لم يسبق أن تعرّض مسؤول لبناني لحصار كالذي يتعرّض له رياض سلامة. سجين في مكان غير معلن، يتجنب الظهور أمام الجمهور، ولا قدرة له على السفر. وهو الذي كان إلى ما قبل بضعة أسابيع، الرجل الأول في الدولة، يديرها كما يشاء بصفته الحاكم بأمر المال. غير أن «دولاب» سلامة برم سريعاً، فما إن خطا خارج المصرف المركزي حتى داهمته عقوبات الولايات المتحدة التي سبق أن حمته وغطّته على مدى 30 عاماً.
وبعد فرض وزارة الخزانة عقوبات على سلامة، انضمت الولايات المتحدة الى المسار القضائي الخارجي، عبر فتح مكتب المدعي العام في المقاطعة الجنوبية من مدينة نيويورك تحقيقاً قضائياً في ملف سلامة بحسب ما أوردت صحيفة «فايننشال تايمز» أمس. وبذلك، يكون سلامة موضوع تحقيق في أميركا وفي 7 دول أوروبية (فرنسا، ألمانيا، سويسرا، لوكسمبورغ، بلجيكا، موناكو وليختنشتاين). وقد جمّدت فرنسا أصوله وممتلكاته وأصدرت مذكّرة توقيف بحقه أدّت إلى ملاحقته من قبل الإنتربول الدولي، ولحقتها ألمانيا، إضافة إلى تجميد ممتلكاته في بريطانيا وكندا. كذلك تحقّق باريس مع حاكم المصرف المركزي الفرنسي السابق كريستيان نوايي بتهمة تقاضي رسوم استشارات من مصرف لبنان المركزي.
وفي لبنان، حيث جُمّدت أرصدة سلامة المصرفية تنفيذاً لقرار العقوبات الأميركي بعد الحجز على ممتلكاته بطلب رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر، أنهى النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات درس تقرير التدقيق الجنائي، وعلمت «الأخبار» أنه في صدد اتخاذ إجراءات بدءاً من يوم غد، إذ يُتوقع أن يعمد إلى تجزئة التقرير إلى ملفات عدة يُحوَّل كل منها إلى الجهاز القضائي المختص.
في موازاة ذلك، تتجه الأنظار الى موعد مثول سلامة أمام الهيئة الاتهامية في بيروت في 29 من الشهر الجاري. غير أن الهيئة تواجه معضلة عدم القدرة على تبليغ الحاكم، إذ لم تتمكن فصيلة قوى الأمن الداخلي المكلّفة بذلك من العثور عليه. وهو ما يبدو مثيراً للسخرية. لذلك يبقى الحلّ الوحيد هو إبلاغ سلامة لصقاً في مكان سكنه الأخير ولدى مختار البلدة وعلى أبواب المحكمة، وصولاً إلى إصدار مذكّرة توقيف غيابية بحقه في حال لم يحضر إلى الجلسة. عندها، يكون بإمكانه التقدّم بطلب استرداد المذكّرة لقاء كفالة، إلا أن تنفيذ طلبه رهن بموافقة جهتين هما قاضي التحقيق والنيابة العامة.من جهة أخرى، أشارت معلومات إلى أن قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة شربل أبو سمرا الموكل بالتحقيق في ملف سلامة قبل أن تطلب هيئة القضايا كفّ يده، تقدّم أخيراً بطلب إجازة مرضية قبيل خروجه إلى التقاعد في تشرين الثاني. وإذا ما قبل الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في بيروت القاضي حبيب رزق الله طلبه، يُصبح تعيين قاضي تحقيق مكانه متاحاً، ما يساهم إلى حدّ ما في حل مسألة توقّف التحقيق. على أن أيّ قاضٍ سيخلف أبو سمرا، بات ملزماً بالادّعاء على سلامة ومعاونيه وتوقيفهم نظراً إلى الوثائق والمستندات التي تدينهم، واستناداً إلى ما كشفه تقرير التدقيق الجنائي أخيراً. وفي هذا السياق، أوردت صحيفة «فايننشال تايمز» نقلاً عن أحد السياسيين أن سلامة لن يغادر لبنان لتجنّب توقيفه ومساءلته في الخارج، وأن هذا يناسب الطبقة السياسية اللبنانية لعدم تسريب أسرارها، وكذلك المصارف القلقة من تسريب معلومات حول التحويلات المالية التي قامت بها إلى الخارج لصالح كبار المودعين، وسط شائعة آخذة في الانتشار بأن سلامة أبلغ من يهمّهم الأمر بأنّه جمع ما لديه من معلومات عن «كبار القوم» على حافظة بيانات سيجري تعميمها في حال تعرّضه لأي مكروه.