يشتهر لبنان في فصل الصيف بإزدهار حصاد فواكهه الطبيعية، نظرًا لمناخه الملائم للزراعة وطبيعة أرضه الخصبة. ويرى كثيرون أنّ أصناف فواكه لبنان تشتهر بطعمها المميّز، حتى إنّ بعض الدول تنتظر موسميًا استيرادها منه، كما يتنافس المزارعون في الأراضي الزراعية والجبال لدى طرح محصولهم بالأسواق، ويرى بعضهم أن ما تنتجه أرضه من فواكه وخضار يصعب العثور عليها عند أي كان.
وعن العائلة اللبنانية التي لا غنى عن سلة الفواكه والخضار على مائدتها، تعدّ الفواكه الغنية بالمعادن والفيتامينات والألياف طبقًا رئيسًا على موائدها، نظرًا للذتها وأسعارها التي كانت بمتناول مختلف الطبقات الاجتماعية، إضافة إلى كونها بديلًا طبيعيًا عن السكريات.
ولكن هل لا تزال هذه السلة بمتناول الجميع؟
مؤخرًا، ومع تداعيات الانهيار الاقتصادي منذ 2019، تشهد سوق الفواكه في لبنان اضطرابات على مستوى الأسعار، بلغت ذروتها في الموسم الحالي، إذ تطرح في الأسواق بأسعار باهظة جدًا. ما أدّى ذلك إلى تحولات كبيرة في نمط شراء اللبنانيين لها، كمًّا ونوعًا، ويتحدث الباعة عن إحجام ملموس لغير المقتدرين ماديًا عن شراء الفواكه.
رئيس تجمع المزارعين في لبنان إبراهيم الترشيشي، يؤكد في حديثه للدّيار، أنّ أسعار الخضار والفاكهة ستتغيّر من وقتٍ لآخر، وسترتفع في الكثير من الأحيان لاسيّما بعد موجات الحرّ التي مرّت على لبنان وأنهكت مزروعاته وعجّلت وتيرة نضج المنتوجات الزراعية قبل أوانها. لذلك من الطبيعي أن يكون الإنتاج ضئيلًا قليلًا.
وعن المُستفيد من هذه الأزمة، يفيد الترشيشي بأنّ المزارع ليس مستفيدًا أبدًا من هذا الغلاء، نظرًا لإرتفاع كلفة الإنتاج، لاسيّما مع ارتفاع أسعار النفط (تنكة المازوت التي كانت تباع بـ 12.5 دولارا باتت تباع اليوم بـ20 دولارا) وهذا السبب المباشر لارتفاع كلفة الإنتاج. ولأنّ مادّة المازوت هي المادّة الأساسية التي يعيش منها المزارع، أصبحت حياته اليوم بخطر.
المازوت مادّة أساسية وضرورية للزراعة
يفيد الترشيشي بأنّ مادّة المازوت تدخل في ريّ الأرض، كذلك الجرار (التراكتور) الذي لا يعمل من دون المازوت، وأيضًا البيك أب الذي ينقل المنتوجات من الأرض لسوق الخضار، وبالتالي مع ارتفاع مادّة المازوت، ترتفع التكاليف على المزارع وحياته المهنية والإجتماعية أيضًا، بما فيه إرتفاع إشتراك المولّد الكهربائي، إرتفاع كلفة الأفران والدكاكين والأسواق، لذلك المحروقات هي عصب المجتمع اللبناني في ظلّ غياب الكهرباء.
وتيرة التهريب خفّت
خفّت وتيرة التهريب في الوقت الحالي، بحسب ما أفاد الترشيشي، لأسبابٍ عديدةٍ ومنها تسكير بعض المحلات في أسواق بيروت وهي خطوة جريئة من جهاز أمن الدّولة، رغم وجود بعض التجاوزات الخفيفة والإستثناءات، ولكن بالنتيجة هذه الأمور تقلّصت جدًا وستختفي في الوقت القريب.
أمّا عن الليرة السورية، فكل من كان يضارب على الليرة السورية لتصل إلى الـ 20 ألفا سعر الدولار في سوريا، ثبت سعر صرفها على الـ14 ألف تقريبًا،هذا ما خفف من أرباح المهربين. وتساوت الأسعار بين الأسواق اللبنانية والسورية، لذلك منفعة المهرّبين خفّت.
سوق البطاطا سيترفع.. والتوقعات لا تطمئن
توقّع الترشيشي أن يعاني القطاع الزراعي في الفترات المقبلة، وبحسب الأسواق العالمية، سيرتفع سوق البطاطا بشكلٍ ملحوظٍ، ما يؤكّد أنّ أسعار البطاطا ستكون أصعب من السنوات السابقة. أولًا لأنّ الإنتاج أقلّ كمًا من السّنوات الماضية، ثانيًا لأنّ أسعار المحروقات سترتفع مجددًا، وبالتالي سترتفع تكلفة المزارع وتكلفة النقل البحري والبري، ممّا يؤثر على القطاع الزراعي، وبالتالي تضعف المنافسة في الخارج.
ويعتبر الترشيشي أنّ المزارع هو الضحية الأولى والمستهلك هو الضحية في الدرجة الثانية. وكباقي القطاعات الإنتاجية، القطاع الزراعي يعاني وهو في خطر “ولا من مساعدٍ ولا من معينٍ” مع غيابٍ تامٍ لدور الدولة.
يشير الترشيشي إلى أنّ القمح لا يزال في المستودعات والدولة غائبة عن إستلام القمح من المزارعين. وبدل أن تفرض على المطاعم بشراء القمح، بل على عكس ذلك، تنتظر إرتفاع سعر القمح عالميًا علّها تستلم القمح من المزارع في وقتٍ متأخرٍ كعادتها.
وهنا السؤال: هل سيزيد المزارع من زراعة القمح في العام المقبل؟
وإذا أرادت الدولة تسهيل مبيع القمح (أكثر من 50 ألف طن لدى الفلاحين) ستكون خطوة لافتة منها.