تعتبر مكبات النفايات العشوائية في مختلف المناطق اللبنانية، علامة على افلاس الدولة في ادارة البلد وتطبيق القوانين المرعية، لجهة حماية البيئة من خطر التلوث، الذي يؤدي الى إصابة الآلاف من المواطنين بالأمراض السرطانية. اخيرا، تم تسجيل عشرات الحالات المصابة بداء الجرب بين الأطفال الذين يعملون في «نبش النفايات»، لجمع ما تيسر لهم من البلاستيك والزجاج والحديد والخردة والكرتون لمصلحة عصابات تشغّلهم لحسابها. وعلمت «الديار» من أحد الأطباء في منطقة الدورة ان أكثر من 20 طفلا أصيبوا بهذا المرض، بسبب احتكاكهم المباشر بالقمامة، ويفتقد هؤلاء الحد الأدنى من النظافة الشخصية، بحيث يتناولون الطعام دون غسل اليدين وفي جوار القمامة، ما أدى الى تطور حالة البعض الصحية.
دود الخل منّو وفيه!
بالتوازي، أخفق النفوذ السياسي في إيجاد الحلول الجذرية في معظم القطاعات الحياتية بطريقة جدية وفاعلة وصارمة. والسقوط يكشف التفاوت المناطقي لجهة عجز السلطة عن حل ابسط القضايا. وهذا يُظهر الفساد المستشري في ملف النفايات، والنزيف المستمر من قِبَل المستفيدين من «سياسيين معروفين»، واستمرارهم في الهدر والسرقات الواضحة على مرأى من عين الجهات المانحة والممولة. في الوقت الذي يمكن توظيف صناعيين مختصين لاستثمار واستغلال القمامة، التي هي كنز ومنجم يستفاد منها في اعمال الزراعة والـ «الريسيكلينغ».
بالمقابل، لا تُعد النفايات المتراكمة في الشوارع وامام المنازل وتحت الجسور وعلى هوامش الشواطئ والارصفة، ذريعة لإنشاء مكبات عشوائية مثل: مكب النورماندي في بيروت، ومكب برج حمود في منطقة النبعة شارع سينما بلازا، وفي ضبيه وصيدا وطرابلس والبقاع الأوسط وفي كل من برالياس ومجدل عنجر والفاعور.
وفي هذا الإطار، انتعشت العديد من المطامر غير القانونية في المناطق المأهولة بالسكان، وأضحت تشكل خطرا حقيقيا على الصحة العامة، وينبغي على وزارة البيئة والصحة والصناعة التحرك لدرء تمدّد هذه الكارثة.
الارقام مجهولة!
على خطٍ موازٍ، يعتبر تحديد عدد مواقع طمر الفضلات الصلبة في لبنان امرا معقدا، نظرا لطبيعتها غير الشرعية بسبب عدم تسجيلها رسميا. والمؤكد ان هناك وجوداً لعدد كبير من المكبات العشوائية في مناطق مختلفة على امتداد الأراضي اللبنانية.
كما ان وجود هذه المطامر غير الرسمية لا يعود الى انعدام البنى التحتية المناسبة لإداراة النفايات والتخلص منها، وفقا لـ آليات مناسبة لكل نوع من القمامة، او عدم تطبيق القوانين البيئية بشكل صارم، الى جانب التحديات السياسية والاقتصادية، وانما بسبب فشل خطط المعالجة لوقف النزيف المادي والصحي الحاصل، جراء استئثار المستثمرين في هذا القطاع.
وبحسب تحقيق سابق قامت به «الديار»، تبين ان 90% من «النكيشة» هم اطفال قصّر من النازحين السوريين. ووفقا لكل من محافظ مدينة بيروت القاضي مروان عبود ومستشارة وزير الشؤون الاجتماعية السيدة علا بطرس، فإن الازمة الاقتصادية الثقيلة كانت سببا لانخراط هؤلاء الأطفال في جحيم «التنكيش والتنبيش»، ويعملون لحساب افراد متمكنين سياسياً.
يذكر ان هذه العصابات باتت منظمة ومنتشرة في كل المناطق، وتعمل على جمع أنواع مختلفة من النفايات، بما في ذلك سرقة الكابلات الكهربائية وعواميد الانارة وفتحات المجارير، ووصل الامر بالبعض الى نزع العواميد القائمة في المقابر.
وتعتبر المكبات العشوائية وعددها تقريبا حوالى الـ 1000، ضارة بالبيئة والصحة العامة كونها عاملا مباشرا لتلوث التربة والمياه والهواء، وانتشار الأوبئة وتعرّض السكان المحليين لمخاطر صحية وامراض مزمنة مثل السرطان. كما انها تؤثر في الحياة البرية وتشوه جمال الطبيعة والمناطق، التي تعتبر مقصدا من قبل السائحين والزائرين الوافدين الى لبنان بهدف التمتع بالأجواء الطبيعية الساحرة في لبنان.
ولكن، اين الجهاز الحكومي والمؤسسات المختصة في البلد، لتتصدى لهذه المشكلات وتعمل على اتخاذ إجراءات قاسية للتخلص من المطامر العشوائية، التي أصبحت كناية عن بؤر موقوتة، وجبالا مكدسة بالقمامة الصلبة والعضوية، ومكانا لاحتشاد الحشرات، ومبعث للروائح الكريهة التي تسبب امراضا مثل الربو والحساسية بسبب تنشقها اللاإرادي؟
تبقى الدولة هي العقدة الأهم في هذا الملف، كونها غير قادرة على حماية ثرواتها الطبيعية. نعم، الفضلات كنز والدليل على ذلك هو ازدهار المكبات الفردية التي تقيمها «عصابة النكيشة»، حتى أمسى هؤلاء اقوى من الدولة ويشكلون تهديدا للسلم الأهلي، وأضحت دولة المطامر اقوى من سلطة الدولة وأجهزتها.
في الخلاصة، يجب ان تقوم الحكومة بما هو مطلوب منها حيال القضايا الأساسية، والحقيقة الثابتة هي ان مليارات الدولارات يجنيها «النكيشة»، وهذه النفايات هي ملك للدولة وليست لشخص او عصابة، ويدفع اللبنانيون ثمنا باهظا لإدارة الفضلات الصلبة.
وبحسب «هيومن رايتس ووتش»، فان لبنان ينفق 155 دولارا لإدارة كل طن من النفايات الصلبة، مقارنة بالجزائر التي تنفق 7.22 دولار، والأردن 22.8 دولارا، وسوريا 21.55 دولارا، واحتل قطاع النفايات الصلبة المرتبة الأولى من حيث الانفاق الحكومي المرتبط بالبيئة في لبنان.
والجدير ذكره ان البلديات هي المسؤول الأول لجهة فرض عملية الفرز كحل وحيد ممكن ومستدام، من خلال المراقبة المشددة لمنع ظهور المكبات العشوائية، وفرض الغرامات الموجعة، ورفض جمع النفايات التي لا يتم فرزها من المصدر، ويجب إقامة المصانع المحلية لجمع النفايات القابلة لإعادة التدوير، وتعطى النفايات العضوية الى مزارع الحيوانات.