيِّم يعكس رؤية الهيئات الاقتصادية من جانب تقنيّ، وهو موقف يُثمِّن عمل أزعور “المتقدّم جداً” داخل صندوق النقد. وانطلاقاً من ذلك، يكون موقعه الطبيعي في مصرف لبنان.

وإن كانت الخيارات ضئيلة، فإن الهيئات الاقتصادية تُسلِّم بأن “وضعنا الاقتصادي والمالي يحتاج شخصاً مثل جهاد أزعور لديه ثقافة مالية وعلاقات دولية، وهو ثقة بالنسبة للخارج”، بالنسبة إلى حكيِّم.

ما تزال الاحتمالات مفتوحة في ملف رئاسة الجمهورية. وسواء كان أزعور هو الرئيس المقبل أم لا، فإن الخروج من الأزمة يفترض المرور عبر صندوق النقد، أي بتفسير آخر، عبر ما يتلاءم مع رؤية أزعور للحل.

لكن ما يحمله صندوق النقد من خريطة طريق، وما يمكن لأزعور انتهاجه، لن يؤدّي إلى نتائج إيجابية ما لم يتكامل مع تشريعات قانونية وإرادة تنفيذية من مجلس نواب ومجلس وزراء يقرّران العمل جدياً للخروج من الأزمة. وعلى عكس ذلك، تبقى كل الطروحات حبراً على ورق، وتبقى يد رئيس الجمهورية مكبّلة.

مصدرالمدن - خضر حسان
المادة السابقةالآفاق الاقتصادية المتقلبة تقيّد مصانع العالم
المقالة القادمةلبنان على قائمة مُحتجزي أموال شركات الطيران