عندما اعتمدت وزارة الصحة نظام التتبّع الإلكتروني (meditrack)، اقتصرت التجربة، في بدايتها، على أدوية الأمراض السرطانية والمستعصية، على أن يشمل النظام في المرحلة الثانية كل الأدوية، بما فيها غير المدعومة، مع مطلع العام المقبل. لكن لا يبدو أن الأمور ستسير بسلاسة، مع اعتراضات مجلس نقابة الصيادلة التي تقدّمت بدعوى أمام مجلس شورى الدولة لوقف تنفيذ قرار ربط الصيدليات بالنظام التتبّعي، خصوصاً في ما يتعلق بالأدوية غير المدعومة. وقد صدر قرار أول «لصالح النقابة»، بحسب النقيب جو سلوم، لكنه لم يصمد طويلاً مع إصدار قرار مناقض دفع النقابة للتقدم بدعوى أخرى «ولا نزال ننتظر الرد».في الفترة الفاصلة بين رد «الشورى» وقرب موعد دخول قرار وزارة الصحة حيّز التنفيذ، يتعمّق الخلاف حول جدوى الربط بين تيارين أساسيين: أول يقوده مجلس النقابة وآخر تقوده وزارة الصحة ويدعمه جزء من الصيادلة المقتنعين بأساس فكرة الربط. وقد كبرت المسافة بين التيارين إلى حدّ دعوة مجلس النقابة، أول من أمس، الصيادلة إلى الالتزام فقط بما هو معمول به حالياً من خلال الاكتفاء بتتبّع أدوية الأمراض السرطانية، «لكونها مدعومة ومن حق وزارة الصحة معرفة إلى من تذهب»، بحسب سلّوم، و«الامتناع عن كل أشكال الربط وعدم الدخول في برنامج meditrack على الأدوية المدعومة»، مستبقاً المرحلة المقبلة.
وزارة الصحة، من جهتها، ردّت على «الجهات التي يفترض أنها معنية بالتعاون مع الوزارة لتنفيذ هذا التتبّع»، وأكدت أنها ماضية في تنفيذ المرحلة الثانية من مسار تتبّع الدواء غير المدعوم «بمن حضر»، محمّلة المسؤولية للصيادلة المعترضين، واتهمتهم بأن رفضهم لتوسيع النظام وتتبّع الأدوية غير المدعومة «يهدف إلى الإبقاء على السوق السوداء لجني أرباح غير مشروعة».
الردود المتبادلة
في الأسباب الموجبة للتطبيق، تضع وزارة الصحة في سلّم أولوياتها موضوع التنظيم، إذ يسهم الربط في التأكد من أن الدواء يصل إلى المرضى المستحقّين بما يضع «حداً للتهريب والاحتكار والتخزين وكل أشكال المتاجرة بالدواء». كما يهدف إلى «ضبط الفاتورة الدوائية وبشكل موازٍ ضمان عدم انقطاع الأدوية من السوق، سواء المدعومة وغير المدعومة، وتوفيرها بشكل مستدام بالسعر المحدّد من قبل الوزارة بما يمنع استغلال المريض ويضمن جعالة الصيدلي». وهذا يفترض، بحسب الآلية، أن تمرّ كل الأدوية عبر قناة الوزارة، بحيث يكون واضحاً لديها ما الذي دخل وكيف صُرف.
لكن، على ما يبدو، لا تتطابق حسابات الوزارة مع ما يراه الصيادلة المعترضون الذين يتذرّعون بتجربة «غير مشجّعة» للمرحلة الأولى من النظام التتبّعي، بحسب سلوم، لأنه يشجّع على التهريب وليس العكس. ويلفت إلى أن المرحلة السابقة لم تؤمّن الأدوية للمرضى كما هو مفترض «علماً أن عدد الأدوية لا يتخطى المئة دواء، فكيف الحال مع عشرات آلاف الأدوية اليوم؟». وإلى ذلك، هناك مشكلة أخرى تتعلق بكلفة الدخول إلى النظام وتحديثاته الدورية وصيانته، ما يرتّب أعباء على الصيادلة. وبحسب سلوم «يحتاج هذا الأمر إلى برنامج ومن ثم تجهيزه وصيانته في حال الأعطال، وتوفّر خدمة إنترنت بشكل دائم، وهو ما يستحيل في الكثير من المناطق النائية». لذلك، كان القرار «بعدم الالتحاق»، مشيراً إلى أن تهديد وزارة الصحة بالبدء بمن حضر ومنع الصيدليات غير الملتزمة من العمل «يهدّد 3400 صيدلية بالإقفال كما يهدد حياة المرضى، فيما الأولى ملاحقة بملف تهريب الأدوية الذي يغطي بين 30% و40% من السوق».
الردود المتبادلة أدّت إلى تعميق الشرخ بين الطرفين، ودفعت التباينات وزارة الصحة إلى نبش «الخمير والفطير»، فاستغلّت ردّها على الصيادلة لتشريح الواقع الفوضوي الذي خلّفه سوء الرقابة في سوق الدواء (والذي للمفارقة تتحمّل مسؤوليته هي قبل أي أحدٍ آخر). وكان لافتاً في الرد استعراض الوزارة بعضاً من الواقع الحاصل في بعض الصيدليات، حيث تتطرّق إلى لائحة شكاوى «تتلقّاها يومياً عن رفض صيادلة بيع دواء غير مدعوم بالسعر المحدد من الوزارة بذريعة أنه مقطوع ليعمدوا بعد ذلك إلى عرض الدواء نفسه وغالباً بسعر مضاعف مبرّرين بأنهم استوردوه بطرقهم الخاصة (…) وتذرّعهم بعدم امتلاكهم الأدوية الجينيسية (جينيريك) بهدف وضع المريض أمام خيار وحيد هو شراء أدوية البراند الأغلى سعراً وتحصيل أرباح إضافية