طُويت صفحة منصّة صيرفة، ودُفنت في الدروج والدهاليز الرسمية، وستُذكر في كتب تاريخ أكبر أزمة إقتصادية ومالية ونقدية. ورأت النور منصّة بلومبورغ الدولية، وفُتحت صفحة جديدة لسعر الصرف، في اقتصادنا وحياة اللبنانيين.
لن ننسى أن منصّة صيرفة ستُذكر كسعر الصرف الجديد بعد اندلاع أزمتنا المالية، فهذا سعر الصرف، كان سعر الهيركات المبطّن، حينما كان سعر الصرف 1500 ليرة ومن ثم إرتفع إلى 15 ألفاً، حيث كان الهيركات والخسائر يُقاربان الـ 85%.
لن ننسى أيضاً الكباش المتواصل بين «صيرفة» والسوق السوداء، ولمن سيُسيطر على سوق الصرف، في ظل التجاذب والخلافات الحادة، حيث كان أيضاً هناك تكامل وبعض التواطؤ من وراء الستار، لمصالح مختلفة.
وقد اتخذت الحكومة في آخر إجتماع لها القرار الرسمي، باتّباع منصّة بلومبورغ كمنصّة رسمية، لسعر الصرف. لا شك في أن هناك بعض الإيجابيات، لكن أيضاً بعض السلبيات، وعلامات إستفهام، وقطب مختبئة، في هذا القرار الرسمي الجديد.
كذلك لا شك في أن منصّة بلومبورغ المعروفة دولياً، ستكون أكثر شفافية، وتُدار بحوكمة رشيدة، ومهنية محترفة، وستكون الثقة فيها أكثر من أي منصّات داخلية، ولن تُجر إلى وحول السياسة أو تخضع لأي ضغوط أو ألاعيب وأكاذيب داخلية.
لكن يا للأسف، لقد اعتدنا في لبنان أن نُطلق عناوين برّاقة، ووعود شعبوية، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل، وخصوصاً في المضمون والتنفيذ والملاحقة.
السؤال الأول الذي يطرح نفسه، هو إذا منصّة «بلومبورغ» ستكون موحّدة، والوحيدة المتّبعة في السوق المحلية، وهل ستستكمل ضبط كل المنصّات الإلكترونية والمشبوهة والتي كانت تتحكم في السوق. علماً أننا لا نعرف حتى اليوم مصدرها ومَن يُديرها وكيف تعمل؟ وحتى تقنيات التسعير فيها؟
فنقطة الإنطلاق، تبدأ بقرار رسمي بتوحيد سعر الصرف، والحدّ من كل المنصّات الأخرى.
أما السؤال الثاني الذي يُطرح، فهو هل إذا كان سعر صرف منصّة بلومبورغ سيكون السعر المُعتمد، وليس فقط للدفع والتسديد والضرائب، لكن أيضاً للودائع المجمّدة والمنهوبة؟
إذا بقي لدينا سعران رسميان فلن يتغير شيء، والهيركات المبطّن سيستكمل طريقه المظلم. أما إذا إتُبعت هذه المنصة كسعر صرف موحّد، فنتمنى التأكيد أنه سيُتبع كسعر صرف للودائع المطعونة.
من جهة أخرى، ليس سرّاً على أحد، أنّ اقتصادنا الداخلي بات أكثر من 50% غير رسمي، وهناك أسئلة عدة تُطرح، هي: هل هذه المنصة الإلكترونية، ستتكل على الأرقام الرسمية، حينما هذه الأرقام، لا تعكس حقيقة الأرض، وصحّة المعاملات وخصوصاً أرقام الإستيراد والتصدير التي هي أساس هذه المنصّة الإلكترونية، في ظل سوق سوداء مستشرية وتهريب عملاق يتزايد، وتبييض أموال يستفحل؟ فالكباش الجديد سيكون على الأرقام الرسمية وعلى الأسس المتّبعة للتسعير في ظل سوق واقتصاد الكاش، والتبييض والتهريب والترويج.
إضافة إلى ذلك، إن هذه المنصّة الإلكترونية، لم يكن لها ضوابط، فسعر الصرف يُمكن أن ينخفض، لكن يُمكن أيضاً أن يرتفع إلى قمم مخيفة وخطرة. هذا يعني أن في سوقنا المحلية الصغيرة يُمكن لجهات عدة أن تتلاعب بها من خلال سوق الصرف الجديدة، بفرض عمليات كبيرة، (بيع وشراء)، وهزّ السوق. فهل ستخضع المنصّة الدولية الإلكترونية، لحيتان الصيرفة والسوق السوداء؟ وهل سيستطيعون خرقها والتلاعب بها وبسعر الصرف بعمليات كبيرة من دون ضوابط؟
في المحصّلة، نرحّب بمنصة بلومبورغ الإلكترونية الجديدة، إذ انّ من إيجابياتها إسترجاع لبنان للرادارات الدولية، والمنصّات العالمية، لكن في الوقت عينه، هذه المنصّة الإلكترونية الجديدة لا تعني استرجاع الودائع ولا ضبط السوق، ولا توحيد سعر الصرف، من دون إرادة حقيقية، وإتفاق سياسي مُتّزن، وإعادة الثقة والنمو. فنحن اليوم على مفترق طرق، إمّا ان نعيش لعبة تغيير أسماء ومتابعة السرقة والخسائر، وإمّا سيكون هناك إرادة حقيقية لبناء دولة قوية ومراقبة دولية، شفافة ورشيدة.