لا تخفي أم ربيع (صاحبة دكان في بلدة القنطرة الحدودية) قلقها من دخول لبنان في الحرب الدائرة في غزة، بعدما استفاقت على أصوات المناوشات العسكرية التي دارت صباح الاحد بين عناصر «حزب الله» والقوات الاسرائيلية في مزارع شبعا. تقول لمجالسيها إنها بالكاد تستطيع دفع فاتورة «اشتراك المولد الكهربائي، فكيف يمكنها أن تعيد اعمار منزلها في حال تضرر من القصف اسرائيلي على غرار ما حصل في حرب تموز؟»، فيجيبها أحدهم بالقول: «ليش معنا ناكل اذا ضهرنا من بيوتنا؟».
يعكس كلام أم ربيع وجيرانها أن الكلفة الاقتصادية لأي حرب قادمة على لبنان باتت الشغل الشاغل لهم (بيئة المقاومة) ولكل اللبنانيين، في ظل الانهيار الحاصل الذي يعيشون تداعياته منذ نحو أربع سنوات من دون أفق، بغض النظر عن موقفهم الراسخ الى جانب الشعب الفلسطيني. وتزداد وتيرة هذا القلق مع تقدم التطورات الميدانية، خصوصاً أن المنظومة السياسية لم تترك أي «حيط عمار» مع أي طرف دولي أو عربي يمكن أن يساعد في اعادة الاعمار أو تقديم المساعدات على غرار ما حصل بعد عدوان تموز 2006. بل على العكس تماماً هناك قرار دولي – عربي حاسم بعدم مساعدة لبنان مالياً أو اقتصادياً في حال لم يتم تنفيذ الاصلاحات التي يبدو ان تنفيذها ليس في قاموس المنظومة السياسية. لذلك يصح طرح السؤال التالي: هل يتحمل اقتصاد لبنان حرباً في الجنوب؟ وكيف سيكون انعكاسها على الوضع المعيشي والصحي وحركة نزوح اللبنانيين من المناطق التي ستتعرض للقصف والبنى التحتية وحركة المطار والمعابر؟
إقتصادنا منهار
يجيب الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان «نداء الوطن» بالقول: «أي بلد سواء أكان اقتصاده متيناً ام منهاراً، فان دخوله بالحرب سيؤدي الى تكبده للخسائر، فكيف بالحري بلبنان الذي يعاني اقتصاده من أزمة وانكماش، والناتج المحلي فيه خسر معظم قيمته»، مؤكداً أن «لبنان لا يمكنه تحمل أي خسائر، ولا يمكنه أن يدخل في المعركة الدائرة حالياً في قطاع غزة، لأنه اذا حصلت اضرار في البنى التحتية لا يمكنه اعادة بنائها وهو حالياً لا يمكنه تأمين الصيانة اللازمة لها بسبب الانهيار الحاصل وحالة الاضمحلال التي تعايشها الدولة. بالاضافة الى أن هناك دولارات تدخل الى لبنان من خلال المغتربين والقطاع السياحي وأي ضربة عسكرية ستوقف دخول هذه الدولارات اي توقف الاوكسجين، ولا ننسى اننا لا زلنا نستورد ما يزيد عن 80 بالمئة مما نستهلكه».
نحن في الويل
يشير أبو سليمان الى أن «الوضع الامني المتأزم سيؤدي الى وقف عمليات التصدير الحاصلة، وأي اهتزاز امني كبير يحصل ستكون نتائجه سلبية، ما يعني انهيار اكبر للعملة وزيادة في التضخم وتراجع اكبر للقدرة الشرائية لدى المواطنين»، مشدداً على أن «هناك شللاً في المؤسسات الدستورية ولا رئيس للجمهورية والحكومة في حالة تصريف أعمال وقرار السلم والحرب ليس بيد الحكومة، والمضحك المبكي اننا في حالة الويل سواء مع حرب أو دونها».
ويختم: «في العام 2006 أتت المساعدة على الاعمار من الدول العربية، أما اليوم فان كل دول العالم ليست بوارد تقديم المساعدة لنا الا بعد تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية والمالية، التي لم نقم بها وهذا ما يزيد من وضعنا المالي والاقتصادي سوءاً».
فقدنا المناعة
في القراءة الاقتصادية أيضاً، يؤكد الخبير الاقتصادي الدكتور ايلي يشوعي لـ»نداء الوطن» أن لبنان لا يستطيع تحمل تبعات اي حدث امني جديد لأنه استنفد كل مناعته وامكاناته للصمود للأسباب المعروفة. وأي تطور امني قد يحصل سيفاقم الاوضاع الاجتماعية سوءاً. وهذا من شأنه أن يزيد من موجات هجرة اللبنانيين بمئات الآلاف الى الخارج، وهذا كله يصب في مصلحة التغيير الديمغرافي لتغيير وجه لبنان الحضاري والمتعدد المذاهب والعيش المشترك وقبول الآخر».
يضيف: «الدول التي ندور في فلكها ليست دولاً مانحة، ولا يمكنها مساعدة لبنان مالياً. وهذا يعني ان ما سيخسره اللبنانيون لن يعوّض مما سيزيد من رغبة اللبنانيين في الهجرة، بعدما سلبت ودائعهم وباتوا عرضة للموت من دون ان يعني ذلك ان القضية الاساسية غير محقة، ولكن لا قدرة للبنان على تحمل تبعاتها وتكسرت كل القدرات التي تمكّنه من الاحتمال».
تجار أجّلوا طلبيات
من الناحية التجارية أيضاً يوضح الخبير الاقتصادي الدكتور باسم البواب لـ»نداء الوطن» أن «أي خضة أمنية ستؤثر على الوضع الاقتصادي ولا سيما أن التجار غالباً ما يرتبطون بالتزامات مالية وتسديد مستحقات»، لافتاً الى أنه «على الصعيد الاقتصادي العام يقف لبنان على رجل واحدة ويعرج. وأي خضة امنية ستكون تبعاتها قاسية على جميع القطاعات في البلد، وهذا سيترجم على عدة صعد. لا بل بدأت مفاعيله بدءاً من يوم الاثنين حيث الجمود في الاسواق نتيجة الاحداث الجارية في غزة والجنوب، وهناك تجار في الجنوب اللبناني أجّلوا شراء واستلام بضائع ترقباً لما يمكن ان يحصل».
ويختم: «هناك خوف من اقفال المطار وكثير من الحجوزات في الفنادق ألغيت وايضاً في المطاعم والمرافق السياحية، وفي حال حصل اي تطور امني هناك خسائر يومية تقدر بـ60 مليون دولار سيتكبدها لبنان على الاقل».
الكلفة سترتفع
من جهته يشرح الخبير الاقتصادي الدكتور غسان شماس لـ»نداء الوطن» أن «لبنان لا يمكنه تحمل أي وضع يزيد الكلفة الاقتصادية عليه. والامثلة عديدة منها على سبيل المثال زيادة أسعار المحروقات عالمياً او زيادة اسعار القمح عالمياً، لأنه لا يملك اي امكانات اقتصادية تخفف عنه وقع اي تطور أو حدث كبير يمكن ان يقع، فكم بالحري في حال دخلنا في اي حدث امني قد يحتم علينا زيادة المصروف لناحية الاستعداد او لجهة تحمل النتائج». ويختم: «إقتصادياً لا يمكننا تحمل اي حدث طارئ سواء أكان اقتصادياً ام غير اقتصادي، لأنه سيزيد من الاعباء وسيؤثر سلباً علينا».