بات السائح العربي بصورة عامة، والخليجي على وجه الخصوص جزءا من «الذاكرة السياحية» للبنانيين، فلطالما ارتبطت أسماء بعض المناطق اللبنانية بوجود السياح الخليجيين فيها كصوفر وعاليه وبحمدون وشارع الحمراء في العاصمة بيروت، ولا شك أن لبنان يشكل الوجهة المفضلة بين خيارات الخليجيين للاصطياف والطبابة والتسوق، والقيام ببعض الاستثمارات، حتى أن السياح الخليجيين يعتبرون من العوامل الأساسية التي ساهمت بازدهار سياحة لبنان التي تشكل ما يقارب 20 % من دخله القومي. ولعل العام 1999 كان من أكثر الأعوام في معدل زيارة السعوديين إلى لبنان؛ بعدد فاق 1.5 مليون سائح.
إلا أن قرار المملكة العربية السعودية بتحذير مواطنيها من السفر إلى لبنان لدواعٍ أمنية منذ العام 2016 شكل صدمة لدى اللبنانيين، وانعكس بشكل سلبي على القطاع الاقتصادي والسياحي بشكل أخص مع غياب شبه كلي للسياح الخليجيين والسعوديين.
ومع صدور مرسوم تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة «إلى العمل» برئاسة الرئيس سعد الحريري في الواحد والثلاثين من شهر يناير من العام 2019، وما أعقبها من زيارة الموفد السعودي نزار العلولا إلى لبنان، وإبداء نية المملكة رفع قرار تحذير مواطنيها من السفر إلى لبنان؛ حيث أعلن سفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد بخاري أنه «نظرا لانتفاء الأسباب الأمنية التي دفعت المملكة لتحذير المواطنين المسافرين إلى لبنان، فقد اعتبر رفع التحذير بمثابة رسالة إيجابية لدعم الحكومة اللبنانية الجديدة.. وبدأت الأجواء الإيجابية تسيطر على القطاع السياحي اللبناني؛ إذ أكدت مصادر دبلوماسية أن السعوديين بدؤوا فعلا بالوصول إلى لبنان، وسجل النصف الأول من شهر نيسان وصول أكثر من 22 ألف سعودي، مع العلم أن حركة الوافدين إلى لبنان سجلت حتى تاريخ الرابع والعشرين من شهر نيسان الحالي قدوم 310520 مواطناً، في حين تتوقع الدوائر الدبلوماسية المعنية قدوم أكثر من 300 ألف سعودي إلى لبنان حتى نهاية العام الحالي في ظل الأجواء الأمنية الإيجابية المستقرة.
وتشير تلك المصادر إلى أن نسبة إشغال الفنادق والخدمات السياحية ارتفعت من 47 % في شهر نيسان العام 2018 إلى 92 % في نفس الشهر لهذا العام. وتركز الحضور السياحي بشكل خاص في العاصمة بيروت، مع الإشارة إلى أن متوسط إنفاق المواطن السعودي اليومي يصل كحد أدنى ما بين 1000 و1500 دولار.
ولفت المصدر الدبلوماسي إلى أن استقطاب السائح الخليجي من أسواق سياحية أخرى؛ خاصة من دول أوروبا وتركيا يتطلب تحسين خدمات وصناعة مفهوم السياحة؛ مشيراً إلى أن دراسة ماكينزي تتوجه ببعض النصائح بخصوص سياحة نوعية من أجل السائح الخليجي.
وسجلت السياحة العربية إلى لبنان العام 2010 قدوم 894 ألف سائح، من بينهم 191 ألف سائح سعودي، أما العام 2018 فقد وصل عدد السياح الخليجيين ككل إلى 65 ألف سائح وفقا لما يقوله رئيس لجنة السياحة في المجلس الاقتصادي الاجتماعي وليد كنعان الذي يعتبر أن السائحَ السعودي سائح موسمي يأتي في الصيف وفي بعض الفرص والأعياد؛ لذلك فإن المرحلة المقبلة تشكل تحديا أمام القطاع السياحي اللبناني لجذب السائح السعودي إلى لبنان وتغيير اتجاهه عن دول أخرى.
ويدعو كنعان القطاع السياحي اللبناني إلى عدم الاكتفاء بالتركيز على موسم الصيف، بل العمل على سياحة تمتد لأربعة فصول. أي السياحة المستدامة، على الرغم من أن السياحة في لبنان قائمة أيضا على الاغتراب اللبناني، إلا أن رفع المملكة العربية السعودية تحذيرها لمواطنيها بالقدوم إلى لبنان وليس إلى دول أخرى يعتبر دليلا حسيا على الاستقرار الأمني والسياحي الذي تنعم به البلاد، لذلك كي نتمكن من إعادة التحفيز علينا أن نقوم بإعداد منتج سياحي ذي ميزة تنافسية عالية مع الدول السياحية العالمية، وأشار رئيس لجنة السياحة في المجلس الاقتصادي الاجتماعي إلى أن القطاع الخاص وبالشراكة مع القطاع العام يقوم بإعداد سياسة سياحية وطنية تعيد هيكلة القطاع السياحي اللبناني بغية رفع كفاءة البناء المؤسسي، ومنحه قدرة على جذب أسواق سياحية بطريقة مستدامة؛ كي لا يعتبر لبنان كمصيف فقط، ولكن كبلد سياحي لكل الفصول.
من جهته، وبعد ترحيبه وتقديره للخطوة التي اتخذتها المملكة العربية السعودية تجاه لبنان، قال وزير السياحة اللبناني أواديس كيدانيان: إن الوزارة، ومنذ قرار المملكة، تحاول اتخاذ كل التسهيلات الضرورية في هذا المجال، وذلك بالتنسيق مع سفراء دول مجلس التعاون الخليجي في لبنان لمعرفة هواجسهم؛ حيث عقد الاجتماع الأول لهذا الشأن هذا الأسبوع، وقد أعربوا خلاله عن إيجابية تامة.
وذكر الوزير أن عطلة عيد الفطر ستكون مرحلة مهمة لقدوم الخليجيين إلى لبنان، ولفت أيضاً إلى أن لبنان يشهد قدوم أعدادٍ كبيرةٍ من السياح الكويتيين والأردنيين والأوروبيين؛ وفقاً لأعداد الحجوزات الكبيرة لدى الشركات السياحية.
واستعدادا لموسم الاصطياف وتسهيل انسياب المسافرين عبر مطار رفيق الحريري الدولي، فقد أقرت الحكومة اللبنانية مبلغ 80 مليون دولار لإجراء التحسينات الضرورية على المطار، وتم تحويل 18 مليون دولار لإجراء بعض الأمور الملحة، وفي هذا الإطار يقول مدير عام الطيران المدني في المطار المهندس محمد شهاب الدين: إن العمل جار حاليا لتجهيز fast truck الذي من شأنه استيعاب مليون راكب إضافة إلى زيادة عدد الكونتورات التابعة للأمن العام إلى 32 كونتوار، وإنه سيتم الانتهاء منه خلال 40 يوما، أما بالنسبة للأمور الأمنية في المطار، فقد أشار شهاب الدين إلى أن جهاز أمن المطار بالتعاون مع الأجهزة الأمنية الموجودة في المطار يقوم بكافة الإجراءات للحفاظ على أمن المطار والمسافرين فيه، وأشار إلى أنه مع انتهاء العمل بالورشة في المطار فإن المسافر سيدخل مباشرة إلى نقطة تسجيل الدخول مما سينعكس إيجابا على المواطنين، وتوجه شهاب الدين إلى السائح السعودي قائلا: إن لبنان هو بلدكم الثاني وأنتم في بيتكم لأن اللبناني يحبكم كما أنتم تحبونه لافتا إلى أن الأوضاع الأمنية في لبنان مستقرة ولا خوف أبدا مما يتيح للسائح التنقل والقيام بجولات سياحية بكل اطمئنان.
الجدير بالذكر أن السفير اللبناني في الرياض الدكتور فوزي كبارة قد التقى مدير الأمن العام اللواء الركن عباس إبراهيم مدير عام الأمن العام اللبناني، وصرح بعد اللقاء تباحثنا في الأمور المتعلقة بالتأخير في إجراءات الدخول للقادمين إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت.
وقد أوضح اللواء إبراهيم أن هذا التأخير ناجم عن أعمال التأهيل الحالية، حيث انخفض عدد نقاط الأمن العام من 23 إلى 12.. إلا أنه سوف يرتفع هذا العدد تدريجياً ليصل إلى 44 في غضون الشهر تقريباً، بعد أن تُستكمل عملية التأهيل.
كما وعد اللواء مشكوراً بالتخفيف من إجراءات الدخول للإخوان الخليجيين ومن إجراءات تخفيفية أُخرى للدخول والخروج فور افتتاح القسم الجديد.