لا ينفصل الحديث في الشارع عن تقرير التدقيق الجنائي الذي أجرته شركة “ألفاريز آند مارسال”، في حسابات مصرف لبنان المركزي، والذي انتشر محلياً وعالمياً، عن الدعوات من قبل مواطنين ومسؤولين، للمحاسبة وللاقتصاص من كل جهة مسؤولة عن ضياع ودائع اللبنانيين، ولكن من دون أن يكون المطالبون واثقين بأن ما ورد في هذا التقرير سيسلك طريقه نحو القضاء خصوصاً وأن أي مساءلة لأي “مرتكب”، لم تُسجل على مدى المرحلة الماضية.
فالمحاسبة في قضية ضياع ودائع اللبنانيين، لا تبدو مُتاحةً، على الرغم من الأرقام الواضحة التي تضمّنها التقرير المذكور.
فهل المحاسبة في القضاء ممكنة؟ وهل تتخطى المسؤولين في المصرف المركزي إلى متورطين ومستفيدين من المال العام؟ “ليبانون ديبايت” طرحت هذا السؤال على عميد كلية العلاقات الدولية للأعمال في ستراسبورغ ورئيس “جوستيسيا” الدكتور بول مرقص، الذي كشف أنه وبعد النظر في مضمون عقد التدقيق الجنائي الموقع بين الدولة اللبنانية وشركة “ألفاريز آند مارسال”، والقيود الواردة فيه، فإنه بموجب المادة 5 من العقد المذكور، “لا يحقّ للدولة اللبنانية استعمال التقرير أمام القضاء إلاّ بعد موافقة الشركة التي يعود إليها في هذه الحالة، وقبل إجازة الاستعمال، الحق في تعديله وتكييفه أو حذف اسمها عنه وجعله unmarked. الأمر الذي لا يرقى بهذا التقرير إلى مرتبة اعتماده كونه not reliable بحد ذاته”.
وبالتالي، يطرح مرقص الإشكالية المتمثلة في أنه “لا يمكن الارتكاز إلى صيغة التقرير الذي أرسله وزير المال إلى رئيس مجلس النواب، ومن هذا الأخير إلى النواب، حيث جاء في أكثر من فقرة من العقد المذكور تعبير Report on a non-reliance basis” علماً أن مرقص يرى أنه “يمكن الاستفادة منه للمساعدة في إجراء تحقيق جديد، أو في استكمال تحقيق قائم، كما أنه ورغم ما تقدم يمكن الاستفادة من هذا التقرير ك “مرتكز حكومي” لإجراء إصلاحات في مصرف لبنان أو اتخاذ موقف من الحاكم في ما لو كان ما زال في منصبه، أو مستنداً للمساءلة البرلمانية للسلطة التنفيذية، أكثر منه أداة محاسبة قضائية بالمعنى التنفيذي المباشر”.
ويضيف مرقص، أنه رغم معرفته، ومن حيث الشكل، بأن المادة الخامسة تُعتبر باطلة لمخالفتها القانون والنظام العام، ولأنه من غير الجائز حرمان الدولة اللبنانية من حق التقاضي أو تقييد حقها بذلك مسبقاً، إلاّ أن التصرف بالتقرير دون التنسيق مع الشركة، قد يعرض الدولة لمنازعة معها، كما قد يدفعها لمطالبتها بتعويض”.
وكذلك بالنسبة للمضمون، حيث يعتبر مرقص أنه “يجب درس الأفعال الواردة في التقرير والمنسوبة إلى إدارة مصرف لبنان لمعرفة ما إذا كانت تنطبق على الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات اللبناني، مع العلم أن مجلس الشورى كان قد اعتبر أنه يمكن استعمال التقرير، رغم القيود التعاقدية المذكورة بسبب مخالفتها القانون.”
لكن مرقص يستدرك مستنتجاً أن مقاربته تأتي من الناحية التقنية البحتة، وذلك بصرف النظر عن موقفه الشخصي المبدئي، المناهض لسياسة الصرف من الأموال العامة واحتياطات أموال المودعين على مصاريف تتجاوز دور ونطاق عمل مصرف لبنان.