شكلت شمال أفريقيا لعقود موردا رئيسيا للوقود الأحفوري إلى أوروبا، إذ تضخ حقول النفط والغاز فيها، وخاصة العضوين في منظمة أوبك ليبيا والجزائر، شهريا الملايين من أطنان الوقود لتسيير السيارات وتدفئة المنازل من أثينا شرقا وحتى أبردين غربا.
وفعليا تبحث اليونان وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا وحتى بريطانيا، الأبعد من حيث المسافة، بشكل جدي عن طرق للاستفادة من الطاقة البديلة من صحاري شمال أفريقيا.
وترتبط شبكة إسبانيا منذ عام 1997 بشبكة المغرب عبر كابل يعبر مضيق جبل طارق، وهو الرابط الوحيد من نوعه الذي يعمل حاليا.
لكن رواد الأعمال والمرافق في أنحاء أوروبا يدرسون ستة مشاريع على الأقل تتنوع بين تمديد الكابل الذي يربط بين هذين البلدين إلى مشروع لإنشاء كابل بطول 3200 كيلومتر من ساحل المغرب على المحيط الأطلسي وحتى جنوب إنجلترا.
ونقلت وكالة بلومبرغ عن سايمون موريش، الرئيس التنفيذي لشركة إكس لينكس، صاحبة خطط إنشاء الكابل الذي سيصل إلى بريطانيا، قوله “سيكون هذا أول مشروع من العديد من المشاريع، فيما يدرك العالم الفوائد الهائلة لنقل الكهرباء لمسافات طويلة”.
وتعهدت شركة أبوظبي الوطنية للطاقة “طاقة” وحليفتها مجموعة أكتوبوس إنيرجي في أبريل الماضي بتخصيص 37.6 مليون دولار لبناء أطول شبكة كابلات تحت سطح البحر لنقل التيار المباشر عالي الجهد في العالم.
ويمثل هذا المبلغ جزءا ضئيلا من التكلفة المتوقعة لمنشآت الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وخط الربط البحري، المكوّن من أربعة كابلات منفصلة ممتدة بالتوازي مع بعضها بعضا.
ويربط المشروع بين البلدين انطلاقا من جهة كلميم واد نون المغربية، ومن المقرر أن تمر الكابلات بكل من البرتغال وإسبانيا وفرنسا لمسافة تتجاوز 3800 كيلومتر.
وقال موريش إن “المشروع قد يبدأ العمل بحلول 2030، لكنه سيتطلب من الحكومة البريطانية تقديم إعانات كتلك التي تستفيد منها مزارع طاقة الرياح في البحر في بريطانيا”.
وعند توصيل الشبكة بمزرعة ضخمة للرياح والشمس تخطط إكس لينكس لإنشائها في صحراء كلميم واد نون، ستحصل بريطانيا على ما يكفي لإمداد 7 ملايين منزل بالكهرباء، ما يساعدها على تحقيق هدف صافي الانبعاثات الصفري من قطاع الكهرباء بحلول 2035.
ويعني طول الكابل أنه سيفقد حوالي 13 في المئة من الطاقة التي سينقلها، بخلاف كميات أصغر تُفقد عند وصول التيار، لكن موريش يقول إنّ المشروع قابل للتنفيذ رغم ذلك.
وقالت لورا الكتيري، خبيرة اقتصاد متخصصة في الطاقة، إن “التعويل على مورد طاقة واحد فقط، مثلما سيفعل مشروع إكس لينكس، ينطوي على مخاطرة”.
وتشير الكتيري وهي زميلة زائرة بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إلى أنه سيكون من الأفضل ربط منشآت طاقتي الشمس والرياح في أفريقيا بشكل أكبر مع الشبكة الأوروبية، ما يتيح لكل الدول على طول الخط المشاركة في “الاستفادة من النجاح والأمان”.
وقالت “ثمة ثمن لإنجاز كل الأمور بشكل فردي ويمكن لشمال أفريقيا أن تكون مصدرا كبيرا للطاقة لأوروبا، لكن التجارة بين دولتين فقط تكون دوما أمرا مختلفا عن تكتل من 26 دولة ينخرط في تجارة مع آخر”. ورغم ذلك، فإن الكتيري تعترف بأن التحديات السياسية لفكرة كهذه تجعل تنفيذها أمرا صعبا.
ومع أنّ إكس لينكس ستنقل الطاقة في اتجاه واحد فقط، تخطط شركات أخرى لنقلها في الاتجاهين، ما يسمح للكهرباء بالتدفق جنوبا حين تصل الشبكات الأوروبية إلى مرحلة التشبع وتنخفض الأسعار، وهو ما يفتح الباب لسوق للطاقة الكهربائية الفائضة.
وبينما يستعد المغرب لبناء كابل كهذا يصل إلى البرتغال في وقت أدناه 2027، تناقش مصر واليونان مشروع إنشاء كابل عبر قبرص، كما يسعى رواد أعمال آخرون لتنفيذ مشاريع مشابهة من تونس والجزائر إلى إيطاليا.
وقال كريم شكري، الأستاذ بجامعة الحسن الثاني في المغرب، لبلومبرغ إن “هناك استثمارات رئيسية في الطاقة المتجددة في البرتغال وإسبانيا، لكن إذا فتحنا الباب، سيكون سعر الكيلوواط ساعة من أفريقيا تنافسيا”. وأضاف “من المنطقي أن نربط دولا أنماطها المناخية مختلفة، ما يتيح لها مساعدة بعضها بعضا عندما تكون أشعة الشمس والرياح المحلية محدودة”.
وأوضح شكري أنه إذا كان البحر الشمالي، حيث أقامت بريطانيا الآلاف من توربينات الرياح، هادئا، قد يكون الطقس مشمسا أو عاصفا في المغرب.
وفي الأيام التي تشتد فيها الرياح في إيطاليا، يمكن للمرافق أن تبيع فائض الطاقة الشمسية بثمن زهيد إلى تونس، التي تولّد معظم طاقتها الكهربائية من الغاز الطبيعي. وهذه المقترحات تستحضر ذكريات مزعجة لمحاولات فاشلة في تسخير الطاقة المتجددة من المنطقة قبل عقدين.
وفي عام 2009، أسس مستثمرون أوروبيون وأفارقة وأميركيون مؤسسة ديزرتك لبناء محطات الطاقة الشمسية في الصحراء الكبرى، لكن تلك الجهود باءت بالفشل في مطلع العقد الثاني من الألفية الحالية بسبب ارتفاع تكلفة النقل وفترة عدم الاستقرار بعد 2011.
لكن جاك ريتشاردسون، المحلل بمؤسسة أونوارد البحثية ومقرها في لندن، يرى أن الاستفادة من وفرة الشمس والرياح في المنطقة أمر منطقي. وقال “ما تريده أوروبا هو أن يكون هناك عدد من المصادر المتنوعة والكهرباء من شمال أفريقيا فكرة ليست سيئة على الإطلاق. فهذا أكثر أمانا من الاعتماد على الطاقة الروسية”.