لا يمكن عزل أي قطاع في لبنان عن تداعيات الأزمة الإقتصادية التي هشمت أكثرية القطاعات، لا سيما المتعلق منها بالأمن الغذائي للمواطن الذي تأثرت قدرته الشرائية بشكل كبير جداً بانهيار العملة الوطنية، ولم يعد يستطيع شراء إحتياجاته من الغذاء كما السابق.
وأبرز قطاع تأثر بتراجع القدرة الشرائية هو قطاع اللحوم والذي شهد إضافة إلى تراجع نسبة المبيعات نسب غش مرتفعة، لا سيما مع الإستعانة باللحوم المستوردة المثلجة وخلطها مع الطازجة منها، والأخطر في الموضوع خلطها مع لحوم تأتي من الهند يشتبه انها تتسبَّب بحالات تسمّم وأمراض، وحتى اللحم الطازج مُعرض للفساد بسبب الإنقطاع شبه الدائم للكهرباء. فما هي التحديات التي تعترض القطاع، وما الحلول؟
قطاع المواشي الحية
يوضح أمين سر نقابة «القصابين ومستوردي وتجار المواشي الحية» ماجد عيد، أن «القطاع في هذه الفترة ومقارنة مع السنوات الماضية هو في حالة تراجع بنسبة تلامس 50%». أما بالنسبة إلى الملاحم فهي على عكس قطاع المواشي الحية وفق ما يؤكد عيد خلال حديث مع صحيفة «نداء الوطن»، حيث يلفت إلى أن «أغلبية الملاحم تعمل اليوم كما قبل الأزمة، وذلك لأن بعض أصحابها يدخل لحماً «مثلجاً ومبرداً» ويقوم ببيعه على أساس أنه طازج»، مُضيفاً «في بداية الأزمة إضطر عدد من الملاحم إلى الإغلاق، ولكن اليوم عاد معظمها إلى العمل بشكل طبيعي، كما أن هناك تصريفاً جيداً ومقبولاص للحوم الحمراء، وما زال هناك طلب على اللحمة من قبل المواطنين، وإذا قمنا بمقارنة نسب المبيع اليوم بما كانت عليه قبل الأزمة، فالأمور عادت إلى طبيعتها تقريباً».
إرتفاع الأسعار عالمياً
ويقارن عيد حجم الإستيراد ما بين عام 2017 والآن، ويشير إلى أنه «في عام 2017 بلغ حجم الإستيراد ما يقارب 120ألف طن من المواشي الحية، أما اليوم فلن يتجاوز الـ 55 ألف طن في السنة».
ويعود إلى الفترة التي كانت تشهد تبدلًا في سعر الصرف حيث كانت أسعارالخارج ترتفع بشكل مستمر، ويلفت إلى أن «نسب إرتفاع أسعار اللحوم عالمياً تراوحت ما بين 30 إلى 40%، جراء انتشار كورونا ومن ثم جاءت الحرب الأوكرانية الروسية، والتي أثرت بشكل كبير على مادة العلف مما أدى إلى إرتفاع أسعار اللحوم. أما في لبنان فيوضح أنهم «لم يتمكنوا كمستوردين من رفع الأسعار، جراء الوضع الإقتصادي الصعب الذي كان يمر فيه البلد، الأمر الذي ساهم في تكبدهم خسائر، حتى اضطر عدد من التجار إلى التوقف عن الإستيراد».
وفي ما يتعلق بأسعار اللحوم حالياً، يشير عيد إلى أنه «وبعد استقرار سعر الصرف إرتفعت الأسعار حيث لم يعد بإمكانهم سوى رفع السعر، فقبل الأزمة كان يبلغ ثمن كيلو اللحمة 10 دولارات أي ما يساوي 15000 ليرة، أما اليوم فيبلغ سعر الكيلو الطازج بين 10 و12 دولاراً حسب سعر السوق».
اللحم الهندي
بشأن اللحوم المستوردة، يؤكد عيد أن «حجم استيراد اللحم المبرد والمثلج ووفق إحصاءات وزارة الزراعة هو في تزايد، وبخاصة اللحم الهندي الذي ازداد حجم استيراده بشكل ملحوظ، فيما تراجعت نسبة إستيراد المواشي الحية بنسبة 50%».
ويثير عيد مشكلة بالغة الخطورة حسب رأيه، لافتاً إلى أن «اللحم الهندي هو لحم الجاموس ومثلج يتم إستيراده من الهند، ويبلغ سعره نصف سعر الطازج وحتى نصف سعر المثلج والمبرد من أنواع أخرى كالبرازيلي والأوروبي. والأخطر هو أن المواطنين يأكلون لحماً هندياً من دون أن يعلموا أنه هندي»، كاشفًا أنّه «في أغلب الأحيان يتسبب اللحم الهندي بحالات تسمم، ذلك لأنه يتم تذويب اللحم وتبريده وإعادة تثليجه عدة مرات، كما أنه ليس هناك من رقابة. فالرقابة معدومة، وإذا تم ضبط بعض المخالفات يتم إغلاق الملحمة وختمها بالشمع الأحمر، وفي اليوم التالي تعاود العمل بشكل طبيعي. ويعود السبب في ذلك إلى تدني قيمة المخالفة والتي لا تتجاوز الـ 100 دولار، وبالتالي ليس من رادع لوقف جشع بعض أصحاب الملاحم، وكباقي القطاعات يشهد هذا القطاع فوضى كبيرة، فيما الدولة غائبة عن السمع». لذا وفي ظل غياب وتقاعس الدولة عن القيام بمهامها، يوجه عيد نصيحة إلى كافة المواطنين بـ «ضرورة ضمان الطريقة التي يختارونها عند شرائهم اللحوم وإختيار اللحوم الطازجة».
الغش يضرب أطنابه
وعليه يصف واقع القطاع بأنه « ينازع»، لافتاً إلى أن «هذا القطاع يوظف الكثير من القطاعات معه كالبواخر اللبنانية المختصة بنقل المواشي الحية ومصادر العلف والمزارع والشاحنات، أي هناك سلسلة إقتصادية جميعها تتحرك بسبب قطاع المواشي الحية»، وبما أن عيد معني أكثر من غيره بالموضوع، فيلفت إلى أنه «لا يمكن أن يتعامل مع بضاعة مزورة على أنها أصلية، وبالتالي لا يمكنه السكوت وعدم إثارة الموضوع»، كاشفاً أن «العام الفائت دخل حوالى 12 ألف طن من اللحم الهندي على البلد، ولا من مركز واحد في لبنان يعترف بأنه يبيع لحماً هندياً»، موضحاً أن «الغش يزداد بشكل كبير، وأصحاب الملاحم يحققون أرباحاً طائلة دون حسيب ولا رقيب».
ضعف الرقابة
وفي ما يتعلق بالحلول الممكنة لمكافحة هذا «الغش»، يثني عيد على الدور والمجهود الذي تقوم بها وزارة الإقتصاد على رغم ضعف إمكانيات الوزارة حيث لديها فقط 80 عنصر رقابة على كافة الأراضي اللبنانية»، لكن الخطأ، حسب عيد ان محاضر المخالفات تبقى حبراً على ورق بسبب تدني قيمتها»، وهنا يفيد بأن «الوزارة تجتمع باللجان النيابية المسؤولة عن حماية المستهلك من أجل إصدار قوانين جديدة لا سيما في المواضيع المتعلقة بالمواد الغذائية، تكون صارمة ورادعة لعمليات الغش، فصحة الناس ليست لعبة وهي خط أحمر وبخاصة في ظل ما نمر فيه من ظرف إستثنائي».
دور وزارة الإقتصاد
وللإطلاع على دور وزارة الإقتصاد في ما يتعلق بمكافحة عمليات الغش تواصلت «نداء الوطن»، مع مدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة محمد أبو حيدر، الذي أوضح أنه «في موضوع اللحوم، لدينا شقان. شق يتعلق بالغش حيث يعمد بعض اللحامين لا سيما في القرى، إلى بيع اللحوم على أنها طازجة إلا أنها في أغلب الأحيان عكس ذلك، وهي مثلجة ومستوردة من الهند، فهذا غش بسبب عدم مصارحة الزبائن بأن هذا اللحم هندي. لذلك سطرنا محاضر بالعديد من الملاحم التي تعمد إلى غش المواطن وتقوم ببيعه اللحم على أساس أنه طازج وبلدي لكنه مثلج ومستورد من الخارج إما من الهند أو من دولة أخرى».
وأما الشق الثاني والذي هو في غاية الصعوبة، وفق ما يلفت أبو حيدر فهو «صعوبة ضبط الغش بسبب مزج اللحوم الطازجة مع الهندية المستوردة، لذلك لجأت الوزارة إلى التدقيق بالفواتير لمعرفة مصدر شراء اللحوم إن كانت مستوردة أم لا»، ويتطرّق إلى «شق آخر له علاقة بدخول الأبقار»، مشيراً إلى أن «هذه المهمة هي من صلاحية وزارة الزراعة، حيث يتوجب على الطبيب البيطري القيام بفحص هذه الأبقار. فإذا كانت مستوفاة للشروط يسمح لها بالدخول، وفي حال لم تستوفِ الشروط يمنع دخولها».
إنقطاع الكهرباء
كما يتحدث أبو حيدر عن «وجود لحم غير مطابق للمواصفات، فلم يعد الأمر فقط محصوراً باللحم الهندي، فأحياناً البلدي ونتيجة لإنعدام الكهرباء والأمور التي تتعلق بسلامة الغذاء يصبح أكثر ضرراً على الصحة، وأكبر دليل على ذلك هو أن الوزارة أغلقت مؤخراً ما يقارب 8 و9 ملاحم نتيجة عدم النظافة وسلامة الغذاء».
بحصلي: لا يمكننا التعويل على مؤشرات تحسّن الحالة
يشرح رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي الوضع بشكل عام، ويلفت لـ «نداء الوطن»، إلى أن «إستهلاك اللحوم في بداية الأزمة تراجع كثيراً. فالقدرة الشرائية للمواطنين تراجعت في الفترة الأولى وهي حتى اليوم «مخربطة» ولكنها أخف من بداية الازمة»، واضاف: «لاحظنا إنخفاضاً ملحوظاً في نسب الإستهلاك خلال مرحلة رفع الدعم. فالسوق شهد في تلك الفترة حالة من الإرباك والفوضى، والجميع يعلم اللغط الذي حصل حينها بما يتعلق بالمواد المدعومة وغير المدعومة».
لكن بحصلي يفيد أنه «وبعد هذه المرحلة، أي منذ عام 2022 عادت الأمور إلى التحسن، ولاحظنا في الفترة الأخيرة زيادة في استهلاك اللحوم والذي هو عامل صحي للإستهلاك».
إلا أنه في المقابل، يشدد على أنه «علينا أن لا ننسى أن لدينا في البلد جويْن مختلفيْن: لدينا أجواء المطاعم والفنادق، وجو المواطنين. فتطور القطاع السياحي والمطاعم والمقاهي في فصل الصيف كان له تأثير إيجابي كبير على استهلاك اللحوم، لكن هذه تبقى فترة مرحلية وسوف تعاود الإنخفاض بعد إنتهاء فصل الصيف».
وعلى الرغم من تحسن الوضع ولو بشكل طفيف، والذي يعتبره بحصلي «تحسناً إيجابياً في عملية الإستهلاك، والذي هو ناتج عن إستعادة جزء من المداخيل، بعدما أصبح قسم من القطاع الخاص يدفع جزءًا من معاشات موظفيه بالدولار، فهذه الأمور ساهمت بتحسن وضع المواطن ولو قليلا».
ولكن هذا لا يعني- حسب بحصلي – «أننا أصبحنا بألف خير، على الرغم من إستعادة بعض المواطنين جزءاً من إستهلاكهم القديم، لكن لا يمكن تعميم ذلك على الجميع. فهناك قسم كبير من المواطنين لا يزال يتقاضى راتبه باللبناني إن في القطاع العام أو القوى العسكرية وحتى بعض الموظفين الآخرين، لذا لا يمكننا القول بأن الوضع تحسن وأصبح جيداً، فهو تحسن لمرحلة معينة، ومقارنة مع ما كان عليه منذ عاميْن فهو أفضل قليلًا، لكن نحن ما زلنا بعيدين كثيراً عن الأرقام التي كنا نحققها قبل عام 2019».
ويلخص بحصلي الوضع بشكل عام، ويقول:»الوضع بدأ يستقيم ولو قليلا وهذا دليل إيجابي. ولكن لا يجب أن نعول عليه كثيراً وبأننا أصبحنا بوضع جيد، فنحن نبحث عن الإيجابيات القليلة بوضع سلبي شامل ونعول عليها، لكن علينا أن نأخذ هذه الأمور بحذر، لأن المواطن اللبناني عامة هو مواطن جُرِّد من إمكانياته التي كان يمتلكها في السابق، ومن الممكن أن تكون قد نشطت الحركة في فصل صيف وحركت الإستهلاك، ولكن نحن اليوم على أبواب فصل الشتاء، وما ينتظرنا ليس سهلًا باستحقاقات المدارس والجامعات والتدفئة والتموين، لذلك من المرجح أن تعود الأمور إلى التراجع».