بعد مرور شهر على الحرب بين إسرائيل و«حماس»، تواجه دول الجوار تحديات اقتصادية كبيرة، خاصة لبنان والأردن ومصر. فقد ضربت الحرب بنيتها الاقتصادية، وانعكست آثارها السلبية بشكل مباشر وغير مباشر على القطاعات كافة، مما يهدد بتداعيات وخيمة على مستوى النمو الاقتصادي، والاحتياطي الأجنبي والناتج المحلي، وارتفاع التضخم، وزيادة البطالة، وانخفاض الاستثمار.
ولن تسلم إسرائيل بالطبع، حيث من المرجح أن يواجه اقتصادها عواقب خطيرة، وأن ينخفض ناتجها المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 5 في المائة على أساس سنوي في الربع الأخير من العام الحالي.
وبحسب أحدث التقارير الصادرة عن وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال للتصنيفات الائتمانية»، يوم الثلاثاء، يرجح أن يكون الضرر الأكبر للحرب بين إسرائيل و«حماس» خارج مناطق النزاع، على قطاع السياحة في كل من مصر ولبنان والأردن.
الوكالة أوردت في تقرير صادر يوم الاثنين، أن هذه الخسائر قد تبلغ ما بين 10 في المائة إلى 70 في المائة من إجمالي عائدات السياحة المسجلة العام الماضي، وذلك وفق تفاقم الصراع واتساع رقعته وامتداد فترته الزمنية.
ثلاثة سيناريوهات
وعرضت الوكالة 3 سيناريوهات أكثرها حدّةً يُقدِّر بلوغ الخسائر الإجمالية للإيرادات السياحية في الدول الثلاث 16.1 مليار دولار.
وذكرت أن البلدان المجاورة مباشرة لإسرائيل وغزة هي أكثر عرضة لتباطؤ السياحة التي تساهم بنسبة 12 – 26 في المائة من إيرادات الحساب الجاري، مما يحقق دخلاً من العملات الأجنبية فضلاً عن خلق فرص للعمل. وقد ارتفعت إيرادات السياحة خلال النصف الأول من عام 2023 بأكثر من 50 في المائة في الأردن و30 في المائة في مصر. وفي لبنان، ارتفع عدد السياح بنسبة 33 في المائة في الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى أغسطس (آب). كما يوفر القطاع السياحي فرص عمل لنحو 20 في المائة من السكان في هذه، فضلاً عن أنه قطاع مهم نظراً لارتفاع معدلات البطالة في هذه البلدان.
مصر ولبنان والأردن
ويُعد لبنان الأكثر اعتماداً على قطاع السياحة بين هذه الدول، حيث يمثل 26 في المائة من إيرادات الحساب الجاري. وهذا يعرضه لتراجع في النمو الاقتصادي والأرصدة الخارجية بسبب انخفاض عدد السياح. وفي حال انخفضت عائدات السياحة بنسبة 10 إلى 30 في المائة، فإن الخسارة المباشرة في الناتج الاقتصادي يمكن أن تصل إلى 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا يمثل ضربة كبيرة للاقتصاد الذي يعاني من أزمة خانقة وفراغ سياسي، يجعلانه غير قادر على تحمل التخلي عن تدفقات العملات الأجنبية المهمة من السياحة. وفي الأردن، ستتم خسارة ما بين 0.6 إلى 4 مليارات دولار إذا خسرت عائدات السياحة ما بين 10 إلى 70 في المائة من قيمتها.
أما مصر، فهي في وضع أكثر عرضة للخطر من الأردن على الرغم من انخفاض التركيز الاقتصادي في قطاع السياحة، وذلك لأن نقص الإيرادات سيؤثر بشكل أكبر على مركزها الخارجي في ظل الديون الخارجية الكبيرة المستحقة. إن خسارة إيرادات السياحة بنسبة تتراوح بين 10 – 30 في المائة يمكن أن تكلف البلاد ما بين 4 – 11 في المائة من احتياطيات القطع الأجنبي إذا تدخل البنك المركزي المصري في سوق صرف العملات الأجنبية. مع ذلك، من المتوقع أن يستمر المانحون متعددو الأطراف والثنائيون في دعم مصر والأردن، لأن عدم الاستقرار في هذين البلدين قد يمتد إلى باقي أرجاء المنطقة.
ومنذ بدء الحرب، أبلغ كثير من وكالات السياحة في مصر عن إلغاء نحو نصف الحجوزات لشهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول)، خاصة من المسافرين الأوروبيين. كما أوقفت شركات طيران مثل «لوفتهانزا» و«يورو وينغز» و«الخطوط الجوية الدولية السويسرية» رحلاتها إلى لبنان في منتصف أكتوبر (تشرين الأول)، وهناك اتجاهات مماثلة يمكن أن تظهر في قطاع السياحة في الأردن.
إسرائيل
تشرح «ستاندرد آند بورز» أن السياحة في إسرائيل تمثل أقل من 3 في المائة من إيرادات الحساب الجاري، وبالتالي فإن التأثير الاقتصادي المباشر سيكون محدوداً (حتى لو انخفض دخل السياحة بنسبة 70 في المائة وفقاً للسيناريو الثالث، فإن الخسارة ستعادل نحو 2 في المائة من احتياطيات إسرائيل الرسمية من القطع الأجنبي).
ومع ذلك، من المرجح أن يواجه الاقتصاد عواقب أكثر خطورة من الاضطرابات اللوجيستية وتوقف الأعمال وانخفاض القوى العاملة وتعليق إنتاج الغاز في حقل تمار وانخفاض الاستثمار.
كما توقعت الوكالة انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 5 في المائة على أساس سنوي في الربع الأخير من عام 2023، مما يؤدي إلى انخفاض النمو للعام بأكمله إلى 1.5 في المائة، فضلاً عن نمو بنسبة 0.5 في المائة لعام 2024.
نظرة أوسع على المنطقة
تمتلك تركيا والإمارات، على سبيل المثال، قطاعات سياحية كبيرة ومتنوعة يمكن أن تتأثر إلى حد ما بسبب إلغاء حجوزات الفنادق والفعاليات. لكن في الوقت الحالي لا تتوقع الوكالة أن يكون الانخفاض كبيراً، مشيرة إلى أن التأثير على تركيا سيكون على الأرجح ضئيلاً لأنها أبعد جغرافياً عن الصراع من الدول الأخرى. أما الإمارات فستكون محمية من التأثر إلى حد ما لأن تدفقات السياح تجاوزت بالفعل مستويات ما قبل الجائحة (11.1 مليون زائر في الفترة الممتدة من يناير إلى أغسطس، مقارنة بنحو 10.85 مليون زائر خلال الفترة نفسها من عام 2019.
أما بالنسبة لدول الخليج الأخرى، فإن معظم السياح يأتون من داخل الخليج، حيث إن نسبة كبيرة من السياح القادمين إلى السعودية والعراق هي لأغراض دينية وهم أقل عرضة للإلغاء.