أطلقت وزارة الاتصالات، الأربعاء الماضي، مزايدة ثالثة لتلزيم الخدمات والمنتجات البريدية، بعد محاولتين باءتا بالفشل، آخرهما تقدّم إليها عارض وحيد هو شركتا «Merit invest – Colis Privé»، وأوصت هيئة الشراء العام بعدم السير فيها لأن صيغة العارض تلحق الضرر بالمال العام وتقلّص حصة الدولة. كما أشارت إلى مجموعة شروط غير متوافرة في تحالف الشركتين (الأولى لبنانية مملوكة من رودولف سعادة صاحب شركة CMA-CGM للنقل البحري التي التزمت تشغيل مرفأ بيروت، والثانية فرنسية مملوكة من الشركة الأولى)، أهمها عدم مراعاة شروط التأهيل التي تنص على أن يشمل نطاق خدمة العارض خدمات تسلم وتسليم البريد وخدمات البريد السريع والطوابع البريدية العادية والتذكارية والمنتجات غير البريدية للهيئات الحكومية، إذ إن نطاق خدمة Colis Privé France هو توزيع المظاريف وما يُرسل في صناديق البريد، تسويق خدمة التسليم المنزلي للبريد والمواد ذات الصلة، التوزيع الخاص للطرود البريدية، التجارة، بيع الهدايا الإعلانية، تنظيم المعارض المتخصّصة، عمليات صناعية وتجارية. فيما نشاط Merit Invest SAL يقوم على تملّك أسهم وحصص في شركات أو إقراضها، تملّك براءات الاختراع والامتيازات والماركات المسجّلة، تملّك الأموال المنقولة وغير المنقولة، ما يعني أن الخدمات الإلزامية لا تقع ضمن نشاط أيّ من الشركتين، كما أن الخدمات الإضافية غير البريدية لا تتوافق مع موضوع تجارة أيّ منهما.
وبعد نحو أسبوعين على إلغاء المزايدة، أقرّ مجلس الوزراء طلب وزير الاتصالات جوني القرم إعادة إطلاق المزايدة العالمية لتلزيم الخدمات البريدية بعد تعديل دفتر الشروط مرة ثانية. ووافق على طلب إتمام عملية تحويل الخدمات البريدية إلى وزارة الاتصالات في حال فشل إجراءات التلزيم وتأمين التمويل اللازم لتغطية الأكلاف والنفقات المترتّبة، وتأسيس شركة مساهمة لبنانية تنتقل إليها أصول وموجودات البريد من شركة «ليبان بوست»، وتتولّى تشغيل القطاع لمصلحة الدولة في المرحلة الانتقالية. غير أن القرم غير المتحمّس لنقل القطاع إلى الدولة أسوة بقطاع الاتصالات، رأى في حديث سابق إلى «الأخبار» أن الأمر يحتاج إلى رأسمال تشغيلي لتسديد قيمة النفقات في بداية مرحلة تسلّم الدولة وهو أمر غير متوفر حالياً، رغم أن قرار مجلس الوزراء ذكر أنه عند حصول الانتقال «يقرّر المجلس سبل تأمين التمويل لتغطية الأكلاف والنفقات لتشغيل الشركة».
هكذا، بدأ مشوار تعديل دفتر الشروط الذي استمر نحو شهر بين وضع التعديلات ومناقشتها مع هيئة الشراء العام، وانتهى بوضع رئيس الهيئة جان العلية 7 ملاحظات على دفتر الشروط، أبرزها تلك المتعلقة بمؤهلات وخبرة العارضين وكفاءتهم. إلا أن الوزارة التي أخذت بغالبية ملاحظات الهيئة، أسقطت الملاحظة القائلة بضرورة أن تكون الشركة المتقدّمة «شركة بريد»، أي تمتلك خبرة في تشغيل المرفق العام على صعيد بلد أو مقاطعة. فتحت عنوان «توسيع المنافسة»، سمحت الوزارة للشركات الحاملة لتراخيص نقل مواد المراسلات، الطرود البريدية، الطرود أو الرزم الصغيرة، المشاركة في هذه المزايدة. أي أن أي شركة تقوم بهذه الأعمال (قد تكون شركة توصيل بضائع) قادرة على الفوز بالمزايدة لأن الشرط لم يعد مقتصراً على شركات البريد الكبرى أو شركات البريد الوطنية. وذلك لم يأت عبثاً وفق مصادر مطّلعة، بل فُصِّل التعديل على قياس تحالف شركتَي Merit» «invest – Colis Privé الذي خسر المزايدة السابقة ويُراد فرضه مجدّداً على الدولة، فضلاً عن أن تدنّي مستوى الشروط والخبرة سيدفع بالشركات العالمية الكبرى إلى عدم المشاركة، ما سيتسبب بأضرار مباشرة على هذا المرفق العام وطريقة تشغيله.
النقطة الثانية هي المتعلقة بالإيرادات، إذ اكتفت الوزارة بتحديد نسبة مئوية تعادل 10% تبقى ثابتة في السنوات الثلاث الأولى وترتفع نصفاً في المئة (0.5%) من بداية السنة الرابعة لغاية نهاية السنة السادسة، ثم نصفاً في المئة أخرى حتى انتهاء العقد في السنة التاسعة، إذ عمدت الوزارة إلى تقليل نسبة ربح الدولة وجرى تعقيد الحصة من الخدمات البريدية والخدمات غير البريدية. فتضمّن دفتر الشروط عدة لوائح منها الخدمات البريدية فئة أولى التي تخضع لنسبة 10%، في حين أن الخدمات البريدية فئة ثانية أضيفت عليها تكلفة النقل والمصاريف، ما يعني أنها ستُحسم من حصة الدولة، الأمر الذي يعيد إلى تجربة «ليبان بوست» التي هدرت أموال الدولة ولم تحقق أي أرباح للخزينة وتحكّمت بطريقة توزيع هذه الأموال.
وفي دفتر الشروط المُعدّل أيضاً، لائحة تحمل اسم خدمات غير بريدية غير حصرية لن تستفيد الدولة من إيراداتها بحجة أن «هناك عدة شركات تقوم بهذه الخدمات في لبنان ولا تقبض منها الدولة». لذلك ارتأت وزارة الاتصالات عدم إفادة الخزينة من هذه الإيرادات بدلاً من العمل لتنظيم الخدمات وتنظيم عمل هذه الشركات جميعها لتحقيق أرباح.
النقطة الأخيرة هي منح الشركات الراغبة بالمشاركة مهلة زمنية قصيرة لا تتعدى 35 يوماً، فموعد إطلاق المزايدة حُدّد في 12 تموز. وهي مهلة قصيرة جداً بحسب أصحاب الاختصاص، إذ لن يتسنى للشركات الكبرى درس دفتر الشروط وتحضير مستنداتها وعرضها والحصول على الوثائق المطلوبة من وزارة المالية وغيرها. ليبقى السؤال الرئيسي: هل المطلوب تعبيد الطريق أمام الشركة الفرنسية فقط؟