دفع تخلي بعض الكيانات الخليجية عن مساعيها للاستحواذ على شركات تابعة للجيش المصري إلى إدراك أهمية وجود نافذة جديدة لجذب السيولة الدولارية من بوابة الشركات المحلية.
ووافقت الحكومة على عرض شركة طاقة عربية التابعة لمجموعة القلعة القابضة المملوكة لرجل الأعمال أحمد هيكل، لشراء حصة غير محددة في الشركة الوطنية لبيع وتوزيع المنتجات البترولية (وطنية) المملوكة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة.
وتأمل السلطات إتمام الصفقة في شهري أكتوبر أو نوفمبر المقبلين، بعد أن استحوذ جهاز الخدمة الوطنية الذي يمتلك وطنية بالكامل الشهر الماضي على 20 في المئة في طاقة عربية في صفقة بقيمة 1.6 مليار جنيه (52 مليون دولار).
وبموجب الصفقة فإن لدى البائع، وهو القلعة القابضة، خيار إعادة شراء الحصة في وقت لاحق.
ويعزز صندوق مصر السيادي جهوده لبيع 10 في المئة على أقل تقدير، وربما يصل إلى كامل حصة شركتي وطنية وصافي في إطار برنامج الطروحات الحكومية. ويأتي ذلك بينما عينت الحكومة بنك الاستثمار المصري سي.أي كابيتال لتسويق الشركتين في محاولة لجذب المستثمرين في حملة ترويجية بدأت في مارس الماضي.
وحال عدم القدرة على جذب مستثمرين من الخليج لشراء الشركتين، يمكن وصف الحملة التسويقية، التي وافق عليها الصندوق السيادي بالفشل، لأنها كلفت الدولة الكثير من العملة الصعبة لأجل السفر إلى الخارج وعقد اللقاءات مع مستثمرين.
وجاءت طاقة عربية بين 4 شركات حصلت على موافقة الحكومة لإجراء الفحص النافي للجهالة على وطنية، من بين 8 شركات تقدمت بعروضها.
وكانت كل من شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، وشركة بترول الإمارات الوطنية (إينوك)، بالإضافة إلى بترومين السعودية، قد قدمت عروضا للاستحواذ على حصة في وطنية.
وتراوحت قيمة العروض المقدمة على الشركة بين 250 و280 مليون دولار، لكن دخول طاقة عربية يزيد احتمال رفع قيمة الصفقة، المرتبطة بقدرة السلطات التفاوضية ومدى نجاحها في الترويج للشركات ذات الأصول ومجالات العمل الواعدة.
ومع اشتراط الحكومة دفع قيمة الصفقة بالدولار، فإن طاقة عربية تراهن على توفير التمويل اللازم عبر مساهميها في القلعة القابضة التي تضم في ملكيتها شركتي العليان السعودية الاستثمارية والإمارات الدولية للاستثمار.
وتضع الشركة ضمن خطة تمويل الشراء تدبير قرض من إحدى المؤسسات أو البنوك العالمية، وما يعزز موقفها في هذا الشأن مساهمة البنك التجاري الدولي في “القلعة”، وهو أحد الخيارات المطروحة الفترة الراهنة.
وقال المحلل الاقتصادي محمد منصور إن “خطوة الحكومة بالسماح للشركات المحلية بالشراء تمنح برنامج الطروحات زخما، وقد يكون ذلك دفعة قوية لتسريع عمليات البيع مع انسحاب شركات خليجية، لأنها اشترطت الدولار في سداد قيمة الصفقات”.
وتخلت مجموعة أغذية الإماراتية عن مساعيها للاستحواذ على الشركة الوطنية لتعبئة المياه الطبيعية (صافي)، لكن هذا لا يعني عدم اهتمامها بالسوق المحلية، إذ تظل مصر سوقا مهما، خاصة في المشروبات ومنتجات الوجبات الخفيفة.
وأوضح منصور لـ”العرب” أن المشاريع المشتركة والتعاون الذي تقوم به طاقة عربية أو مالكها القلعة مع المستثمرين الخليجيين يعزز دخولها في تنافس مع كيانات خليجية أخرى.
وأضاف “كل مستثمر له مستويات في تحديد قيمة الصفقة وعملية البيع ليست مزادا، بل تندرج ضمن خطة استثمارية تحددها كل مؤسسة”.
وتستهدف القاهرة جذب استثمارات قيمتها 5 مليارات دولار عبر طرح حصص بشركات وأصول مملوكة للدولة في فترة التسعة أشهر بين أكتوبر ويونيو المقبلين، وفقا لآخر نسخة محدثة من وثيقة سياسة ملكية الدولة.
كما تستعد لبيع محطتي رياح وكهرباء تعملان بنظام الدورة المركبة في بني سويف، وعدد من محطات تحلية المياه قبل نهاية العام المالي الحالي في يونيو المقبل. وفي إطار برنامج القرض الذي تصل قيمته إلى 3 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي، استأنفت الحكومة برنامج الطروحات العامة المتوقف منذ فترة طويلة، في محاولة لجذب تدفقات النقد الأجنبي التي تحتاجها البلاد بشدة لدعم موقفها الخارجي.
وأعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في فبراير الماضي أن الحكومة تتطلع إلى طرح حصص في 32 شركة مملوكة للدولة مع نهاية الربع الأول من العام القادم.
ويعد هذا جزءا من وثيقة سياسة ملكية الدولة التي حددت إستراتيجية الحكومة لمضاعفة دور القطاع الخاص في الاقتصاد إلى 65 في المئة وجذب 40 مليار دولار من الاستثمارات الخاصة بحلول عام 2026.
وخطت السلطات خطوات ناجزة من شأنها تسريع بيع شركات الجيش، وقامت بفصل 174 محطة وقود من أصل 300 محطة للتوزيع مملوكة لشركة وطنية في كيان جديد منفصل.
ولم يتضح بعد هيكل الملكية وما إذا كانت هذه الأصول سوف تظل جزءًا من الصفقة، وسيظهر ذلك عند بيع حصة الجيش.
وجرت إعادة هيكلة صافي بفصل مصانعها و75 منفذًا للبيع عن بقية أعمالها، ولم يتم تسريب الكيان الذي سيطرح أمام المستثمرين أو توضحه وثيقة ملكية الدولة.
وذكرت مصادر اقتصادية لـ”العرب” أن البعض من المستثمرين لديهم اهتمامات حاليا بنشاط المياه المعدنية، من دون زيت الزيتون والزيتون المخلل.
وأكد عمرو شيحة، عضو جمعية شباب الأعمال في بورسعيد بشمال شرق القاهرة، أن الحكومة أثبتت جدية للتخارج من شركاتها، تنفيذًا لبرنامج الإصلاح الاقتصادي والهيكلي الذي تنفذه بإشراف صندوق النقد الدولي، والذي يشهد نشاطًا حاليا.
ووسعت الحكومة القائمة الأصلية المكونة من 32 شركة مملوكة للدولة لتضم المصرية للاتصالات، والشرقية للدخان، والعز الدخيلة.
وباعت في وقت سابق من هذا العام حصة 10 في المئة بشركة الاتصالات المملوكة للدولة للمستثمرين، وتستعد لبيع كامل حصتها البالغة 31 في المئة في العز الدخيلة التابعة لحديد عز، فضلا عن حصة جديدة في شركة الشرقية للدخان.
ومددت السلطات الموعد النهائي لتحقيق أهدافها من الطروحات حتى نهاية يونيو المقبل، كما تعهدت في الوثيقة الأصلية ببيع الحصص المستهدفة بحلول نهاية الربع الأول من 2024.
واستبعد شيحة في تصريح لـ”العرب” قدرة الشركات المصرية على مجاراة العروض الخليجية، لكن حال رفع قيمة الصفقة بشكل مبالغ فيه من أحد الطرفين قد ينسحب الطرف الآخر.
وقال “في كل الأحوال يبرهن ذلك على أن الوضع الحالي يمثل تنافسًا على شراء الأصول المصرية، بما يعزز من بيعها بأسعار غير بخسة”.
وجمعت الحكومة الصيف الماضي 3.1 مليار دولار من بيع حصص كبيرة في شركات صناعية ومالية رئيسية مدرجة في البورصة لصالح صندوقي الثروة السياديين (أي.دي.كيو) الإماراتي وصندوق الاستثمارات العامة السعودي.
ومن بين الصفقات، بيع ما يقرب من نصف شركتي موبكو وأبوقير للأسمدة، وحصة 17.5 في المئة من البنك التجاري الدولي، و25 في المئة في شركة إي فاينانس. كما باعت الحكومة حصصا في سبعة فنادق لتحالف بقيادة مجموعة طلعت مصطفى مقابل 705 ملايين دولار، وباعت شركة البويات والصناعات الكيماوية (باكين).
وتأمل القاهرة توقيع العقود النهائية مع أي.دي.كيو قبل نهاية سبتمبر الحالي لبيع أسهم في الشركة المصرية لإنتاج الإيثيلين ومشتقاته (إيثيدكو)، والشركة المصرية لإنتاج الألكيل بنزين الخطي (إيلاب)، وشركة الحفر المصرية.