يحسب اللبنانيون ألف حساب لما يمكن أن يحصل في حال انقطاع الانترنت وهذا الخوف لا يأتي من فراغ، مع ما نشهده من أعطال مستمرة بشبكة «أوجيرو» وتوقف السنترالات، لذلك لا بد من الإطلالة على رأي خبراء في هذا الموضوع.
3 عوامل تُضعف الإنترنتي
فنّد المستشار والخبير في التحول الرقمي وأمن المعلومات رولان أبي نجم، مشكلة الإنترنت في لبنان بعدة جوانب:
الجانب الأول له علاقة بالبنى التحتية والتي هي أيضاً مرتبطة بعدة عوامل منها سياسية ومنها مالية، ويستعيد هنا ما صرّح به المدير العام لهيئة أوجيرو عماد كريدية، الذي قال إن شبكة الهيئة لم تخضع للصيانة منذ عام 2019 أي ما يقارب الـ 4 سنوات، ناهيك عن أن الشبكة قديمة ومهترئة.
ويوضح أبي نجم في هذا الجانب، أن «الإنترنت في كل دول العالم يتوزع عبر «الألياف الضوئية»، في المقابل لا زال لبنان يوزع الإنترنت عبر «خط الهاتف» والذي يعمل بشكل بطيء جداً. لذلك فإن المنازل التي تبعد عن السنترال تعاني كثيراً من بطء سرعة الإنترنت»، كما يلفت إلى أنه «ليس خافياً على أحد ما تعانية «أوجيرو» على الصعيد المادي، وهي بالتالي تحتاج إلى الدعم لتطوير البنى التحتية».
أما الجانب الثاني، فيتعلّق بموضوع سرقة شبكة «الألياف الضوئية»، كاشفاً أنه «جرت مشاريع لتمديد شبكة الإنترنت عبر هذه الألياف لمرات عدة ولكن كانت في كل مرة تجري سرقة الكابلات، لذلك من الضروري جداً تأمين الحماية لها عند المباشرة بتمديدها، كي لا يحصل ما يحصل اليوم مع كابلات الكهرباء».
وفي الجانب الثالث تناول أبي نجم «موضوع الإنترنت غير الشرعي، حيث أن هناك عدداً كبيراً من الشركات «فاتحة ع حسابها»، وتقوم بتوزيع الإنترنت على مشتركين يفوق عددهم العدد المحدّد، مما يضعف سرعة الإنترنت».
ويقارن بين لبنان والدول الأخرى، حيث يصنّف لبنان بـ»أبعد التصنيفات، ويمكن تشبيهه بالدول المتخلفة جداً… دول العالم العاشر».
3 أمور لمواكبة التطوّر
ويرى أن «المطلوب اليوم لمواكبة التطور الحاصل، هو أولاً الإستقرار السياسي، وثانياً إيقاف كافة أشكال التوظيف العشوائي في البلد وخاصة في «أوجيرو» و»تاتش» و»ألفا» لأنها الشركات المعنية مباشرة بالإنترنت، واعتماد التوظيف فيها يجب أن يتم بناء على الكفاءات لكي يكون هناك أشخاص باستطاعتهم إدارة هذا القطاع»، لكنه يذكّر أيضاً أن «أغلب الكفاءات هاجرت من لبنان بسبب الوضع الحالي»، وثالثاً يجب إقامة إستثمارات بالبنى التحتية»، ويتوقف عند هذه النقطة التي يعتبرها النقطة الأهم. فالاستثمارات يجب أن «تكون عبر تطوير كافة الشبكات وتحديثها لتتمكن من توزيع الانترنت بمستوى جيد ومقبول».
رؤية سوداوية
وعن رؤيته المستقبلية للقطاع، لا يخفي أنها نظرة سوداوية جداً، ويشرح السبب على أن «أقصى طموحنا بلبنان أصبح بأن لا تنطفئ سنترالات «أوجيرو»، وتتأمن الأموال لتعبئة المولدات بمادة المازوت».
ويبرّر أبي نجم نظرته السوداوية هذه بفقدان الأمل مما يعني الذهاب نحو الأسوأ، ويخلص إلى أنه «بحال استمرينا هكذا سنصل إلى اليوم الذي لن يعود فيه إنترنت في لبنان، وهو ما يعني أن كل شيء سيتوقف في لبنان بكل ما للكلمة من معنى وسيتم عزل البلد عن الخارج، ويتحول إلى قبيلة بدائية».
السوق السوداء تهدّد القطاع
ويختلف رئيس جمعية المعلوماتيين المحترفين في لبنان ربيع بعلبكي بالرأي مع أبي نجم، معتبراً أن «الباقات التي تقدّمها شركات الإنترنت، إضافة إلى القرارات والتخطيط الذي يُعمل به لتطوير شبكات الإنترنت وسرعته، فإنّه من حيث السرعة يمكن اعتبار سرعتها جيدة مقارنة ببقية البلدان، وأما وفق «الباقات» فإنّ الحديث هنا يتناول سعريْن سعر لأوجيرو وسعر شركتي الخلوي، وهذا من حيث الشكل الشرعي. وأما من حيث الشكل غير الشرعي فيتحدّث بعلبكي عن «كمّ هائل من السوق السوداء والتي أصبحت اليوم تهدد قطاع الإنترنت، وهنا التهديد الحقيقي لتنظيم القطاع».
وبسبب «الإختلال الذي تتسبّب به السوق السوداء نجد أن بعض المناطق تعاني من سوء الإنترنت عكس مناطق أخرى يعتبر فيها الإنترنت جيداً، وهذا الأمر سببه عدم وضع دراسة صحيحة تأخذ في الإعتبار الكثافة السكانية لكل منطقة ليبنى عليها حجم الإستخدام»، وفق ما يشير بعلبكي.
شبكة جيدة… والكهرباء المشكلة
ويفنّد أسباب ضعف الإنترنت بين التقني وسوء الإدارة لشبكات الإنترنت، حيث يشير إلى أن «البعض اعتبر أنّ الإنترنت هو نفط لبنان، لكن هذا النفط تبخر وأصبح سعره عالياً جداً، وأصبح المواطنون يستسهلون السوق السوداء وهذا ما أوصلنا إلى فقدان مدخول خزينة الدولة الضروري لصيانة الشبكات».
ويعتبر أن «النقطة الأهم هي ضمان الصيانة وتأمين الكهرباء لها، والعمل الدائم على إحصاءات حول «الضغط على الشبكة» مما يسهل توزيعها أكثر وأكثر في ظل إحصاءات واضحة»، وهنا يأخذ على «إستخدام السوق السوداء لأعمدة الكهرباء وأبنية المواطنين، فهذه السوق لا تأخذ إذن البلدية من أجل التمديد، حيث علينا أيضاً ألا ننسى الفلتان والفساد الذي نعاني منه اليوم في البلد دون حسيب أو رقيب».
ويذكّر بأنه «كان هناك محاولة قبل أزمة «كورونا» لتركيب شبكات «الجيل الخامس» ومناقصات بقيمة 250 مليون دولار تعمل الدولة على تنفيذها، إضافة إلى أنه كان هناك سعي لتركيب «داتا سنتر»، وحتى أن «الجيل الخامس» تمّت تجربته في المطار وفي بعض الأماكن الحيوية، من أجل التهيؤ للمنقاصات له».
ويؤكّد أن «لدينا شبكة جيدة، ولكن ما نسمعه من مشاكل هو محصور بالكهرباء أكثر، وعدم الصيانه التي يتوجب دفعها بالدولار في حين أن الدولة عاجزة عن تأمين الإعتمادات لها».
ويرى أن «قانون الشراء العام بما يتعلق بالإنترنت بحاجة إلى إعادة نظر»، كما أنه يأسف لأن «مضاعفة سعر الإنترنت تمّت من دون دراسة ربما من أجل عدم إثارة ضجة تتعلق بهذا الموضوع».
لن ينقطع الإنترنت
ويخلص إلى أن «السؤال الكبير اليوم هل سينقطع يوماً ما الإنترنت في لبنان؟ ليوضح أنه «بالتأكيد لن ينقطع الإنترنت ما دام هناك تحكّم السوق السوداء»، ولكن في المقابل يشير إلى أن «الذي سيتوقف هو الإيرادات على خزينة الدولة».
وفي حين يعتبر أنه «صحيح الإنترنت لن ينقطع بسبب السوق السوداء»، إلّا أنه يرى أنّ «هذا الأمر خطير جداً على البلد والإقتصاد والأمن وخصوصية الناس، وعلى كل ما له علاقة بالأمن القومي وبالسيادة الوطنية للبلد».
الإنترنت عصب الإقتصاد
في المحصلة، يرى أن «المطلوب اليوم لمواكبة الإنترنت وتطويره مكافحة سوء الإدارة العامة التي لها علاقة مباشرة بالملف كونه متأثراً بقرارات سياسية وحكومية، وليس سوء الإدارة من قبل الأفراد والمسؤولين المعنيين بهذا الموضوع، كما أنه يحتاج إلى التكامل والتكافل التام والقرارات التي يجب أن تكون لصالح العمل لضمان إستقرار الإنترنت في لبنان، كما يحتاج أيضاً إلى الإستقلالية عن القرار السياسي ليبقى هذا القطاع حيوياً وإقتصادياً بإمتياز، لأن عصب الإقتصاد هو الإنترنت».