تسجّل الأزمة المستمرة منذ العام 2019 مزيداً من المؤشرات الخطيرة، التي تهدّد تماسك الأسر على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. فمع انهيار القدرة الشرائية للرواتب والأجور، وارتفاع معدّلات الفقر والبطالة، تضطر الكثير من الأسر لاتخاذ تدابير صعبة لضمان استمرار الحياة، ومنها التقشُّف في الأكل والشرب والعلاج الصحي والتعليم. وهذا ما أدّى إلى صعوبات في تأمين الحاجات الضرورية. ووفق منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، تُجبَر حوالى 9 من كل 10 أسر على اللجوء إلى تدابير قاسية للتعامل مع الأزمة، بفعل عدم امتلاكها ما يكفي من المال لشراء الأساسيات.
الأطفال إلى العمل
وكشفت المنظمة في تقرير لها عن استطلاع أجرته في نيسان الماضي شمل 2090 أسرة لديها طفل واحد على الأقل، بينها 1083 أسرة لبنانية، 518 أسرة سورية و489 أسرة فلسطينية، أن “عدداً متزايداً من الأسر تضطر لإرسال أطفالها للعمل (بعضهم لا يتجاوز الست سنوات) في محاولة يائسة للبقاء على قيد الحياة في ظل الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي تجتاح البلاد”.
ولمواجهة الأزمة، “أوقفت 15 في المئة من الأسر تعليم أطفالها، مسجلة بذلك ارتفاعاً من 10 في المئة قبل عام واحد. وخفّضت 52 في المئة من إنفاقها على التعليم، مقارنة بنسبة 38 في المئة قبل عام. وخفّضت ثلاثة أرباع الأسر الإنفاق على العلاج الصحي، مقارنة بـ6 من كل 10 في العام الماضي. واضطرت اثنتان من كل خمس أسر إلى بيع ممتلكاتها، بعد أن كانت أسرة واحدة فقط من كل خمس تفعل ذلك في العام الماضي. واضطرت أكثر من أسرة واحدة من بين كل 10 أسر إلى إرسال الأطفال إلى العمل كوسيلة للتكيف مع الأزمات العديدة، مع ارتفاع هذا الرقم إلى ما يقرب أسرة واحدة من بين كل أربع من أسر النازحين السوريين أرسلت أطفالها الى العمل”.
انعكاسات إضافية على النساء والأطفال
وللأزمة أبعاداً أخرى لا تقف عند الأكل والشرب. فتشير اليونيسف إلى أن “نصف ممّن شملهن الاستطلاع من النساء والفتيات، أنّهن يفتقرن إلى ما يكفي من مستلزمات النظافة النسائية، مثل الفوط الصحية، وجميعهن تحدّثن أنها أصبحت الآن باهظة الثمن بنسبة تضاهي بأشواط قدرتهن على شرائها”.
وللأزمة انعكاسات نفسية تظهر من خلال التوتّر العصبي ومشاعر الغضب. فحسب التقرير، إن الوضع الميؤوس منه ينتج مشاعر غضب من الأهل تجاه الأطفال.
فيشعر ستة من كل عشرة إلى الحاجة الماسة للصراخ على أطفالهم. ويشعر إثنان من عشرة بحنق شديد كاد يؤدّي إلى استخدام الضرب ضد أطفالهم في الأسبوعين الماضيين من إجراء الاستطلاع”.
وهذه المشاعر تنعكس بدورها على الأطفال، إذ “قال سبعة من عشرة أن أطفالهم بدوا قلقين ومتوتّرين ومضطربين. والنصف تقريباً قالوا أن أطفالهم بدوا حزينين للغاية أو يشعرون بالاكتئاب بشكل متكرر”.
مسؤولية الحكومة
لوضع الخطوة الأولى على طريق الخروج من الأزمة، أو على الأقل التخفيف من تداعياتها، تحثّ اليونيسف الحكومة اللبنانية على “الإسراع في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية، والتي تتضمّن خططاً لتقديم المنح الاجتماعية لمن هم في أمسّ الحاجة إليها، بما في ذلك الأسر الأكثر ضعفاً وتلك التي تربي أطفالاً. كما تدعو اليونيسف الحكومة إلى الاستثمار في التعليم من خلال الإصلاحات والسياسات الوطنية لضمان حصول جميع الأطفال -خصوصاً الأكثر ضعفاً منهم- على تعليم شامل وعالي الجودة”.