“ترقيع” مزايدة البريد: ثلاث محاولات فاشلة.. والقرار النهائي ضائع

تضيق الخيارات في هذا البلد بعد تصدُّع أساسات هذا النظام، على مختلف المستويات. وعلى الصعيد الاقتصادي، ينكشف مستوى اهتراء المؤساسات العامة ومرافق الدولة التي تؤدّي خدماتها للمواطنين عبر تلزيم التشغيل لشركات خاصة، على غرار خدمات البريد وخدمات المعاينة الميكانيكية.. وغير ذلك.

وإذا كان الميكانيك قد سقط بلا تلزيم وتشغيل لائق. فخدمات البريد على الحافة تنتظر ما يمكن فعله. والقرار عند مجلس الوزراء. وربّما يؤخذ بالاجتهاد الذي يُحيل الملف إلى مجلس النواب، نظراً إلى كَون مهام الحكومة اليوم تصريف الأعمال لا غير. فهل تُلَزَّم خدمات البريد لشركة جديدة، أو يُمَدَّد لشركة “ليبان بوست” التي تمسك بالقطاع منذ العام 1998، أو ينهار القطاع؟.

التمديد بانتظار المزايدة الرابعة

سقطت ثلاث محاولات لتلزيم قطاع البريد لشركة تخلف ليبان بوست، بعد انتهاء عقد الأخيرة. ومنذ شهر شباط الماضي تستمر المحاولات. وحينها جرت المزايدة الأولى ولم تتقدّم أي شركة. وبعدها بشهر، فشلت المزايدة الثانية التي تقدّم لها ائتلاف شركتيّ ميريت انفست وColis Privé France المملوكتين من مجموعة CMA-CGM الفرنسية (راجع المدن)، إلاّ أن هيئة الشراء العام رفضت المزايدة نظراً لعدم مطابقة العقد مع دفتر الشروط وعدم تحقيقه التوازن المالي.

رحلة المزايدة الثالثة بدأت في حزيران. ورُفِضَت المزايدة التي تقدّم لها الائتلاف نفسه. ليبقى القطاع اليوم بانتظار المخرج المناسب للتلزيم. ولذلك، على مجلس الوزراء اتخاذ القرار المناسب، والذي يصفه وزير الاتصالات جوني القرم بأنه “قرار كبير، وعلى المجلس اتخاذه بعد رفض ثلاث مزايدات”. ويقترح القرم في حديث لـ”المدن”، أن يتم اعتماد خيار من اثنين “إما التمديد لشركة ليبان بوست بانتظار إجراء مزايدة رابعة والتعاقد مع شركة جديدة، أو تلزيم الائتلاف الذي تقدّم للمزايدة”. ومع أن القرم يؤكّد رفضه التمديد “إلاّ أن لا خيار آخر لتفادي انهيار القطاع وتحوّله إلى ما يشبه قطاع الميكانيك”.
ويستعجل القرم الحل لأننا “اليوم نلزِّم قطاعاً له قيمة تتناقص سنة بعد سنة، فغداً قيمته ستكون أقل من اليوم، وشركة ليبان بوست خسرت عقودها مع الدولة والقطاع الخاص والمصارف، ونحو 150 موظفاً ترك وظيفته، ووضع الشركة غير قانوني. وبذلك، نحن أمام وضع صعب ونخسر نحو 5 مليون دولار سنوياً بعدم ايجاد حل”.

بين هيئة الشراء العام وديوان المحاسبة

في المزايدة الأولى، كانت الوزارة وهيئة الشراء العام على موجة واحدة رافضة، إلى أن حدث الصدع في المزايدة الثالثة. نقول الصدع وليس الانشقاق أو الطلاق بين الطرفين، لأن الوئام ما زال قائماً، والشهادة بالإيجابية تتنقَّل بين لسان القرم ولسان العلية، لكن للرجلين وجهتيّ نظر تفترق عند المزايدة الثالثة. فالقرم يستغرب كيف يرفض العلية المزايدة “مع انه كان موافقاً عليها ولم يرفضها بالمطلق، بل وضع ملاحظاته وأنا قلت بأنّ لديّ الملاحظات عينها”. ويضيف، أنه في ظل عدم القدرة على حسم الملف، من الأفضل التمديد بانتظار المرحلة اللاحقة.

وهذا بالتحديد ما يرفضه العلية، معلناً تمسّكه بالقانون. فوفق المادة 13 من قانون الشراء العام، من الواجب وضع قيمة تقديرية لسعر افتتاح المزايدة، فتم وضع قيمة تقديرية لا تنطلق من دراسة جدوى بطريقة علمية، وهو ما طلبه ديوان المحاسبة أيضاً. ومع ذلك، “تم قبول الأمر استثنائياً لأن القانون يجيز الاستثناء”، حسب ما يقوله العلية لـ”المدن”.

الأهم من ذلك، هو أن الوزارة لم تعطِ مهلة إضافية لشركتين طلبتا تمديد المهلة للمشاركة في المزايدة “مع أننا حوّلنا طلب التمديد للوزارة”، يوضح العلية. أي أن تمديد المهلة، كان سيكسر عقبة وجود عارض وحيد، ويعزز مبدأ المنافسة وقد يحقق للدولة إيرادات إضافية.

وبالتوازي، فإن الإصرار على أن يكون رأسمال الشركة الموضوع في لبنان 10 مليون دولار نقدي “فريش”، علماً أن قانون التجارة اللبناني “يقول بأنه يمكن للشركة وضع ربع رأسمالها على الأقل في لبنان. فلماذا عليها وضع 10 مليون دولار نقدي؟ فهذا الأمر يحدّ من المنافسة”. ولموقف العلية سندٌ ينطلق من الواقع السياسي والاقتصادي والأمني في لبنان، والذي لا يشجّع الشركات على استثمار ووضع مبالغ هائلة نقداً. وكلّما كانت المبالغ أقل، كلّما تشجّعت الشركات على الاستثمار.

وبالتالي، فإن وجود عارض وحيد، وإقفال الباب أمام المنافسين، واشتراط وجود رأسمال ضخم، يعني بشكل أو بآخر، ترجيح الكفّة لصالح جهة محددة، في حين كان يمكن توسيع المجال باتجاه شركات أخرى، وهو ما يريده العلية، بغضّ النظر عن الرابح.. والمسألة ليست شخصية هنا. فما رفضته هيئة الشراء العام، رفضه ديوان المحاسبة.

هي مزايدة ستربط قطاع البريد بإحدى الشركات لمدة 9 سنوات. وبما أن طريق هيئة الشراء العام محكوم بالقانون، وطريق وزارة الاتصالات محكوم بالسعي لتسيير المرفق العام “كي لا ينهار”، فإن القرار النهائي لدى مجلس الوزراء الذي عليه العمل على ترقيع ما تمزّق عبر المحاولات الثلاث. فالقرم يقول “لا شيء بيدي لأنفّذه”، والعلية يقول بأنه “يستند إلى القانون، ودور الهيئة انتهى هنا”…أما مجلس الوزراء الذي استمع إلى وجهات النظر، من الوزارة وهيئة الشراء العام وديوان المحاسبة، فلم يتّخذ قراراً بعد.

مصدرالمدن - خضر حسان
المادة السابقةهكذا أثرت حرب غزّة على الاقتصاد العالمي…
المقالة القادمةهل تطيح حتمية «الاصلاح» بموازنة 2024؟