سعادة حاكم مصرف لبنان بالإنابة، لا ترتكب نفس خطئي؟

انطلقت مرحلة جديدة لحاكمية مصرف لبنان مع استلام النائب الاول وسيم منصوري منصب الحاكم بالإنابة، وطرح خطة عمله خلال مؤتمر صحفي عارضاً أبرز الخطوط العامة التي سيلتزم بها. وأبرز ما جاء في خطّته انّه تعهّد بـ»الشفافية الكاملة». هذه نقطة بالغة الأهمية نتمنى ان يلتزم بها ويطبّقها، حيث انّ غياب الشفافية خلال الـ30 سنة الماضية لعبت اهم دور في إنجاح عملية تدمير اقتصادنا.

وأدعوه الى اعتبار الشفافية المنهج الرئيسي في عمله والّا يرتكب نفس الخطأ الذي ارتكبته حين كنت وزيراً. فعندما استلمتُ حقيبة وزارة السياحة حاولتُ نشرَ حسابات الوزارة على الإنترنت، وتمّ إبلاغي بأنّ هذا مخالف للقانون، كان عليّ ان اطلب من البرلمان تغيير القانون ليسمح لي على الاقل ان اقدّم نموذجاً عن الشفافية في وزارة السياحة، وإذ تمنّع البرلمان من اصدار القوانين اللازمة ، كان عليّ ان استقيل. هذا خطأ ما زلت أندم عليه حتى الآن.

لذلك اتوجّه الى سعادة الحاكم بالإنابة، الاّ يتساهل بموضوع الشفافية ويحقق انجازاً حقيقياً باعتمادها كاملة، عبر منح access لحسابات المصرف الممكننة للاطلاع من دون تغيير مضمون، ستكون خطوة عالمية تلقى الثناء وتُسجّل له انجازاً تاريخياً، وهذا نقيض ما كان عليه المصرف المركزي سابقاً، الذي اعتمد التعتيم المطلق وصولاً الى إخفاء التقارير المدققة التي أجرتها شركتا التدقيق «ديلويت اند توش وارنست اند يونغ» على مدى 27 عاماً. وهذه التقارير هي من حق الشعب.

كما يجب تعديل القوانين لتحمي ودائع الناس وعدم تكرار ما حصل، فحتى لو افترضنا انّ وزراء الحكومات السابقة هم أوادم، ولكن بعضهم ارتكبوا اخطاء بريئة (وهم ليسوا عملاء) وأعمالهم ليست ضمن مخطّط لإفلاس لبنان وخدمة لاعداء لبنان، الاّ انّ القوانين الحقيرة التي كانت متّبعة تحمي الممارسات السيئة والمشبوهة، فالقوانين يجب ان تعطي الحاكم القدرة على حماية القطاع المصرفي والودائع ومواجهة جشع السلطة السياسية وممارسات المصارف الملتوية والحرص على وجود شفافية ونزاهة في عمل القطاع المصرفي، هذا دور المصرف المركزي، ولا يعود له كما فعل رسم السياسات المالية ومنح القروض ومنح الدعم المالي للدولة، على القانون ان يكون واضحاً في هذا المجال. لأنّ القانون الصحيح مع الشفافية المطلقة يضمن عدم تكرار تجاوزات السنوات الماضية.

وقد طلبت سعادة الحاكم تطمينات من السلطة، لا تحتاج الى أية تطمينات اذا كنت تملك الشفافية المطلقة، فالشفافية تحميك وتعطيك ضمانة مطلقة.

كما ذكرت موضوع رفع السرية المصرفية عن الجميع، انّ التعديلات الاخيرة باتت تسمح برفع السرّية المصرفية عن الحسابات المشبوهة، ولكن حذارِ من المسّ بميزة السرّية المصرفية في لبنان، لأنّ إلغاء السرّية المصرفية هو إلغاء ميزة أساسية في قطاعنا المصرفي اللبناني، وهي ميزة سيستفيد منها لبنان بعدما يستعيد عافيته الاقتصادية مستقبلاً، وأعتقد انّ أعداء لبنان يروّجون لإلغائها لمنع استعادة القطاع المصرفي لحيويته الماضية.

بالاضافة الى ذلك، ندعوك سعادة الحاكم بالإنابة الى اعتبار موضوع اعادة الودائع أولوية وأساسية لإعادة الثقة والازدهار، وان تفرض على البنوك إعادة ما تبقّى من الودائع لأصحابها، انّ اصحاب هذه الودائع من اللبنانيين والمغتربين وغير اللبنانيين قادرون ان يلعبوا دوراً اساسياً في اعادة الازدهار، واذا تصرّفنا معهم كما يلزم، يمكننا ان نستغني عن زيادة الاستدانة، وهذه الامور تستلزم شرحاً مفصّلاً في مقالات لاحقة.

لا اريد ان أتبع نظرية المؤامرة، ولكن حجز اموال هؤلاء حرم لبنان من عدد صعب تقديره من مشاريع كان من الممكن ان يقوموا بها في لبنان لو استطاعوا الوصول الى أموالهم، بالاضافة الى المشاريع التي توقفت لأنّ الودائع قد حُجزت. هذه جريمة بحق لبنان عبر بث اليأس في نفوس أعداد ضخمة من الأشخاص التي آمنت بلبنان ووضعت ودائعها وستقوم بالاستثمار فيه، كيف يمكن السكوت عن هكذا جريمة، كيف سكتت الدول الكبرى عن هذه الفضيحة التي تهدف الى تدمير كل الفرص الاستثمارية في لبنان؟ سيلاحق العار كل من سّبب، وتواطأ وسكت، وغطّى هذه الجريمة.

نتمنى التوفيق للسيد منصوري في مهامه، وان ينجح في إعادة الانتظام للمصرف المركزي. فقبل رحيله قال رياض سلامة انّ مصرف لبنان صمد وسيبقى صامداً، ولكن لم يكمل عبارته ليقول انّ المصرف صمد معتمداً على سرقة اموال المودعين والناس ومن فَقَدوا حياتهم وتعويضاتهم وجنى عمرهم، وافلاس الضمان الاجتماعي، وتمّ حرمانهم خلال سنوات الصمود من ادنى حقوقهم وتحوّلوا الى شحادين على ابواب المصارف.

حق هؤلاء عليكم الآن ان تُعاد حقوقهم، لانّ ما تعرّضوا له ليس سوء ادارة او خطأ بل هو جريمة وفضيحة بكل المعايير.

 

مصدرالجمهورية - فادي عبود
المادة السابقةمشروع مرفأ جونية السياحي مجمد ….الى متى
المقالة القادمةرواتب الموظفين بالليرة… كيف سيتفاعل سوق الصرف؟