هكذا يفتح منصوري الطريق الى الإنقاذ

لم يعد يقتنع اللبنانيون بخطابات سياسية تتحدث عن خطط اصلاحية، بعدما فشلت القوى في الحد من تداعيات الازمة. كما جاء العجز عن إنتخاب رئيس للجمهورية، وعدم فرض حلول اقتصادية، ليفرض اليأس في نفوس المواطنين. وما ان كاد الفراغ يطل على مصرف لبنان المركزي، حتى استلم النائب الاول وسيم منصوري مهام الحاكم، بإنتظار تعيين حاكم اصيل بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة جديدة.

جاء منصوري بخطاب جديد قائم على اساس الشفافية والحوكمة، وانطلق بعدما تبيّن ان صلاحيات المركزي كانت تقيّد اداء نوابه، وهو في طليعتهم.

رصد اللبنانيون لاسابيع مضت اداء الحاكم بالإنابة، ولمسوا مصداقية عملية في ثبات سعر صرف الليرة من دون ان يكلّف الدولة اعباء، ولا استخدم اموال المودعين، ولا ابقى خسائر صيرفة.

كان الاستقرار النقدي هو المدخل لاقتناع اللبنانيين ان منصوري يقدّم اداء جيداً وجديداً، ثم جاءت جداول الموجودات والذهب لإطلاع الرأي العام على الحقائق، لأول مرة في تاريخ لبنان.

اطل الحاكم بالإنابة في الساعات الماضية بالإعلان عن دفع الرواتب لاربعمئة الف موظف في القطاع العام بالدولار، وتأمين حاجات المؤسسات الامنية والعسكرية ايضاً بالدولار، وجميعها تمّت بعمليات تقليدية من دون اكلاف مالية. هنا يبدو النجاح في مهمة منصوري، التي فتح فيها الطريق الى الانقاذ الصعب وغير المستحيل.

لكنّ الإنقاذ الجزئي يحتاج الى عملية شاملة، تبدو في ملعب القوى السياسية لا غير، لأنها تُمسك بقرار التشريع الإصلاحي المطلوب.

لا تبدو النيّة السياسية متوافرة، لغاية الان، بإعتبار الا توافق على انتخاب رئيس، ولا توجه لاقرار اصلاحات مطلوبة محلياً ودولياً. لكن ماذا ينقص الاجهزة الرسمية لضبط التهريب الجمركي والضرائبي وتسوية الاملاك البحرية؟ تحتاج الى قرار سياسي عام بالدخول في طريق الانقاذ.

اذا كان منصوري فتح الباب، فإن الواجب يقضي على السياسيين سلوك هذا الطريق، تحت طائلة الاّ تمويل لوزارات ومؤسسات الدولة. ربما لو كان فعل الحاكم السابق للمركزي رياض سلامة ما يفعله منصوري الان من رفض تمويل الدولة من اموال المودعين، لكانت الحكومات السابقة ذهبت نحو فرض الاصلاحات منذ اكثر من عقدين.

يبدو المجتمع الدولي يراقب مسار الامور المالية في لبنان، وهو كان حذّر المؤسسات اللبنانية المعنية بأن استمرار الاقتصاد النقدي على ما هو عليه سيُدخل لبنان في متاهات، قال عنها منصوري بأنها تُخرجنا من النظام المالي العالمي. وعلى هذا الاساس يتصرف الحاكم بالإنابة بفرض شروط الهيئات الرقابية على كل عمليات الحصول على الدولار من السوق، تمهيداً للدخول في عالم المنصّات عندما يحين الظرف المناسب، لكن المشكلة تبقى في اعادة اطلاق عجلة المصارف، وهو امر لا يبدو وراداً قبل الدخول في عملية تشريعية اصلاحية تفرض اعادة هيكلة القطاع.

واذا كان منصوري دقّ جرس الانذار لحث السياسيين على العمل لأن الفرصة لا تزال قائمة، وهو ما تتطلبه الاستمرارية في ضبط الاستقرار النقدي، لكنه يعرف ان الخلاف السياسي متواصل ويحتاج الى فعالية التدخل الخارجي الاقليمي والدولي، ولهذا تبدو سياساته موضع ترحيب شعبي لبناني، لإبقاء الاستقرار الموجود حالياً في زمن الانتظار السياسي.

مصدرالنشرة
المادة السابقةكنعان: موازنة 2023 جردة أرقام لا موازنة ولتحترم الحكومة الدستور والاصلاح في موازنةـ2024
المقالة القادمةاللبنانيون يخلقون فرصاً واعدة في التجارة الرقمية…والدولة غائبة