بين الليلرة والدولرة… “المركزي” يمشي على حبل رفيع

اعلن حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري امام وفد محرري الصحافة اللبنانية الذي زاره الاسبوع الماضي، انه لن يقف «في وجه المودع لأخذ وديعته على سعر 90 ألفًا بالليرة اللبنانية إذا اقر سعر الصرف هذا في موازنة 2024».

وبالتالي فان اقرار موازنة 2024 بسعر الصرف المحدد على المنصة، سيتيح للبنك المركزي والقطاع المصرفي التعامل في ما بينهما وفق هذا السعر، مما سيلغي تلقائيا التعميم 151 الذي يحدد سعر صرف السحوبات النقدية من المصارف عند 15 الف ليرة ويستبدله بالسعر المحرر المقرّ بالموازنة والمتحرك مع منصة بلومبيرغ لاحقاً.

ويجب على المصارف ان تستعدّ لتعديل سعر الصرف وتحريره عند اقرار الموازنة، علما بان ملاءتها المالية وحجم رساميلها ستتأثر بذلك سلباً… وللغاية! وستكون مسؤولة عن تأمين السيولة النقدية بالليرة المطلوبة لتسديد الودائع على سعر الصرف المحرر.

الإستقرار النقدي

في المقابل، يستمر مصرف لبنان في مسعى الحفاظ على الاستقرار النقدي عند رفع سعر صرف السحوبات النقدية من المصارف على 90 الف ليرة، معتمداً اوّلا على ايرادات الدولة التي ستتم جبايتها على سعر الصرف نفسه، مما سيساهم في اعادة سحب جزء من السيولة النقدية بالليرة التي سيتم ضخها في السوق. في حين سيقوم بتغطية الفائض في السيولة بين ما يضخه وما تجبيه الدولة، من خلال خفض سقف السحوبات المصرفية الشهرية المحددة بـ1600 دولار حالياً، ومن خلال منصة بلومبيرغ التي يعتزم اطلاقها والتي ستعتمد آليتها على إلزام كلّ من يريد فتح اعتمادات مصرفية للاستيراد، تأمين قيمة تلك الاعتمادات بالليرة اللبنانية نقداً، على ان تقوم المصارف بشراء الدولارات له عبر منصة بلومبيرغ. وبذلك يكون البنك المركزي قد ساهم أيضا في سحب الجزء المتبقي من فائض السيولة النقدية بالليرة في السوق، وحافظ على حجم الكتلة النقدية اللازمة للحفاظ على الاستقرار النقدي الحالي. بالاضافة الى ضخ الدولارات في السوق من خلال المستوردين الذين سيلجأون الى الصيارفة في السوق لتأمين الليرات المطلوبة لفتح الاعتمادات، بعد ان أصبحت التعاملات التجارية في القطاع الخاص مدولرة بشكل شبه كامل وتقلّص حجم التداول بالليرة في السوق في الفترة الاخيرة.

الكابيتال كونترول

كما ان مشروع قانون الكابيتال كونترول الذي ينصّ في احد بنوده على «ليلرة» التعاملات التجارية المحلية يصبّ ايضاً في خانة امتصاص السيولة النقدية بالليرة من السوق، إذ انه يقترح اتمام كافة التعاملات التجارية بالليرة والحصول على موافقة لجنة خاصة لتحويل اموال تلك المعاملات الى الدولار ومن ثم الى الخارج، مع الاشارة الى ان هذا البند يحظى باعتراض شديد من قبل الهيئات الاقتصادية لانه يقيّد عمل القطاع الخاص ويفتح المجال امام الاستنسابية بالتعاملات المصرفية. ولكن الى اي مدى سيستطيع مصرف لبنان الحفاظ على الاستقرار النقدي الحالي وبأي ثمن؟

رمال: الإستقرار مهدّد

رأى عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدنان رمال ان الاستقرار النقدي مهدد قبل حتّى اقرار الموازنة وتحرير سعر الصرف او تعديل سعر صرف السحوبات النقدية المصرفية، لان ما ساهم في هذا الاستقرار هو احجام الدولة عن إنفاق ما يتوجب عليها من التزامات بالدولار او تأجيل دفعها، باستثناء رواتب القطاع العام. واوضح لـ»نداء الوطن» انه في ظلّ قرار المركزي عدم المسّ بالاحتياطي، وبينما استنفدت اموال حقوق السحب الخاصة التي ساهمت منذ 2021 بدعم نفقات الدولة بحوالى 50 مليون دولار شهرياً، أصبح من الصعب تأمين الاموال لتسديد التزامات الدولة المستحقة والتي منذ انتهاء ولاية رياض سلامة، هناك تقنين حادّ في دفعها، منها التزامات المستشفيات، حاجات القوى الامنية والعسكرية، الإنفاق على المرافق العامة للدولة أبرزها مؤسسة كهرباء لبنان العاجزة عن استخدام الـ 55 تريليون ليرة لبنانية في حسابها لدى مصرف لبنان، بسبب رفض الاخير تحويلها الى الدولار. وغيرها من ايرادات الدولة التي يرفض مصرف لبنان تحويلها الى الدولار لتسديد التزامات الدولة باستثناء الجزء المتعلق برواتب واجور القطاع العام… ولكنّ رمال اشار الى ان تأجيل دفع التزامات الدولة لا يمكن ان يدوم لانه سيتسبب باقفال المرافق العامة عاجلاً ام آجلاً، وبالتالي لا يمكن ان يحافظ البنك المركزي على هذا التوازن بين العرض والطلب وهو لا يملك قدرة الاستدامة في الحفاظ على الاستقرار النقدي لوقت طويل.

ظلم المودعين

وحول تأثير تحرير سعر صرف السحوبات النقدية المصرفية، شدد رمال على تحميل مسؤولية انهيار سعر الصرف وارتفاع التضخم الى المودعين وحقهم في سحب ودائعهم على سعر صرف محرر، لان هناك وسائل اخرى للحفاظ على الاستقرار النقدي لحدّ ما، بموازاة منح المودعين حقوقهم. معتبراً انه يجب تعديل سعر صرف السحوبات المصرفية قبل اقرار موازنة 2024 نظراً الى ان التشريع معطّل وفرص اقرار الموازنة ضئيلة، ولم يعد أحد من المودعين يستفيد من التعميم 151 الظالم بحقهم، وبالتالي لا يمكن الاستمرار بالتعامل باجحاف مع المودعين بانتظار تحرير سعر الصرف الرسمي واقرار الموازنة.

سقف للسحوبات

واوضح رمال انه عند تحرير سعر الصرف او اعتماد سعر صرف محرر بالموازنة، ستصبح الودائع محررة بحكم القانون وبحكم سعر الصرف الرسمي، وبالتالي قد يلجأ المودعون الى سحب ودائعهم وفق السعر المحرر، وهو الامر الذي لا يقوم به أي مودع اليوم رغم انه قانوني، بسبب التفاوت بين سعر الصرف الرسمي (15 الف ليرة) وسعر السوق الموازي (89 الف ليرة). وبالتالي فان تحرير سعر الصرف او تعديله في القطاع المصرفي لن يبقى خاضعاً لسقف السحوبات المحدد بالتعميم 151 لان هذا التعميم أصبح منتهي الصلاحية، وبالتالي سيضطر مصرف لبنان لدى تحرير سعر الصرف لوضع سقف للسحوبات النقدية في حال عدم اقرار قانون الكابيتال كونترول، للحدّ من الضخ الهائل للسيولة النقدية بالليرة في السوق.

إلزام المستوردين

اما بالنسبة لالزام المستوردين بتأمين المبالغ بالليرة لزوم فتح اعتمادات للاستيراد، او مشروع الكابيتال كونترول الذي ينص على اتمام التعاملات المحلية بالليرة وطلب موافقة لجنة مختصة لتحويل اموال الشركات الى الدولار والى الخارج، أبدى رمال اعتراضاً على هذا الاقتراح «كونه سيقيّد ويجمّد الحركة التجارية ويفتح مجال الاستنسابية في عمل اللجنة، مشيراً الى ان احداً لن يثق بايداع امواله في القطاع المصرفي بالليرة بانتظار موافقة اللجنة او عدم موافقتها، مما سيعيد احياء السوق السوداء لشراء الدولارات وتحويلها الى الخارج بطرق غير رسمية».

بحصلي: العربة قبل الحصان

من جهته، اوضح رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي ان تحويل التعاملات التجارية مجدداً الى الليرة اللبنانية كما يقترح مشروع الموازنة او مشروع قانون الكابيتال كونترول، لا يمكن اعتماده قبل تثبيت الاستقرار النقدي ووجود وضوح وثبات وشفافية بسعر الصرف وارضية صلبة يعتمد عليها سير عمل الاقتصاد. معتبراً ان تحويل التعاملات الى الليرة مجدداً من اجل تثبيت سعر الصرف، «أمر مشابه للذي يضع العربة امام الحصان».

ورأى بحصلي ان اقتراح الزام التجار او المستوردين بتأمين السيولة النقدية بالليرة لفتح الاعتمادات والتحويل الى الخارج، «سيحوّلنا الى نظام موجّه 100%، ويفرض بصورة غير مباشرة اتمام التعاملات بالليرة اللبنانية اي اعادة تضخيم حجم الكتلة النقدية بالليرة في السوق، وعودة المضاربات مجددا الى السوق».

مصدرنداء الوطن - رنى سعرتي
المادة السابقة“المنظومة” تتستّر بالودائع زوراً تهرّباً من إصلاحات صندوق النقد
المقالة القادمةأسعار نار وارتفاع مجنون بين الصيف الماضي وهذا الصيف