بعدما كانت الأجواء توحي بتسلّم نائب الحاكم الاول وسيم منصوري مهام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بعد انتهاء ولايته، خصوصاً بعد الزيارة التي قام بها منصوري أخيراً الى واشنطن، تَكشّفَ أمس سيناريو جديد لمرحلة ما بعد الشغور، وذلك بعد البيان الصادر والموقّع من نواب الحاكم الاربعة، فهل يتسرّب الشغور الى المجلس المركزي؟
فرضية سيناريو جديد طُرِحت أمس بالنسبة الى ما خَصّ مرحلة المجلس المركزي والحاكمية بعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المتوقعة نهاية الجاري. فالبيان الموقّع من نواب الحاكم الاربعة: وسيم منصوري، بشير يقظان سليم شاهين والكسندر مراديان، والذي طالبوا فيه «بضرورة تعيين حاكم جديد عملاً بالمادة 18 من قانون النقد والتسليف في أقرب وقت ممكن وإلّا سنضطر إلى اتخاذ الإجراء الذي نراه مناسبًا للمصلحة العامة»، أعادَ خلط الاوراق بعدما كانت تسود تطمينات في الآونة الاخيرة انّ النائب الاول وسيم منصوري سيستلم مهام الحاكم فور انتهاء ولايته. وبالتالي، أُعيدَ إحياء السيناريو الذي كان سائداً في الاشهر السابقة، والذي يشير الى رفض رئيس مجلس النواب نبيه بري تسلّم منصوري مهام الحاكم. وعليه، وفي حال كان هناك توجّه لاستقالة نواب الحاكم كما استشَفّ البعض من البيان الذي صدر أمس ماذا سيكون مصير المجلس المركزي؟ هل يتجه نحو تصريف الاعمال؟ وهل يسري الأمر على الحاكم ايضاً فيطلب منه ان يستكمل مهام تصريف الاعمال؟
في هذا السياق، رأى رئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية المحامي بول مرقص انّ الكتاب الموقّع من نواب الحاكم الاربعة هو إجراء استباقي يُكسبهم خطوط دفاع استدراكاً لأيّ مسؤوليات ستقع عليهم مع الاطالة في فترة الشغور الرئاسي وتصريف الاعمال والاستنكاف عن تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي، حسبما تشير اليه الأمور.
أما عبارة «الاجراء المناسب» الذي يمكن أ يتّخذوه فليس بالضرورة وحَتميّاً، لكن يمكن ان يكون استقالة فردية او جماعية، بمعنى ان تكون الواحدة تلو الاخرى، لكن ذلك ايضا ليس بالامر السهل بسبب المسؤولية المُلقاة عليهم، حتى عند تقديم استقالاتهم في هذا الظرف الحاد والحرج والاستثائي بسبب الظروف النقدية والمصرفية والمالية غير المسبوقة التي تمر بها البلاد، سيجعل الاستمرار في المنصب مُكلف، وكذلك الاستقالة مسؤولية.
أما في حال تقدّم نواب الحاكم الاربعة باستقالاتهم فيمكن للحكومة ان تطلب منهم الاستمرار في مهامهم لكن هذا الامر لا يسري على الحاكم.
ورداً على سؤال، أوضحَ مرقص انه في الاصل تقوم حكومة تصريف الاعمال فقط باتخاذ القرارات الضرورية اللازمة وبالحد الادنى لاستمرار المرافق العامة. وبالتالي، فإننا نفرّق بين الاعمال التصرفية (acte de gestion) التي لا يعود لحكومة تصريف الاعمال القيام بها والاعمال العادية المتعلقة بتسيير المرفق العام. وبالتالي، فإنّ التعيينات الادارية لا تقع في المبدأ ضمن صلاحيات حكومة تصريف الاعمال، خصوصاً متى يتعلق الامر بتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان الذي، وإن كان وزير المال يقترح تعيينه وفق المادة 18 من قانون النقد والتسليف، الا انّ العُرف دَرجَ بأن يقوم رئيس الجمهورية بتزكية تعيينه في مجلس الوزراء بأكثرية ثلثي اعضاء المجلس على اعتبار انه من الفئة الاولى التي تتطلب هذه الاكثرية الموصوفة للتعيين.
أما وأنّ الظروف الاقتصادية والمالية والنقدية في البلاد هي ظروف استثنائية جدا وتُنبئ بانهيار شامل ومُتسارِع بسبب الاطالة والتمادي في عدم انتخاب رئيس للجمهورية، وبالنظر الى قرب انتهاء ولاية الحاكم وتحذير نوابه اليوم من عدم انتخاب حاكم جديد، الامر الذي يُلحِق ضرراً كبيراً بالمرفق العام النقدي والمصرفي، فإنّ هذه الضرورة الملحة يمكن الاستناد اليها لتعيين حاكم جديد للمصرف المركزي قياساً الى تجارب حديثة حصلت مع الحكومة السابقة لرئيس الوزراء نجيب ميقاتي عام 2013 مع تعيين رئيس واعضاء لهيئة الاشراف على الحملة الانتخابية، وقبلها، اي قبل ان يضيق مفهوم تصريف الاعمال قبل الطائف مع حكومة الدكتور سليم الحص، رغم انّ هذا المعنى من تصريف الاعمال قد ضاق مع التعديلات الدستورية التي أتى بها اتفاق الطائف في ايلول 1990. يبقى انّ حلفان اليمين، وفي حال تعيين حاكم في مثل هذه الضرورات النقدية والمصرفية، يمكن تأجيله أسوة بما حصل مع رئيس لجنة الرقابة السابق سمير حمود وآخرين.
تابع مرقص: يترافَق كل ذلك مع الخشية من تحرك الوضع النقدي في البلاد، سواء بسبب التدهور الحاصل او لأسباب مصطنعة مختلقة يمكن ان تؤدي الى افتعال مزيد من الانهيارات المصرفية والنقدية التي معها يَتحتّم تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي من قبل حكومة تصريف الاعمال، وذلك على نحو استثنائي وضيق جدا، حيث ان مفهوم تصريف الاعمال وان كان ضيقا فإنه يتسع مع الاطالة في فترة الشغور الرئاسي.
بيان نواب الحاكم
وكان نواب حاكم مصرف لبنان قد أصدروا بياناً جاء فيه: «في ظل التباينات السياسية التي تَجلّت في العجز عن انتخاب رئيس للجمهورية وملء الشواغر في إدارات ومؤسسات الدولة اللبنانية، وانعكاسها على عمل السلطات التشريعية والتنفيذية، ونظراً لعدم توافق القوى السياسية في مقارباتها لمعالجة الأزمة الاقتصادية والمالية،
وبما أن المصارف المركزية ترسم سياساتها النقدية بالتوافق مع سياسة الدولة العامة، والتي هي للأسف غير متجانسة في الوضع الراهن للدولة اللبنانية، وفي غياب خطة شاملة وواضحة لإعادة التوازن المالي والمصرفي، كما وتحقيق توازن في موازنة الدولة، مما يسمح للمصرف المركزي بوضع الأسس النقدية والمالية لإعادة الثقة، لا يجوز ان ينسحب مفهوم تصريف الاعمال الى السلطة النقدية الاعلى في الدولة،
لذلك، ومع اقتراب تاريخ انتهاء ولاية حاكم المصرف المركزي في ٣١ تموز ٢٠٢٣، نرى أنه من واجبنا التشديد على ضرورة تعيين حاكم عملاً بالمادة 18 من قانون النقد والتسليف في أقرب وقت، وإلا سنضطر الى اتخاذ الإجراء الذي نراه مناسباً للمصلحة العامة».