توالت أمس ردود الأفعال المستنكرة لبيان نواب حاكم مصرف لبنان الذي تضمن تهديداً مبطّناً بالإستقالة في حال عدم تعيين حاكم أصيل يحلّ محلّ رياض سلامة بعد خروجه من الحاكمية آخر الشهر الحالي. وقال نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي إنه يتفق مع بيان نواب حاكم مصرف لبنان الاربعة بشأن الحاجة والضرورة لتعيين حاكم جديد للبنك المركزي، و»هذا ما كنت ولا أزال أطالب به منذ عدة أسابيع»، وتوقف الشامي، كما جاء في بيان له، عند نقطتين مثيرتين للتساؤل برأيه:
نقطتان مثيرتان
أولاً: التهديد بالإستقالة الذي ينطوي عليه البيان خطير للغاية في هذا المنعطف الحرج والوقت العصيب الذي يمر به البلد. يشير البيان الى المادة 18 من «قانون النقد والتسليف» التي تنص على آلية تعيين حاكم جديد في حال شغور هذا الموقع، ولكن في الوقت نفسه يتجاهل المادة 25 التي تقول بوضوح شديد على أن يتولى النائب الأول للحاكم مسؤولية الحاكم عند الشغور. ولا يمكن أن ننتقي ونختار من القانون ما نشاء.
ثانياً: إن القول بعدم وجود خطة إنقاذ حكومية أمر صادم نظراً لوجود هذه الخطة، ولأن مصرف لبنان كمؤسسة كان جزءاً من الفريق الذي شارك في اعدادها ومناقشتها والاتفاق عليها مع صندوق النقد الدولي.
وختم الشامي بالقول: «نعم نحن بحاجة الى حاكم جديد لكن على نواب الحاكم تحمّل مسؤوليتهم في حال تعذر هذا التعيين».
تهديد غير مشروع
واعتبر رئيس الإتحاد العام لنقابات عمال لبنان مارون الخولي، أن «التهديد باستقالة نواب حاكم مصرف لبنان تحت مبرر المصلحة العامة، هي خطوة غير مقبولة ومستغربة وتستحق الاستنكار، فالبيان المشترك الصادر عن النواب الأربعة لحاكم المصرف المركزي، يهددون فيه باتخاذ إجراءات مناسبة للمصلحة العامة في حال عدم تعيين حاكم جديد قبل انتهاء ولاية الحاكم الحالي هرطقة، وعلى الرغم من تضمين البيان أهمية تعيين حاكم جديد يتمتع بالكفاءة والنزاهة، إلا أن تهديدهم بالاستقالة هو تهديد غير مشروع ويتعارض مع القانون ومع أساس تعيينهم كنواب حاكم يشغلون المنصب عند الشغور».
وأكّد في بيان أن «قانون النقد والتسليف ينص في المادة 24 منه على أن استقالة نواب الحاكم يجب أن تحصل على موافقة الحكومة، وبالتالي فإن استقالتهم لن تكون سارية المفعول قانونياً إلا بعد موافقة الحكومة عليها، وبناءً على ذلك، يجب اعتبارهم مستمرين في مناصبهم حتى يتم قبول استقالتهم رسمياً من قبل الحكومة، وبالتالي فان نواب الحاكم للمصرف المركزي هم مسؤولون عن متابعة شؤون المصرف المركزي ولهم صلاحياتهم واختصاصاتهم الخاصة».
تعريض «المركزي» للخطر
أضاف: «إدارة المصرف لا تقتصر على الحاكم وحده، بل يشاركون جميعاً في إدارته من خلال عضويتهم في المجلس المركزي لمصرف لبنان، وبناءً على ذلك، فإن استقالتهم تعرّض استمرارية المصرف وعمله للخطر، كما تعرّض الاستقرار النقدي لهزة من الممكن ان ينتج عنها انهيار دراماتيكي للعملة الوطنية، فهم عملياً وفعلياً يشكلون جزءاً أساسياً من هذا المرفق العام المهم».
وتابع الخولي: «إن نواب الحاكم يتقاضون مخصصات ومنافع مالية كبيرة لأداء مهمتهم في حالة شغور منصب الحاكم، وبناءً على ذلك، يجب عليهم تحمل المسؤولية الوظيفية والقانونية ومتابعة أعمالهم حتى يتم تعيين حاكم جديد. فإذا تمت استقالتهم فجأة ودون استكمال الإجراءات اللازمة، فإنهم يسببون ضرراً للمصلحة العامة ويفتقرون إلى المهنية وعلى عدم قدرتهم وجرأتهم على تحمل المسؤولية الوطنية في تصحيح مسار السياسة النقدية والمالية والتي أدت الى كوارث مالية».
وختم الخولي بأن «استقالة نواب الحاكم للمصرف المركزي في ظل شغور منصب الحاكم، لا تصب في صالح المصلحة العامة، بل تزيد من التعقيدات وتعرض المصرف وإدارته للخطر. وبناءً على القانون، فإن نواب الحاكم يتحمّلون مسؤولية استمرارية العمل وأداء المهام الملقاة على عاتقهم حتى يتم تعيين حاكم جديد. لذا، يجب على نواب الحاكم أن يلتزموا واجباتهم وألا يتخذوا خطوات تهدد استقرار المصرف المركزي وعمله. وهم سيتحمّلون مسؤولية شخصية ومادية عن الأضرار اللاحقة بهذه الاستقالة المريبة».
تسيير المرفق العام
وأكّدت أستاذة القانون المتخصصة بالشأن المصرفي سابين الكك أنه لا يوجد خيار قانوني إلا بتولي وسيم منصوري (النائب الاول) مهام سلامة، لكن المهام تختلف عن الصلاحيات، وتقتصر على تسيير المرفق العام. وتتساءل عن قدرة منصوري بإدارة منصة صيرفة، وتقول: «إن سلامة شخصية استثنائية كرجل سوق يجرؤ على المخاطر، وليس معلوماً إن كان منصوري قادراً على انتهاج أسلوبه، بعدما تحدثت التقارير الدولية عن مضاربات تسببت بها منصة صيرفة».
وترفض الكك في تصريح لموقع الجزيرة نت وصف الـ30 عاماً بـ»ولاية سلامة»، بل إنها عقود من الحكم الأوتوقراطي، لأن الأساس بالمؤسسات المداورة برأيها، وأن «تجدد ولاية موظف كبير 4 مرات، تصبح ولاية الأمر الواقع لشخص واحد»، وهي معادلة «تناقض الشفافية ومكافحة الفساد، خصوصاً أن حاكم المركزي مسؤول مباشر عن النظام المالي للبلاد».
واعتبرت سابين أن حقبة سلامة قامت على إخفاء الحقيقة مقابل تلميع سمعته، «ما يجعل من خروجه باتهامات الاختلاس وتبييض الأموال، ذات رمزية كبيرة». وعملياً، يتمّ تعيين حاكم للمركزي بلبنان بعدما يرفع وزير المالية الأسماء، ويعين مجلس الوزراء أحدها بموجب مرسوم، ويتولى الحاكم منصبه، وبحسب المادة 18 من قانون النقد والتسليف، يتوجب عليه أداء القَسم أمام رئيس الجمهورية للقيام بوظائفه، وطالما أن الشغور الرئاسي قائم، تعتقد سابين الكك أن المهم بمرحلة «ما بعد سلامة»، ليس العثور على بديل، بل الشروع بإعادة هيكلة إدارية وتشريعية ومالية بالمصرف المركزي الذي يحتاج لنهج مؤسساتي مختلف، «لأن أي شخصية ستخلف سلامة، ستصطدم بكَمّ هائل من العقبات التي ستعيق الإصلاح المصرفي، لنهج عمره 30 عاماً».