“إرباك الحاكميّة” يرفع الدولار نهاية آب.. إلّا إذا؟!

تقول المعلومات إنّ حاكم مصرف لبنان الجديد وسيم منصوري يُعدّ تقريراً مفصّلاً قد يخرج به إلى الإعلام في الأيام القليلة المقبلة فور انتهائه، وذلك من أجل إطلاع الرأي العامّ على حجم احتياطات مصرف لبنان بالعملة الأجنبية وحجم التوظيفات الإلزامية وبقيّة التفاصيل والأرقام، التي بقيت منذ بداية الأزمة غير واضحة ومبهمة أيام الحاكم السابق رياض سلامة.

التقرير المنتظر من منصوري في غضون الأيام المقبلة سيكون بمنزلة “مفترق طرق”: إن كان حجم الاحتياطات غير متطابق مع ما كان يُعلنه سلامة، فهذا يعني أنّ سلامة كان يبيع اللبنانيين أوهاماً، أو “سمكاً في البحر”، فكان يوحي لهم بالاستقرار، بينما كان ذاك الاستقرار في سعر الصرف، خصوصاً في الأشهر الستّة التي تلت رحيله، على حساب ما بقي من ودائع الناس وما بقي من احتياطات بالعملة الأجنبية في مصرف لبنان، وهذه الاحتياطات تُعتبر باعتراف أغلب الخبراء آخر “جرعة علاج” للاقتصاد اللبناني بعد تنفيذ الإصلاحات المنتظرة.
أمّا إذا خرج منصوري بتقريره، مبيّناً أرقاماً متطابقة مع ما كان يُعلنه رياض سلامة، يمكن القول إنّ منصوري وبقيّة نواب الحاكم والمجلس المركزي برمّته، أمام مأزق كبير، لأنّ ذلك سيُفسّر بأنّ سلامة كان صادقاً في أرقامه تلك، وأنّه استطاع أن يُرسي استقراراً عبر منصّة “صيرفة” من دون المسّ بالتوظيفات الإلزامية فعلاً مثلما كان يقول، أقلّه منذ بداية السنة الحالية إلى اليوم.

بل أكثر من ذلك، فهذا يعني أنّ نواب الحاكم والمجلس المركزي، وعلى رأسه منصوري، يرفضون السير مجدّداً بمنصة “صيرفة” على الرغم من أنّها محدودة الخسائر، إذا ما قورنت بـ”الخيار الكارثي” الذي يطالبون به، وهو الصرف على قطاعٍ عامٍّ متخم بـ”الدحشات” و”المحسوبيّات” من التوظيفات الإلزامية، أي من أموال المودعين، ولصالح موظّفين يرفضون الحضور إلى دوام العمل، إلّا يوماً أو يومين في الأسبوع، ولا ينفكّون يطالبون بزيادات إضافية على رواتبهم مع كلّ عثرة أو محطة تصادف الحكومة… صحيح أنّ الصرف الذي يتحدّثون عنه مشروط ومحدّد، لكنّنا نعرف أنّ في لبنان “الاستثناء هو القاعدة” وكلّ مؤقّت دائم.

ارتفاع الدولار نهاية آب؟

الكارثة الكبرى التي تنتظر الحاكم ونوّابه ليست هنا، بل نهاية شهر آب، أي عندما ندخل نهايات الموسم السياحي، ويبدأ المغتربون بالعودة إلى الخارج. عندها يكون مصرف لبنان قد أهدر قرابة شهر ونصف من دون الاستفادة من دفق الدولارات الذي يشهده السوق نتيجة وقف “صيرفة”، فهذه الدولارات لا يمكن لمّها من السوق أو تعويضها لأنّها موسمية.

أمّا إذا ترافق هذا الواقع مع ما يُحكى عن نيّة الحكومة دفع رواتب موظّفيها في القطاع العامّ بالليرة اللبنانية، فبذلك سيعود سعر الصرف إلى التحرّك صعوداً إلى ما يقترب مجدّداً من 100 ألف ليرة، وذلك للأسباب التالية:
1- بسبب وفرة الليرات اللبنانية في السوق مجدّداً، لأنّ رواتب القطاع العامّ تُقدّر بنحو 7 تريليونات ليرة لبنانية بحسب أرقام زيادة الرواتب السبعة الأخيرة التي أقرّتها الحكومة (كتلة الرواتب كانت 1 تريليون قبل الأزمة وانتفخت 7 أضعاف). وهذا يعني أنّ الحكومة أو بالنيابة عنها مصرف لبنان، سيضطرّان إلى ضخّ 7 تريليونات نهاية هذا الشهر، وبذلك سترتفع كتلة الليرات النقدية من قرابة 60 تريليوناً (يقول منصوري إنّها تراجعت قبل رحيل سلامة) إلى نحو 95 تريليون ليرة لبنانية نهاية السنة.

2- وفرة الليرات بين أيدي الموظّفين بزيادة 35 تريليون ليرة على مدى الأشهر الخمسة المقبلة، ستعكس حال “عرض الدولار” لدى شبابيك الصرّافين إلى “طلب الدولار”، ليس على يد موظّفي القطاع العامّ طبعاً، لأنّ حجم هذه الدولارات محدود ومعروف، بل على يد التجّار الذين ستصبّ عندهم هذه الليرات بفعل الاستهلاك المنطقي والطبيعي للموظّفين. ولأنّ المنطق يفترض أنّ عملة الملاذ الآمن للتجارة هي الدولار الأميركي، فهؤلاء سيهرعون إلى تحويلها إلى دولارات سريعاً، وهذا حتماً يعني عودة الطلب على الدولار، خصوصاً إذا أصرّ الحاكم ونوابه على قرار عدم التدخّل في السوق من أجل امتصاص الليرات اللبنانية الفائضة… وإن فعلوا فذلك يعني أنّهم عادوا إلى “صيرفة” لكن هذه المرّة “من الباب الخلفيّ”.

هذان السببان سيزيدان من الضغوط التضخّمية على الليرة وعلى سعر صرفها مجدّداً، ولا يُستبعد أن نلمس عودة تحرّك سعر صرف الدولار صعوداً اعتباراً من نهاية شهر آب، إن لم يجد نواب الحاكم تخريجة لهذا المأزق.

تخريجة اسمها “صيرفة” أو شيء يشبهها… وهنا لا بدّ من التذكير مجدّداً بأنّ تطابق أرقام منصوري المنتظرة مع الأرقام المعلنة من سلامة، سيعني أنّ استقرار سعر صرف الدولار الذي أرساه سلامة عبر “صيرفة” كان فعلاً نتيجة السيطرة على السوق وليس من خلال التوظيفات أو الاحتياطات. وهو استقرار استغرق وصول سلامة إليه نحو سنة ونصف.

قد يقول قائل: نعم، لكنّ “صيرفة” غير شفّافة!

كلّنا يعرف أنّ “صيرفة” غير شفّافة، وهي باب منفعة لمجموعة محدّدة من المحسوبيات. لكن في المقابل، فإنّ “صيرفة” تشبه حال البلد، بل تشبه الفوضى التي تأكل كلّ الإدارات الرسمية وكلّ ما يخصّ الدولة اللبنانية.

إن ثبُت أنّ رياض سلامة استطاع من خلال “صيرفة” والتدخّل في السوق، أن يحمي فعلاً المليارات الـ9 الخاصّة بالتوظيفات الإلزامية، فسيأتي من يسأل الحاكم ونوابه: هل بينكم من يملك حلّاً آخر بخلاف “صيرفة” قادراً على حماية التوظيفات والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي في الوقت نفسه في ظلّ تعثّر إقرار الإصلاحات وتأخّره؟
الجواب حتى اللحظة سيكون: كلّا.

 

مصدرأساس ميديا - عماد الشدياق
المادة السابقةتحويلات المغتربين.. هذا ما سجلته الأرقام
المقالة القادمةهل صمت المصارف يعني موافقتها على خطة نواب حاكم مصرف لبنان ؟