أدى ارتفاع معدلات البطالة التي تسجّل نسبة 29.6% إستناداً الى مركز الإحصاء المركزي، وانخفاض قيمة العملة المحلية بنسبة 95%، والارتفاع الهائل في معدلات التضخم بنسبة متراكمة بلغت 5000% منذ بداية الازمة، وانخفاض متوسط الرواتب الى ثلث ما كانت عليه قبل انفجار الأزمة وحجز الودائع… الى شلّ قدرة شرائح من اللبنانيين على تلبية احتياجاتهم الأساسية ما أدى الى تفاقم نسب الفقر. مع الاشارة الى ان فقراء لبنان يتأقلمون مع اوضاعهم بانتظار شيء ما لا يأتي مثل: البدء بالاصلاح الاقتصادي والمالي، عودة الاقتصاد الى النمو وخلق فرص عمل، حل قضية الودائع، الحد من تفاقم اللامساواة في الدخل والفرص، مكافحة الفساد، انتظام عمل المؤسسات ودولة القانون، عودة الدولة الى ممارسة دورها لا سيما في الخدمات العامة… بيد ان ذلك الانتظار يبدو انه سيطول. فالازمة دخلت عامها الخامس من دون مؤشرات جدية على ان وعود الحلول تأخذ مجراها نحو التنفيذ. وصار الوضع اشبه بانتظار «غودو» نسبة الى مسرحية الكاتب الايرلندي صموئيل بيكيت التي تدور حول رجلين ينتظران شخصاً ثالثاً يدعى «غودو» لا يصل ابداً. في اثناء انتظارهما ينخرطان في مجموعة متنوعة من الحوارات العبثية ويقابلان 3 شخصيات اخرى تنتظر «غودو» ايضاً… وهذا الانتظار متعلق بالطبقة السياسية والطائفية الحاكمة التي تحول توازناتها الحساسة دون تحرك الفقراء معاً (من كل الطوائف) للضغط باتجاه تحسين الاوضاع. اذ لا يمكن انتظار ضغط من فقراء لبنان على المنظومة التي اعيد انتخابها علماً انها هي اساس ازمة البلاد وتقهقر اوضاع شرائح واسعة من السكان.
النسبة 55%
ورغم عدم وجود ارقام رسمية دقيقة عن تطوّر نسب الفقر في لبنان، أوضح الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين لـ»نداء الوطن» ان «نسبة الفقر في لبنان تبلغ نحو 55 في المئة وفقاً للمفهوم المرتبط بمدى القدرة على تأمين الحاجات الغذائية والأساسية. ولكن استناداً الى مفهوم الفقر المتعدد الابعاد تصبح النسبة 85 في المئة وفق البنك الدولي». لافتاً الى انه «لتحديد معيار الفقر في لبنان يتمّ الإعتماد على المفهوم المعروف الذي يقوم على عدم كفاية دخل الفرد لتوفير الغذاء، علماً أن الفرد الذي ليس لديه مدّخرات يعتبر فقيراً».
التوزع الطبقي
واستناداً الى تقارير صادرة عن الدولية للمعلومات، يتبين أن «تركيبة التوزّع الطبقي بعد الأزمة المالية في العام 2019، أصبحت كما يلي:
– طبقة الأغنياء: تشكّل نسبة 5% من اللبنانيين (لا تغيير عن السابق).
– الطبقة المتوسّطة: تشكّل نسبة 40% من اللبنانيين مقارنة مع 70% قبل بدء الأزمة.
– الطبقة الفقيرة: 30% يصنّفون ضمن خانة الفقراء مقارنة مع نسبة 15% في السابق.
– الطبقة دون خط الفقر: 25% اليوم يعيشون تحت خط الفقر مقارنة مع 10% في السابق.
وبذلك فإن الأثر الأكبر للأزمة المالية والإقتصادية أرخى بثقله بشكل كبير على الطبقة المتوسطة التي انخفض عدد المنتمين اليها بنسبة تزيد على 40%. وهي تقف على «شوار» باعتبار أنها بالكاد تكفي حاجاتها اليومية الغذائية والدراسية والتأمينية، وغير قادرة على الصمود أمام أي هزّة صحيّة أو دراسية مكلفة…
الفقر المتعدّد الأبعاد
يَقيس مؤشّر الفقر متعدد الأبعاد، الفقر من خلال 19 مؤشراً موزّعة على خمسة أبعاد وهي:
– التعليم: قياس معدلات الأمية والالتحاق بالمدارس.
– الصحة: قياس معدلات وفاة الأطفال دون سن الخامسة والوصول إلى الرعاية الصحية.
– الرفاه المالي: قياس مستوى الدخل ومستوى المعيشة.
– البنية التحتية الأساسية: قياس توفر الكهرباء والمياه والصرف الصحي.
– مستويات المعيشة: قياس توفر المسكن والمواد الغذائية والأدوات المنزلية.
أنواع الفقر
يمكن تقسيم الفقر في لبنان إلى نوعين رئيسيين:
– الفقر المالي أو النقدي: يُعرف بعدم قدرة الفرد أو الأسرة على الحصول على الحد الأدنى من الموارد المادية اللازمة لسدّ احتياجاته الأساسية من الغذاء والكساء والسكن والرعاية الصحية والتعليم.
وفي لبنان، يُقاس الفقر النقدي باستخدام عتبة الفقر، وهي الحد الأدنى للدخل الذي يحتاجه الفرد أو الأسرة لتلبية احتياجاتهما الأساسية. ووفقًا لبيانات البنك الدولي، فإن عتبة الفقر في لبنان للعام 2022 هي 100 دولار شهرياً للفرد الواحد، و240 دولاراً شهرياً للأسرة المكونة من أربعة أفراد.
العوامل المساهمة
هناك عدة عوامل تساهم في الفقر في لبنان منها:
– الأزمة الاقتصادية: تُعدّ من أهم العوامل المساهمة في الفقر. وأدت إلى انهيار العملة اللبنانية وانخفاض قيمة الأجور والرواتب، ونتج عن ذلك انخفاض قدرة السكان على تلبية احتياجاتهم الأساسية.
– الفساد: يُعتبر استشراء الفساد لدى المنظومة الحاكمة المتربّعة على رأس السلطة والمحاصصة أحد العوامل الرئيسية التي تساهم في الفقر في لبنان. فقد أدى الفساد إلى هدر الموارد العامة ومنع وصولها إلى الفئات الأكثر حاجة.
– عدم وجود عدالة اجتماعية: يعاني لبنان من عدم اعتماد مبدأ العدالة الاجتماعية، إذ تتركز الثروة في يد فئة صغيرة من السكان. يؤدي هذا الأمر إلى حرمان الفئات الأكثر فقراً من الفرص الاقتصادية والحصول على الخدمات الأساسية.
ماذا في 2023؟
خلال العام 2023 اجتاحت الدولرة غالبية القطاعات الإقتصادية في لبنان، واعتمدت الدولة منهجية زيادة عائداتها باستيفاء بعض الرسوم بسعر صرف الدولار الأميركي لتحقيق عائدات بالعملة الصعبة، كما شهدت السوق تصحيحاً بطيئاً لراتب القطاع الخاص. لكن يبقى الأجر ثلث ما كان عليه في فترة ما قبل الأزمة. أما تحويلات المغتربين فلا تزال تحافظ على قيمتها المرتفعة والتي تبلغ نحو 7 مليارات دولار، عدا النقد الذي يدخل الى لبنان عند تردّد المغتربين الى بلدهم الأم خلال فصل الصيف وفترة الأعياد. هذا الأمر حسّن النمو، من سلبي الى إيجابي بشكل طفيف جداً، فاعتاد اللبنانيون على هذا المستوى من «الضيق» وتأقلموا معه فـ»رغلجوا» وضعهم ولو بمستوى متدنّ مع استقرار سعر صرف الدولار خلال الاشهر القليلة الماضية، رغم استمرار تزايد كلفة المعيشة وارتفاع الأقساط المدرسية 4 اضعاف عن العام الماضي… الأمر الذي أدى الى فرملة تدهور نسبة الفقر. ويجزم بعض الخبراء بأن نسبة الفقر تباطأت في لبنان في حين أن آخرين يعتبرون أن الفقر لم يتراجع.
الفقر انخفض على مضض
الباحث الإحصائي عباس الطفيلي يرى في حديثه مع «نداء الوطن» أن «نسبة الفقر في لبنان انخفضت خصوصاً بعد تثبيت سعر صرف الدولار. وبقيت الطبقة الفقيرة تشمل موظفي الدولة الأكثر تضرّراً. علماً أن موظفي الإدارات العامة باتوا يعملون توازياً مع عملهم الأساس في وظائف أخرى، فحسنوا عائداتهم حتى أن البعض بات يعمل في السمسرة وتقاضي اتعاب على إنجاز معاملات تستغرق أشهراً بفترة زمنية قصيرة».
ويذكر انه مع تفاقم الازمة وارتفاع معدلات الفقر كان الحلّ الوحيد امام كثيرين هو الهجرة التي تسارعت، فبات جزء كبير من اللبنانيين يعتمد على تحويلات أبنائهم من الخارج لتأمين معيشتهم، علماً ان المؤسسات السياحية تعتمد على سياحة الإغتراب في المواسم لضمان استمراريتها وتحريك الدورة الإقتصادية.
تراجع التعليم
الى ذلك، لفت الطفيلي الى انه «من تأثيرات تفاقم الفقر، عدم قدرة العائلات على الإنفاق على تعليم اولادهم، وأدى هذا الأمر إستناداً الى تقرير اليونيفيل، الى توقف نسبة 15% او 16% من العائلات اللبنانية (وليس النازحين من الجنوب) عن إرسال أولادهم الى المدارس بسبب عدم قدرتهم على تسديد الأقساط المدرسية. وتبعات ذلك سنلمسها بعد 10 أو 15 سنة. اذ لن نستطيع أن نصدّر اليد العاملة الكفوءة الى الخارج. وهناك الآن من بات يعمل في الخليج براتب بقيمة 500 و 600 دولار». معتبراً أن «بعض التحسّن الذي تشهده البلاد سببه تحويلات المغتربين الذين يحرّكون الدورة الإقتصادية، ولكن رغم ذلك يبقى هذا الإنتعاش مصطنعاً». ووصف وضع البلاد بأنها عربة «تسير فعلياً من دون سائق، لا الحكومة ولا مصرف لبنان يلعبان الدور المنوط بهما».
يبقى الوضع متردّياً
بدوره كان للخبير الإقتصادي والمالي لويس حبيقة رأي مغاير اذ رأى رداً في حديث لـ «نداء الوطن» أن «الفقر في لبنان الى ارتفاع ولم ينخفض كمؤشّر عام. فإذا تمت قسمة الناتج المحلي الذي انخفض الى الثلث ولا يزال، على عدد السكان يتبيّن لنا أن وضعنا متردّ جداً، وتزامن مع هذا الأمر زيادة فجوة الدخل والثروة». موضحاً أن «هناك افراداً انعدم وضعهم المادي مقابل آخرين «ريّشوا» لأسباب عدّة معظمها مرتبطة بالفساد بالقطاعين العام والخاص. علماً ان الفقر في لبنان زاد استناداً الى المؤشر العام، فيما الناس نيام لا يتحركون لثقتهم بعدم جدوى التحرّك اعتراضاً على الوضع الراهن، وهذا الأمر مؤسف وأسوأ من الفقر، يتألم الفرد من دون أن يمتعض».
أما الفوضى السياسية، يتابع حبيقة، فتبرز في فراغ سدّة رئاسة الجمهورية وبالتالي لا حكومة، الأمر الذي يعيدنا الى الوراء، اعتدنا على «التعتير» والوجع. وضعنا يتراجع، ولو كنا سنشهد شيئاً من النمو، إلا أن عدد السكان ارتفع وعدد اللاجئين زاد أكثر، ما يعني أن وضعنا تراجع».
أما عن محاربة الفقر فتتمّ برأي حبيقة عبر «التعليم اذ إن الشعب المتعلّم يدلّ على وجود مستوى ثقافي تربوي مرتفع، ما يسهّل عملية النهوض بالبلد، فالعلم يؤهّل الفرد كي يكون منتجاً، وبالتالي يزيد النمو نتيجة تحريك عجلتي القطاعين العام والخاص».