الدولة أمام معضلة تغطية نفقات تداعيات الحرب

في الوقت الذي يحرص فيه «حزب الله» على اظهار اهتمامه بتقديم الخدمات الطبية والتعويض عن الخسائر المادية التي يتكبدها الجنوبيون جراء الحرب (الممكنة) عبر بث صور لفرقه الطبية ولممثلي جمعية الامداد، ثمة سؤال أساسي يقفز الى الواجهة حول كيفية تأمين الدولة لنفقات اضافية لتغطية آثار الحرب صحياً على الاقل، علماً ان ميزانية وزارة الصحة اللبنانية لا تزيد عن 35 مليون دولار سنوياً (إسرائيل 11 مليار دولار).

مبررات هذا التساؤل كثيرة ووجيهة، أولها أن حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري حريص على ضبط الانفاق بالليرة اللبنانية كي لا يؤثر ذلك على سعر الدولار في السوق السوداء. وفي الوقت نفسه يذكّر بانه لن يقرض الدولة بالدولار مهما كلّف الامر. ثاني هذه المبررات أن الدولة اللبنانية متوقفة عن سداد سندات اليوروبوند ما يعني انها غير قادرة على الاستدانة من الاسواق المالية العالمية، ولا يمكنها الاتكال على ما تبقى من اموال السحب الخاصة، لأن ما تبقى منها محجوز لشراء أدوية الامراض المستعصية لأشهر قليلة.

كل ما سبق يقود الى الاستنتاج أن لا خيار للحكومة، وفي حال الضرورة القصوى، الا اعادة الطلب من البنك المركزي دولارات من الاحتياط الالزامي او التوظيفات الالزامية (وهي نحو 7.3 مليارات دولار )، أو الاتكال على المساعدات الأجنبية كما حصل في جائحة كورونا، فأي من الاحتمالين أقرب الى التحقق؟

غبريل: لا للمساس بالإحتياطي الإلزامي

يشدد الخبير الاقتصادي نسيب غبريل لـ»نداء الوطن» أن «لا مبرر للحكومة بمد يدها على الاحتياطي في مصرف لبنان مهما كانت الذريعة سواء ضرورات حرب أم لا، فهذه اموال المودعين ولا يحق لهم المس فيها»، لافتاً الى أن «الطبقة السياسية شهيتها مفتوحة دائماً على استخدام هذا الاحتياطي سواء مع وقوع حرب أو بدونها، كما انها استهلكت حقوق السحب الخاصة السحوبات في تسديد النفقات الجارية وليس لمشاريع مستدامة، وفي حال ارادوا تأمين أموال عليهم اقناع مجلس النواب برهن جزء من الذهب لقاء الحصول على قروض من الخارج وهذه فكرة كانت مطروحة في العام 2020».

كان عليهم التوقيع مع صندوق النقد

يرى غبريل ان «الوضع حالياً مختلف عن العام 2006، ففي ذلك العام وضعت المملكة العربية السعودية في المصرف المركزي مليار دولار والكويت وضعت 500 مليون دولار واليوم نحن في جو مختلف. منذ العام 2018 كل اصدقاء لبنان والمؤسسات الدولية تطلب من لبنان ان يساعد نفسه كي يساعدوه ولكن لا حياة لمن تنادي»، معتبراً أن «الدولة اللبنانية حشرت نفسها بالزاوية لانها لم تقم بتفعيل أي من المصادر المهملة التي يمكن ان تزيد ايرادات الخزينة، كما أنها لم تطبق الاصلاحات المطلوبة من صندوق النقد والتي كان من شأنها فتح الباب امام قروض ميسرة بقيمة 3 مليارات دولار (مع مساعدات من جهات أخرى) لتمويل الدولة اللبنانية».

الدولة تهمل جباية إيرادات ثمينة

يضيف: «كان على الحكومة الحالية والحكومات التي قبلها أن تفكر بالاحتياطات اللازمة التي يجب اتخاذها في حال وقوع ازمات وليس عند وصولنا الى شفير اندلاع حرب، مع العلم أن الحكومة تشكو من تراجع الموارد وايرادات الخزينة من دون معالجة الاسباب»، شارحاً أن الدولة «لم تلجأ الى تفعيل موارد للخزينة مهملة منذ زمن مثل مكافحة التهرب الضريبي وتفعيل الجبابة ومحاربة التهرب الجمركي، ومكافحة التهريب عبر الحدود بالاتجاهين وتطبيق قوانين موجودة من شأنها أن تؤدي الى زيادة الايرادات، وفرض ضريبة استثنائية على كل من احتكر وهرّب المواد المدعومة المستوردة، والتي أدت الى استنزاف بين 10 و12 مليار دولار من اموال المودعين واحتياطي مصرف لبنان بالعملات الاجنبية».

يؤكد غبريل أن «الاهم هو فتح الدوائر الرسمية اذ لا يمكن لأي دولة أن تؤمن ايراداتها اذا مصدر ايراداتها مقفل منذ سنتين (الدوائر العقارية/ المالية/ النافعة/ الميكانيك/ والجمارك الى حد ما)، ولا يمكن ان تكون موازنة العام 2024 قائمة على ضرائب تنهك القطاع الخاص وتتغاضى عن كل هذه الاجراءات»، مشدداً على أنه «في حال حصول حرب لا خيارات كثيرة أمام الحكومة لتأمين الاموال للنفقات المستجدة التي قد تطرأ، لأن قرار التوقف عن السداد الذي اتخذته الحكومة يعني أن لبنان لن يتمكن من الاستدانة من الاسواق العالمية وهو منذ ذلك الوقت على هامش النظام المالي العالمي والمصرفي والتجاري، وقبل الازمة توقفت المصارف من الاكتتاب بسندات اليوروبوند التي تصدرها الدولة وتوقفت عن الاكتتاب بسندات الخزينة بالليرة اللبنانية».

ويختم: «اليوم مصرف لبنان يقول علناً انه غير مستعد لاستعمال الاحتياطي بالعملات الاجنبية لتمويل النفقات الجارية للدولة، لكنه يساعد نوعاً ما من خلال تأمين رواتب وأجور القطاع العام بالدولار من خلال شراء الدولار من السوق السوداء بطريقة مدروسة لا تؤدي الى رفع السعر».

البواب: ستبلغ الخسائر 75 مليون دولار يومياً

يشرح الخبير الاقتصادي الدكتور باسم البواب لـ»نداء الوطن» أن المشكلة الاساسية هي في الخسائر التي يتكبدها لبنان جراء الحرب، فحالياً ومنذ اندلاع الحرب في غزة يتكبد الاقتصاد اللبناني خسائر بقيمة 25 مليون دولار يومياً، في حين أن نشاطه اليوم يقدر بقيمة 100 مليون دولار، وفي حال اندلعت الحرب، فهذه الخسائر ستبلغ 75 مليون دولار يومياً بسبب الانكماش وسيقتصر النشاط على المواد الغذائية والمحروقات. هذا بالاضافة الى الخسائر التي ستحصل جراء التدمير والتي ستكون بالمليارات»، مشيراً الى أنه «في ما يتعلق بالقطاع الصحي وتأمين الدعم اللازم له في حال الحرب، فالدولة اللبنانية مستقيلة من دورها حول هذا الموضوع، والقطاع الخاص هو من يؤمن المستلزمات والخدمات الطبية المطلوبة».

ويختم:» لن يتأثر دولار السوق السوداء سواء وقعت الحرب أم لم تقع، لأن الاقتصاد اللبناني بات مدولراً بشكل كلي، اي أن الحاجات والخدمات الاساسية، (مواد غذائية/ محروقات/ دواء/ تعليم) بات اللبناني يدفع ثمنها بالدولار، وبالتالي سواء وقعت الحرب أم لم تقع لن يتغير شيء».

قزح: لا مشكلة

من جهته يستبعد الخبير المالي ميشال قزح حصول حرب في لبنان، ويشرح السبب لـ»نداء الوطن» بالقول: «عملية التطبيع التي حصلت بين لبنان واسرائيل والتي رعاها الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين والمتعلقة بالتنقيب عن الغاز، ولذلك اسرائيل لن تفتح جبهتين في الوقت نفسه في حين ان هدفها هو تهجير الفلسطينيين نهائياً من غزة».

يضيف: «في لبنان الاقتصاد بات مدولراً بنسبة تفوق الـ90 بالمئة ومصرف لبنان يغطي مصاريف مثل دفع رواتب القطاع العام بالدولار من فوائد أمواله الموجودة في المصارف المراسلة، ومن الاموال التي يحصلها من الميدل إيست وكازينو لبنان. وفي المرحلة القادمة نحن في حالة استقرار ستستمر».

مصدرنداء الوطن - باسمة عطوي
المادة السابقةمنصوري و”لجنة المال” يحاصران الحكومة في زمن الحرب
المقالة القادمةوهم النفط في لبنان