مع بدء الانهيار الإقتصادي في لبنان عام 2019 ساء وضع التغذية الكهربائية، واتجه أصحاب المولّدات الخاصة في الأحياء الى اعتماد التقنين مع تقلص كميات المازوت المتاحة في لبنان، فمرّ صيف 2020 و2021 حاراً معتماً، ولم تنجح الدولة بتحسين الوضع، ولا تزال مقصرة على صعيد إدارة شؤون المواطنين الذين وجدوا أنفسهم مضطرين لتأمين استمراريتهم، فتحدّوا الظلام بالطاقة الشمسية، ويلجأ الكثير منهم اليوم الى طلب إلغاء اشتراك الكهرباء في منزله بسبب عدم حاجته إليها.
هذا الإعتماد على الذات ينسحب على كثير من القطاعات التي لم تجد الدولة سبيلاً لدعمها أو تأمين صمودها واستمراريتها، ومنها القطاع السياحي، حيث بعد أن ضربت أزمة كورونا لبنان، وما رافقها من إقفال تام، وجد بعض اللبنانيين فرصة لتحسين ظروف حياتهم عبر استثمار بيوتهم في القرى والأرياف والمدن، لتكون بيوت ضيافة تستقبل السياح، المقيمين، والمغتربين والأجانب.
دون أيّ رعاية من الدولة أو خطّة واضحة المعالم بدأت بيوت الضيافة تنتشر على مساحة الوطن، بعدها تحركت وزارة السياحة لتنظيم القطاع وتسجيل بيوت الضيافة بعد التقدم بطلب للحصول على ترخيص من وزارة السياحة، وأصبحت اعداد البيوت المسجلة تفوق 180 بيتاً، تؤمّن مكاناً للسكن بسعر مقبول، رغم أنّ كلفة استئجار بعضها تزيد عن كلفة استئجار غرف الفنادق.
نافست بيوت الضيافة قطاع الفنادق، خاصة أن كلفة تشغيل الأخير تزيد بأضعاف عن كلفة تشغيل بيت الضيافة، لكن هذه البيوت ليست الوحيدة التي نتجت عن الأزمة، وعن تخلي الدولة، فهناك ايضاً “الشاليهات” التي أصبح عددها اليوم بحسب معلومات “النشرة” يزيد عن 350 في كل لبنان.
إذا كانت بيوت الضيافة، منازل قائمة تمت صيانتها أو تحسينها، فإن الشاليهات هي منشآت جديدة بُنيت في السنوات الأربع الماضية لتشكل مقصداً للبنانيين الذين لم يعودوا قادرين على تحمل كلفة السفر، ومن هنا جاءت الفكرة لبلال الذي يملك اليوم 3 شاليهات في منطقة الجنوب، يضم كل واحد منها مسبحاً خاصاً.
يُشير الشاب الى سببين أساسيين جعلاه وغيره يفكرون بإنشاء الشاليهات، الأول هو صعوبة السفر وتعزز فكرة السياحة الداخلية، والثاني هو الحاجة للاستثمار بعد فقدان الثقة بالمصارف، ويقول: “لو كنا قبل العام 2019 لكنت فضلت إيداع المال بالمصرف للحصول على الفوائد، لكنني اليوم أحتاج لاستثمار المال، وكانت فكرة إنشاء الشاليهات التي تتفاوت كلفتها بحسب المساحة والخدمات المقدّمة داخلها، ونوع البناء ما إذا كان حجراً ام خشباً”.
تنتشر هذه الشاليهات في كل لبنان، لاسيما في الجنوب بشكل كثيف وذلك بسبب طبيعة المجتمع الجنوبي، وتحديدا الإناث فيه، حيث ينتشر الحجاب وتكثر الحاجة الى أماكن خاصة للسباحة، يمكن للمحجّبة أن تكون على راحتها فيها، وهذه الشاليهات تشكل اليوم جزءاً ضخماً من السياحة الداخلية، يُفترض أن تحظى باهتمام كامل من وزارة السياحة.
كل هذه الإيجابيّات لا تلغي واقع الكلفة المرتفعة لاستئجار الشاليهات، فهذه الكلفة تتخطى المئة دولار لليلة الواحدة في أغلب الحالات، وتصل الى حوالي 300 دولار لشاليه لأربعة أشخاص، وهذه الكلفة بحسب أحد المالكين للشاليهات سببها كلفة التشغيل المرتفعة، أي الكهرباء ومواد تنظيف المسابح والاعتناء بها، مشيراً عبر “النشرة” الى أنه رغم الأسعار المرتفعة تكاد تبلغ الحجوزات بكل شاليهات لبنان 100 بالمئة خلال شهري تموز وآب، متوقعاً انخفاض السعر خلال السنوات المقبلة بسبب ارتفاع عدد الشاليهات وازدياد المنافسة.