يترقب اللبنانيون إطلاق منصة بلومبرغ التي أقرتها الحكومة اللبنانية كبديل لمنصة صيرفة على أمل أن تحقق هذه المنصة الجديدة ما لم تحققه سابقتها وأن تكون أفضل منها سيما أننا سمعنا الكثير من الكلام عما تتمتع به بلومبرغ من شفافية.
هذا وأعلن حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري أنَّ المصرف يعتزم توفير منصة تبادل دولية جديدة عبر “بلومبرغ”، مؤكداً أن مهمة هذه المنصة هي تحويل الليرة اللبنانية إلى الدولار الأميركي، وبهذا الإجراء يمكن للدولة اللبنانية أن تدفع التزاماتها بالليرة، وبإمكان من يستلمها تغييرها عبر هذه المنصة إلى الدولار، لكنه أشار إلى أن نجاح هذه المنصة واستمرارها ليس بالأمر الهين، لأنه سيظل هناك عجز، كما أنه لن تتم الأمور إلا بإقرار الآلية القانونية لها.
كما تشير المعلومات إلى أن مصرف لبنان لن يستخدم عبر المنصة الجديدة دولارات من التوظيفات الإلزامية أو الاحتياطي، ولن تكون منصّة لتربيح فئات دون أخرى ولا تحمل شبهات تبييض أموال .
ويعوّل على هذه المنصة الجديدة القدرة على تأمين عمق وحجم تداول أكبر، وهذا من المرجح أن يدعم تسعيراً أكثر كفاءة في سوق سعر الصرف المعوّم الحر.
وهذا بالتالي سيؤدي أيضاً إلى إعادة الليرة الى موقعها الطبيعي كأداة دفع في الاقتصاد اللبناني اضافةً الى إيجابيات أخرى مثل السماح بتحسين مراقبة دفاتر كبار المستوردين، ما يساعد على تحسين إيرادات الحكومة الضريبية.
فهل ستكون منصة بلومبرغ على قدر التطلعات والآمال وتحقق الهدف المرجو منها؟
في هذا الإطار رأى الكاتب والباحث في الشؤون الماليَّة والاقتصاديَّة البروفسور مارون خاطر في حديث للديار أن مجلس الوزراء أقرّ منصّة “بلومبرغ” بعد تمهيد إعلامي مقصود اتَّخَذَ شَكل “التَّسريب” على أنقاض “صيرفة” بناءً على اقتراح حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري إلا أنَّ كل ما يبدو وكأنه ثورة داخل مصرف لبنان لا يتعدى كونه بعض التعديلات الطَّفيفة التي تتناول الشكل دون المضمون.
وقال: اتخذ عرَّابو “بلومبرغ” الشفافية عنواناً لإطلاقها في خطوة تؤكد على وجودهم على كوكب آخر بعيد. فالشفافية تضمنها الممارسة وهي لو وجِدَت لَما تحوَّلَت “صيرفة” إلى أداة لإسكات المضاربين عبر نقلهم من السوق الموازية إلى المصارف، مشيراً إلى أن “صيرفة” تخضع للقانون اللبناني لا سيما لنصّ القانون ٣١٨ الذي يُعنى بمكافحة تَبييض الأموال والإرهاب ، و يؤكّد عدم امتثال مصرف لبنان والمصارف القانون على أن المشكلة في لبنان لَيست في نوع الِمنَصَّات ولا في اسمائها بَل في غياب العدالة والمحاسبة وفي إطباق السياسة على الدَّولة كما على مصرف لبنان وعلى المصارف.
إنطلاقاً مما تَقَدَّم، يرى البروفسور خاطر أن مِنَصَّة “بلومبرغ” العتيدة لن تتمكن من تأمين الشفافية بسبب نَقص البُنية التحتيَّة المؤسسيَّة وتَنَامي الاقتصاد النقدي وعدم مرور العمليات عبر المصارف وعبر مؤسسات الدَّولة، مشيراً إلى ذلك يؤدي إلى استحالة تَتَبُّع حركة الأموال لمعرفة مصادرها ووجهات استعمالها.
في سياق متّصِل متعلق بغياب الثقَة بالدولة وبالقطاع المصرفي من جهة، وبابتعاد أصحاب الأموال المشبوهة المَصدَر والوجهَة عن المصارف والصرَّافين خوفاً من التتبع من جهة ثانية، توقع خاطر أن المنصة ستفشل عملياً بسبب عدم امكاناتها تأمين الدولار لإعادة بيعه للجمهور. استطرداً، لَن يَعكِسَ سِعر المنصَّة حَرَكَة السوق مما سيجعله سعراً مقَرَّراً مسبقاً ومصطنعاً أين منه سعر “صيرفة”!
إذا كانت المِنَصَّة الجديدة لن تتمكَّن من تأمين الشفافية وضبط السوق وتحديد سعر الصرف فما الهَدَف إذاً من انشائها؟ ردّاً على هذا السؤال أجاب خاطر:” يُشَكل الكلام المُتَكَرّر عن عدم نيَّة المصرف المركزي التدخُّل مجدَّداً على سوق القطع مؤشراً واضحاً على أنَّ وراء إنشاء المِنَصَّة أهدافاً مخفيَّة قد يكون تحرير سعر الصرف أهمها واخطرها، مشدداً في هذا الإطار على أن أي تحرير لسعر الصرف في غياب سياسة ماليَّة واضحة وفي ظل الانهيار الحاصل هو انتحار ماليّ واقتصاديّ”.
ووفقاً لخاطر إنَّ ما يحتاج إليه لبنان اليوم ليس نصوصاً ومنصَّات وأسماء رنانة بل عودة حقيقية الى الدولة والمؤسسات في إطار حلّ سياسي شامل يبدأ بانتحاب رئيس جديد للبلاد وبتشكيل حكومة يناط بها إقرار خطة للنهوض تبدأ بإرساء دولة القانون وبضبط الحدود. وأضاف: ” في الوقت بَدَل الضائع بين الانهيار والحلّ المؤجَّل، يتم إلهاء الرأي العام بمواضيع أسبوعيَّة تتَّخِذُ عناوين مشوّقة كَتَعديل قانون النَّقد والتَّسليف، وموازنة ٢٠٢٤ “البطوليَّة الهوى” ومنصَّة “بلومبرغ” والضرائب على القروض المُسدَّدَة مُسبقاً على سعر ١٥٠٠ ليرة، في محاولات متكرّرة لِحَرف الانظار عن أسباب الأزمة ومسببيها”.
وختم البروفسور خاطر بالقول: “بلومبرغ” كنية أجنبية لمنصَّة ستتخذ “صيرفة ٢” اسماً لها إن قُدّرَ لها ان تبصر النّور وهي قد تكون أسوأ من “صيرفة ” بالنَّظَر إلى ما نَخشاه من نتائجها! إن لم تتحول “بلومبرغ” لصيرفة ٢” فستزدهر السوق الموازية ويُحَلّق سعر الصرف وإن تحوَّلَت سيكون انشاؤها دون جدوى ولا يتعدى كونه مَضيعةً للوقت.