عملياً، وبحسب المعطيات السياسية المتوافرة لدى نواب عكار في تكتل «الإعتدال الوطني»، فقد انتقلنا من مربّع عدم الحديث عن تشغيل مطار القليعات في ظروف غير مؤاتية، إلى الحديث عن أنّ الظروف الحالية تفرض تشغيله وتشغيل غيره إن أمكن لحاجة البلاد إليها.
فالحديث عن عودة العمل بمطار الشهيد رينيه معوض في القليعات في سهل عكار، ليس بالأمر الجديد، ولطالما أُثير في السنوات الماضية، وفي كل مرّة كان يفتح فيها الملف، يتمّ إقفاله بذريعة أنّ هناك جهات سياسية لا ترغب بتشغيله لأنها لا تملك السيطرة عليه، والمقصود بها «حزب الله» بالتحديد.
منذ التسعينات وحتى اليوم؛ لم تأت مجموعة نيابية عكارية إلى المجلس النيابي إلا وكانت تتبنّى مشروع مطار القليعات كملفّ أساسي لإنماء عكار من دون أن تفلح في الوصول إلى النتيجة المرجوّة. نواب عكار السبعة الحاليون أيضاً، لا سيما نواب تكتل «لإعتدال»، يتبنّون الفكرة منذ مدّة، وقاموا باتصالات وجولات ولقاءات مع سياسيين وكتل نيابية من أجل حشد الدعم والتأييد للمطار حتى وصلت الأمور إلى إعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إدراج ملفّه على جدول اعمال جلسة حكومية هذا الأسبوع. وعد ميقاتي جاء بناءً على لقاءاته مع النواب، حيث يؤكد النائب سجيع عطية لـ»نداء الوطن» أنّ ميقاتي وعد بطرح الملف على جلسة مجلس الوزراء، «ونحن كنواب استطعنا فرض معادلة مفادها أنّ أي توسعة لمطار بيروت الدولي تستوجب تشغيل مطار القليعات، وذلك ليس من مبدأ المناكفة السياسية أو التعطيل، إنما لأهمية المطار ولحاجة لبنان إلى مطار ثانٍ يرفد الإقتصاد ويحل ّالأزمة».
يتابع عطية حديثه «جِلنا على عدد من الكتل وسنستكمل الجولة على الكتل المتبقيّة، وللأمانة لم نجد إلا الدعم والتأييد، حتّى رئيس مجلس النواب نبيه بري كان متحمّساً وراح أبعد عندما قال أنا معكم على بياض وليكن المطار لأغراض الشحن والتجارة والسياحة والرحلات».
في نفس السياق، لا يرى عطية أنّ كتلة «حزب الله» (الوفاء للمقاومة) تُقفل الباب أمام البحث بملف مطار القليعات كما يُشاع، «إنما هم يبحثون في الأمور الفنية ويشدّدون على الوقت المناسب الذي يفترض طرح الموضوع فيه بعيداً من أي استغلال سياسي وبما يخدم ملف المطار بالدرجة الأولى، ونحن شرحنا لهم ولغيرهم أن الوقت الآن هو الأنسب لفتح المطار».
وخلال استقباله وزيري الصحة العامة والإعلام فراس الأبيض وزياد مكاري وعدداً من النواب في رحبة، أعاد النائب عطية تذكير الوزراء والحكومة بملفّ المطار وضرورة ألا يتم إغفاله، وكان وعد من وزيري الصحة والإعلام بأن «الحكومة جدية بهذا القرار وهذه الحكومة إن وعدت وفت». أما الأبيض فعبّر عن أمله في أن تكون زيارته المقبلة إلى عكار من أجل المشاركة في افتتاح مطار القليعات.
ولكن، هل من إمكانية لتشغيل المطار من دون تعيين الهيئة الناظمة للطيران المدني؟ يجيب عطية «نعم، بجعله تابعاً للإدارة في بيروت».
تجدر الإشارة إلى أنّ هناك شقاً قانونياً أيضاً كان يحول دون تشغيل مطار القليعات كمطار مدني يتمثّل بعدم تعيين الهيئة الناظمة بسبب الخلافات السياسية، من دون أن ينظر إلى الملف من جانبه الإقتصادي البحت، وما سيمنحه من قوة دفع للإقتصاد المحلي للمنطقة ولاقتصاد البلد الذي يحتاج إلى خطة تنموية تطويرية بحتة.
يبدي نواب «الإعتدال» تفاؤلهم بأنّ المطار سيوضع على جدول اعمال جلسة مجلس الوزراء، فوزير الأشغال المحسوب على «حزب الله» والرئيسان بري وميقاتي والكتل، يبدون حماسة له، هذا أقلّه في العلن، وجلسة مجلس الوزراء قريبة لتبيان حقيقة المواقف، وتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
يرى متابعون بأن مطار القليعات يحتاج إلى قرار إقليمي – دولي لعودة العمل به وأن هذا القرار غير متوفر حتى اللحظة، لكنه قد يتوفر في المرحلة المقبلة مع انتخاب رئيس جديد للبلاد وانفتاح لبنان على محيطه. وبحسب المعطيات التي توفرت لـ»نداء الوطن» فإنّ ملف مطار القليعات سيناقش في جلسة مقبلة لمجلس الوزراء مرجّحة هذا الأسبوع، واتفق الرئيسان بري وميقاتي عليها، وسيُطرح تحت إدارة مطار بيروت، لكن مصير المشروع غير واضح لجهة السير به حتى النهاية أم لا، لكنّ الجلسة هذه ستكشف مواقف الأطراف السياسية على حقيقتها ومن هي الجهة المعطّلة. لمطار القليعات الكثير من الإمكانيات وأهمّها أنه قابل للتوسّع برّاً وبحراً؛ وقادر على أن يكون مطاراً لرحلات السوريين والعرب إلى سوريا وبلدان الخليج، غير أنّ إمكاناته السياسية ضئيلة وهي ما تمنع إلى اليوم تشغيله. يرى البعض بأنّ الرئيس بري يناور في مسألة دعم تشغيله ليضمن تصويت نواب عكار لمرشحه الرئاسي، وعند المحك سيقف خلف «حزب الله» الذي يتحدث عن التوقيت المناسب لكن لا أحد يعرف ما هو التوقيت المناسب للحزب للحديث في هذا الموضوع، لكنّ الجلسة المقبلة إذا طرحت مشروع المطار فستكون مفصلية في تبيان المواقف.