تتوالى طروحات استخدام ايرادات أصول الدولة لرد الودائع بهدف تكريس أمرٍ واقعٍ هو أن الدولة، لا المصارف هي المسؤولة الاولى عن ردّ الودائع، عبر استخدام ايرادات اصولها (الكهرباء/ الاتصالات/ المرفأ/ المطار/…)، في الوقت الذي تحتاج فيه مؤسسات الدولة ومرافقها الى ضخ استثمارات ضخمة لاعادة تفعيلها ولتصبح منتجة، وبالتالي على المودعين انتظار عقود لاستعادة أموالهم، فهل هذا الاقتراح منطقي وقابل للتحقيق، خصوصا أن من الامثلة القريبة على «اهتراء مؤسسات الدولة» ما اعلنه مدير عام مؤسسة أوجيرو عماد كريدية الاسبوع الماضي أنه «في حال استمر الوضع على ما هو عليه فامكانية الاستمرار في تقديم الخدمة باتت مهددة».
من المفيد التذكير أن المجلس النيابي يدرس حالياً مشروع قانون الانتظام المالي، والذي فيه توزيع نسبي للخسائر مع امكان رد ما امكن من الودائع. فهناك ضمان (نظري) لرد المصارف ودائع حتى 100 ألف دولار وبقيمة قد تصل الى 20 مليار دولار وتشمل 88 بالمئة من الحسابات. والباقي يرحّل الى صندوق سمي «صندوق استرداد الودائع»، ايراداته من جملة مصادر بينها مساهمة من الدولة. كما أن رئيس مجلس شورى الدولة، القاضي فادي الياس، تقدم مؤخراً باقتراح قانون يطلب فيه «حماية الودائع المصرفية المشروعة وإعادتها إلى أصحابها»، لكن بحسب مراقبين فان هذا الاقتراح قد يقدم صك براءة للمصارف ويحمّل الدولة كامل المسؤولية. في المقابل هناك جملة مشاريع ابرزها ما قدمته كتلة نواب «القوات اللبنانية» والخاص بانشاء مؤسسة لادارة اصول الدولة تدر ايرادات متعاظمة تعزز المالية العامة وتسهم في اعادة تكوين الودائع.
تجدر الاشارة الى أن صندوق النقد الدولي حذر من التمادي في استخدام اصول الدولة لإطفاء الخسائر (رد الودائع)، إذ من شأن ذلك التمادي الحؤول دون استدامة الدين العام. فالموازنة بحاجة لايرادات تلك الاصول لإنفاقها الاجتماعي والاستثماري والتي عليها ايضاً عبء رد الدين وفوائده. كما أن هناك تحذيراً آخر مفاده أن أي التزام للدولة تجاه المودعين، سيفتح شهية حاملي سندات اليوروبوندز فيرفعون دعاوى دولية (في نيويورك تحديداً) للمطالبة بسداد كامل الدين تحت حجة ان لبنان يسدد ديوناً كاملة لاصحاب الودائع، او انه يستخدم اصول الدولة. ويمكن ان يجد لبنان نفسه امام احكام دولية بالحجز على الاصول.
أيوب: إدارة مستقلة شفافة خارج أي تسلّط سياسي
توضح عضو كتلة «الجمهورية القوية» النائبة غادة أيوب لـ»نداء الوطن» أن «اقتراح القانون الذي تقدمت به الكتلة مختص بادارة اصول الدولة هو طرح وسيلة جديدة لادارة اصول الدولة ومؤسساتها لتكون منتجة ولتتمكن من تحقيق ايرادات، بغض النظر عن وجهة استعمالها لاحقاً، سواء لتسديد جزء من أموال المودعين أم غيره، أي تعزيز أداء الشركات ومداخيل الخزينة، المساهمة في إعادة تكوين الودائع وادارة هذه المؤسسات بشفافية وباستقلالية عن السلطة السياسية، مع المحافظة على ملكية الدولة لهذه الأصول».
وترى أن «كل الطروحات الحاصلة حول رد اموال المودعين لا تزال مجرد افكار حول كيفية ايفاء اموال الناس من دون اي خطة مرحلية أو تحديد المدى الزمني الذي ستستغرقه هذه العملية»، مشددة على أنه «قبل الكلام عن كيفية اعادة اموال المودعين، علينا أن نحدد الجهة التي عليها ان تتحمل هذه المسؤولية وبأي نسبة؟ فأموال المودعين هي ديون، من هي الجهة التي عليها أن تردها؟ الدولة؟ المصارف؟ مصرف لبنان؟ علينا تحديد الجهة التي عليها ايفاء الدين قبل ان نقترح ان الاموال المتأتية من ادارة اصول الدولة يجب تجييرها للمودعين».
تضيف: «منذ البداية نادينا ككتلة بضرورة تقييم موجودات وأصول المصارف، لمعرفة كم من الديون على كل طرف ردها، وعند تحديد المسؤوليات عندها يمكن انتقاء الخيار الاسلم لرد اموال المودعين، أما الكلام عن استعمال اصول الدولة لرد اموال المودعين فهو طرح غير علمي»، مؤكدة أنه «عند تطبيق الحوكمة في ادارة اصول الدولة واعادتها الى الطريق السليم وتطهير الادارة العامة والغاء المحسوبيات في الادارات، عندها تصبح هذه الاصول والقطاعات منتجة ويمكن ان تدر اموالاً على خزينة الدولة والبحث في الخيارات لاستعمالها لاحقاً، ولكن لا يمكن الربط بالمطلق بين ادارة اصول الدولة بشكل جيد واعادة اموال المودعين خلال سنوات قليلة، لا أعتقد أن هذا الطرح علمي».
عون: على الدولة ديون يجب ردّها للناس مع الزمن
في المقابل يشرح عضو تكتل «لبنان القوي» النائب آلان عون لـ»نداء الوطن» أنه «من حيث المبدأ الدولة عليها ديون ومن واجبها ان تبذل قصارى جهدها لتأمين الايرادات اللازمة لردها. لكن حالياً الاموال غير متوفرة وعلينا البحث عن طريقة تعيد أموال الناس بأسرع وقت ممكن (سنوات وليس شهوراً)».
يضيف: «على الدولة استعمال قسم من ايرادات مؤسساتها لرد اموال المودعين وليس جميعها طبعاً. في حال عادت هذه المؤسسات الى موقع الربحية وتحقيق الفائض في الموازنة، يمكن استعمال قسم من هذه الايرادات لرد اموال الناس وتقليص الفجوة المالية البالغة 70 مليار دولار، ولا حل امامنا سوى ذلك»، مشدداً على أنه «لا يمكن تناول هذا الطرح بالعموم، بل يجب مقاربة هذا الموضوع بدقة ودرس النسبة التي ستخصص لرد اموال المودعين، والمردود المتوقع لهذه المؤسسات لتأمين التوازن بين الاموال اللازمة لتسيير خدمات الدولة ورد اموال المودعين، هذا هو المنطق».
يلفت عون الى أن «هناك من يقول أن هذا الطرح مثالي، وشخصياً أرى أن هذا الطرح غير واقعي حالياً لأن هذه المؤسسات المعوّل عليها لتأمين الاموال لم تعد بعد الى حالة الربحية، ولن تعود الا من ضمن خطة تعافٍ اقتصادي يكون استخدام ايرادات مؤسسات الدولة لرد اموال المودعين جزء منها، ومع الصندوق الائتماني الذي يمكن أن تساهم فيه مؤسسات الدولة (بعد انتقالها الى حالة الربحية وبالتعاون مع القطاع الخاص)، نمول صندوق استرداد الودائع وميزانية الدولة».
ويختم: «هذا الطرح طموح جداً وتحقيقه ليس بسيطاً أو سهلاً ويحتاج الى قيام دولة ووضع مثالي ولكنه جزء من الافكار وليس فكرة وحيدة، ولكن الصندوق الائتماني من بعد معالجة مؤسسات الدولة، يمكن أن يكون جزءاً من المساهمة في تسكير الفجوة من دون تحديد حجمها، لأنه واقعياً لا يمكن تسديد 70 ملياراً بهذه الطريقة فقط».
منعم: يهربون من الحقيقة ويبيعون الناس أوهاماً
في قراءة لطرح استخدام ايرادات اصول الدولة لرد الودائع، ترى المديرة التنفيذية لـ»كلنا ارادة» ديانا منعم لـ»نداء الوطن» أن من يطرح هذه الافكار يبيع الناس اوهاماً، والدليل أنهم اهدروا 25 مليار دولار من الاحتياطي منذ بداية الازمة بدلاً من وضع خطة تعيد اموال المودعين، خصوصاً أن هذه المؤسسات المملوكة من الدولة تحتاج الى اصلاحات جذرية».
تضيف: «النقطة المهمة هي أننا بحاجة لاصلاح هذه المؤسسات كي تتمكن من در أرباح ومداخيل على خزينة الدولة، بعدها يمكن تحديد الاولويات لاستعمال هذه المداخيل الجديدة بدءاً من التعليم والطبابة»، مشددة على أنه «اي صندوق كان، سواء مخصص لعائدات من الغاز والنفط أو لتعويض المودعين وغيرها من الصناديق، كل هذه الافكار اذا لم تتزامن مع تنفيذ اصلاحات للدين العام، يمكن أن نجد حاملي سندات اليوروبند يطالبون بحقوقهم، وأي افكار تطرح من دون اعادة هيكلة للدين العام وفقاً للأصول المتبعة واصلاح القطاع المصرفي واحترام تراتبية توزيع الخسائر هو كلام لا جدوى منه».
تشير منعم الى أنه «حتى لو تم بيع هذه الاصول لا يمكن ان تكون كافية لرد اموال المودعين، ولا يجب أن ننسى أن الفجوة المالية هي 70 مليار دولار، في حين انه اذا تم بيع هذه الاصول لن تزيد قيمتها عن 11 مليار دولار، علماً أن المنطق ينص على أنه لا يمكن بيع هذه الاصول في وضعها الحالي وفي ظل بلد مفلس، لأنه يكون كمن يبيعها بأبخس الاثمان». وتختم: «من يطلق هذا الكلام يحاول حرف الانظار عن أنه بدد من الاحتياطي 25 مليار دولار بدل ردها للمودعين».
راشد: علينا أولاً البدء بإعادة الثقة والسيولة إلى الإقتصاد
من جهته يوضح الخبير الاقتصادي السابق في صندوق النقد الدولي منير راشد لـ»نداء الوطن» انه يلزمنا سنوات لاعادة النهوض بهذه المؤسسات ليتم لاحقاً تحقيق ارباح منها، ولكن الحل ليس باستعمال اصول الدولة، وهذا ما يرفضه صندوق النقد لجهة استعمال اصول الدولة المالية لرد الخسائر. الأصح هو اعادة الثقة والسيولة للاقتصاد اللبناني عندها تعود اموال المودعين»، مشدداً على أن «القطاع المصرفي في اي بلد في العالم لا يمكنه وحده اعادة اموال المودعين، ونقاش فكرة اعادة الودائع للناس تستعمل لدى البعض كعذر لشطب الودائع بمعنى ان الدولة تقول إنه لا يمكنها رد الودائع ولذلك يجب شطبها».
يؤكد راشد أن «السؤال هو ما الذي يمكن ان يؤكد للمودعين انهم سيستردون اموالهم، وان الحكومات المقبلة لن تتنصل من الوعود التي قد تقطعها؟ لا شيء»، مشدداً على أن «المعالجة الاصح للودائع هي المحافظة عليها من خلال الاعلان بأنها مصانة بحكم الدستور اللبناني كباب لاستعادة ثقة المودعين، ثم تحرير سعر الصرف بالكامل لالغاء اللولار ولا يعود هناك تدخل من قبل مصرف لبنان بسعر الصرف، ويتم توزيع الاحتياطي الالزامي على المصارف لتأمين السيولة اللازمة، كي لا يحصل انخفاض لسعر الليرة مع الوقت يجب ان نقوم بالعمل على اعادة التوازن المالي. لأن العجز المالي يدفع المركزي الى ضخ ليرات في السوق مما يؤدي الى زيادة التضخم وارتفاع الاسعار. التوازن المالي يمر عبر تحرير سعر الصرف. والدولة عدلت سعر الصرف، فانخفض العجز من 24 بالمئة الى 13 بالمئة، واذا تم تحسين الجباية يمكن ان نصل الى التوازن المطلوب».
ويختم: «توفير السيولة حتى لو بيع جزء من الذهب (5 مليارات مثلاً) وتخصيص ادارة القطاع العام عبر مناقصات عالمية شفافة بعيداً عن المحسوبيات، عندها يمكن للايرادات التي تحصدها أن تخصص لتغذية خزينة الدولة وتحقيق التوازن المالي المطلوب في البنية التحتية وكل المرافق الرسمية، وتستعمل لكل اللبنانيين وليس المودعين فقط، وهذا الحل يوافق عليه صندوق النقد الدولي، مع فارق ان الصندوق يريد شطب الودائع كحل سريع».