مغزى الدعوة السعودية لمنصوري وأبعادها

خلافاً للمرات السابقة سيكون لإنذار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي «اللهم أشهد إني قد بلغت»، وقعه. الرجل الذي خرج من جلسة مجلس النواب التي تعرقل انعقادها لعدم اكتمال النصاب، توجّه إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، شاكياً حال حكومته، فكان جواب الأخير «طوّل بالك». لكن بال ميقاتي قد لا يطول كثيراً، فالمحيطون به يتحدثون عن حالة من الغضب واليأس تسللت إليه جعلته يصارحهم بنيّته وقف تصريف الأعمال والاكتفاء بموقف المتفرج، «كما هي حال معظم السياسيين الذين لا يزالون يمارسون الكيدية السياسية رغم الإنهيار الحاصل». يصبو ميقاتي إلى تحقيق بعض الإصلاحات الضرورية وإلى التعاون بين الحكومة ومجلس النواب وليس تحميل الحكومة مسؤولية التأخير في استحقاق إنجاز لا يتوقف عليها.

المطالبة بالإصلاحات هي لسان حال حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري الذي يريد ورقة في يده يستطيع من خلالها التحدث مع المجتمع الدولي طلباً للمساعدة. وحال منصوري ليست أفضل من حال ميقاتي، وإن كانت الأبواب قد شرّعت لإستقباله.

كان لافتاً إعلان زيارة منصوري السعودية مطلع أيلول المقبل، فالمملكة التي أقفلت أبوابها ولم توجّه دعوات إلى أي من المسؤولين في مجالي المال والسياسة، تستعد لاستقبال حاكم مصرف لبنان بالإنابة، وتُعدّ له جدول أعمال يتضمّن لقاءات اقتصادية. وما يدعو إلى التساؤل: هل السعودية في صدد فتح أبواب المساعدات الاقتصادية مجدداً أمام لبنان كرسالة دعم للحاكم الجديد وخطواته التي حظيت بدعم داخلي ومن المجتمع الدولي، وأولاها اعتماد مبدأ الشفافية في التعامل ووقف مزاريب الهدر؟

منذ نهاية ولاية الرئيس ميشال عون والجمود الذي يحيط الإستحقاق الرئاسي تقف السعودية على الحياد، وتنأى بنفسها عن دعم أي مرشح رئاسي، وتصرّ على انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتحقيق الإصلاحات الإقتصادية التي تعتبرها مدخلاً إلى لبنان من جديد.

وفي تصريحاته وخلال اللقاءت التي يعقدها السفير السعودي وليد البخاري، وكان آخرها استقباله منصوري، لم يتوقف عن التأكيد على تحقيق الاصلاحات المطلوبة كمدخل للحل، غير أنّ تحقيق هذه الإصلاحات يصطدم بعراقيل كثيرة، أهمها الخلاف الحاصل حول عمل مجلس النواب في ظل الفراغ الرئاسي والإنقسام بين من يؤيد استمرار دوره التشريعي إلى حين انتخاب الرئيس، ومن يرفض أن يمارس المجلس أي دور له طالما هو في دورة انعقاد من أجل الانتخابات الرئاسية.

وقد دخل الحاكم الجديد على خط حضّ الحكومة ومجلس النواب على إقرارها، ولو على مراحل، ليتسنى له الدفع في اتجاه طلب المساعدة، إلى أن وصل به الأمر الى التعهد أمام السياسيين بأنه على استعداد للتواجد إلى جانب النواب في المجلس للمساعدة في مناقشة الإصلاحات لإقرارها.

حصل التمهيد للزيارة المرتقبة من خلال استقبال البخاري لمنصوري، وتطرق البحث إلى امكانية أن تؤازر السعودية القوى الأمنية بالموضوع النقدي، على غرار ما تقوم به دول أخرى كقطر التي تصرف مساعدات للقوى العسكرية. وهو الطلب ذاته الذي سيحمله منصوري معه خلال زيارته، بالإضافة إلى البحث في قضايا مالية ذات اهتمام مشترك. فهل تبدي السعودية استعداداً للتجاوب أم تبقي قرارها رهن تحقيق الاصلاحات المطلوبة وانتخاب رئيس للجمهورية من خارج الطبقة الفاسدة؟

أكثر من مغزى يمكن أن يصبّ في معنى الدعوة السعودية لمنصوري. هو يمثل اعترافاً سعودياً بحاكمية منصوري واعادة الانفتاح على المؤسسات اللبنانية. وقد تكون للسعودية رغبة في الإستفسار منه حول مصير المصارف ومستقبل مصرف لبنان، ومسألة اندماج المصارف، خصوصاً أنّ في لبنان الكثير من المصارف ذات رؤوس أموال سعودية مشاركة فيها، أو الإستفسار عن أموال السعوديين في المصارف اللبنانية. ويندرج في سياقها أيضاً الإنفتاح على النخب الشيعية الجديدة. فالحاكم بالإنابة وان كان تعيّن بالمحاصصة، لكن له حيثيته وموقعه المستقل وقراراته، ومن بينها رفض تمويل الدولة بالطريقة التي كانت متّبعة.

يقول مقربون من منصوري إنه تحرر من سياسات الحاكم السابق، وهو يعتزم عقد مؤتمر صحافي قريباً يصارح فيه الرأي العام بالخطوات التي حقّقها منذ يومه الأول في تحمل المسؤولية. ويمكن القول إنّ السعودية باستقباله طوت صفحة رياض سلامة وسلّمت بحاكمية منصوري، والزيارة وإن كانت لمجرد التعارف فهي كفيلة بفتح مرحلة جديدة أرادت المملكة أن تثبت وجودها خلالها في الإقتصاد، كما في السياسة.

مصدرنداء الوطن - غادة حلاوي
المادة السابقةباخرة “فيول” تُشعل النكايات بين وزارتَي “الطاقة” و”المال”
المقالة القادمةلا حقيقة كاملة من دون تدقيق جنائي في المصارف