بعد سلسلة بيانات ومحاولات مطلبية من دون جدوى، أعلن موظفو الإدارة العامة الدخول بإضراب جديد عن العمل، إلى حين تلبية مطالبهم وتحسين رواتبهم. للوهلة الأولى، يثير قرار موظفي الإدارة العامة الاستغراب. فالزيادات لم يمض عليها بضعة أشهر، حين قررت الحكومة مضاعفة رواتبهم الأساسية 7 أضعاف بالإضافة إلى أنهم لا يتواجدون في مكاتبهم طيلة أيام الأسبوع.
ولكن في ظل الواقع الحالي لم يعد الحديث عن المطالب يشمل عموم موظفي القطاع العام. فالحكومة نجحت في شرذمة القطاعات والمؤسسات التي تندرج تحت سقف القطاع العام، ووزعت الحوافز والزيادة بـ”المفرق”. فحسّنت اوضاع موظفين دون سواهم، وقدّمت الحوافز لآخرين من دون تقديم أية حلول أو معالجات شاملة للقطاع العام بأكمله.
مماطلة الحكومة
بالأمس القريب أعلن المدراء في مديرية المالية العامة وتجمّع موظفي الإدارة العامة التوقف القسري عن العمل، إلى حين تحقيق مطالبهم ومساواتهم مع الغير، من حيث المخصصات والبدلات، وأولها إقرار المرسوم الموافق عليه من قبل مجلس الخدمة المدنية ومجلس شورى الدولة.
وهنا لا نتحدث عن عموم موظفي القطاع العام إنما عن قرابة 8000 موظف إداري فقط. فهؤلاء لم تشملهم أية حوافز أو زيادات على الرواتب، وتقتصر مداخيلهم على رواتبهم الأساس المضاعفة 7 مرات والتي تتراوح بين 200 دولار و400 دولار شهرياً. فالموظف من الدرجة الثانية، أي رئيس الدائرة يتقاضى ما يوازي 350 دولاراً شهرياً قبل اقتطاع الضريبة. أما ضريبة الدخل التي يخضع لها موظف القطاع العام الذي يتقاضى نحو 350 دولاراً، فتبلغ نسبتها 25 في المئة. بمعنى آخر يسدد الموظف الإداري ربع مدخوله، المتواضع أصلاً، ضريبة دخل.
تحذير الموظفين ودخولهم الإضراب لم يرق لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي قال اليوم في جلسة مجلس الوزراء إن الحكومة هي مَن أثار موضوع الحوافز وبدل الإنتاجية للموظفين، وطلبت من وزارة المال وضع دراسة بهذا الخصوص. وقال ميقاتي إن الحكومة باشرت التحضير لمرسومين، الأول يتعلق بموظفي الادارات العامة والمصالح المستقلة والمؤسسات العامة، والثاني يتعلق بالأجهزة الأمنية والعسكرية، وسيتم درسها من قبل اللجنة الوزارية الخاص بملف القطاع العام، بعد استطلاع رأي مجلس الشورى في نص المرسومين معاً. وأضاف: فور وصول رأي مجلس الشورى سأدعو اللجنة الوزارية إلى الاجتماع لعرض الموضوع، تمهيدا لعرضه على مجلس الوزراء، وبالتالي فان الضغط علينا بموضوع الاضراب من دون جدوى، بحسب حديث ميقاتي.
استنسابية الحكومة
حديث ميقاتي ومحاولة الظهور كالحريص على معيشة الموظفين لا يحاكي الواقع، على ما يقول مصدر إداري رفيع، فالحكومة نفسها تميّز بين الفئات وتتعمّد شرذمتهم. المؤسسات العامة تم التعامل مع مداخيلها وحصل موظفوها على حوافز رغم تواضعها. كذلك العاملين في القطاع التربوي واساتذة الجامعة اللبنانية والأجهزة الأمنية، لاسيما الجيش والأمن العام وموظفو أوجيرو والجسم القضائي، جميع هذه الفئات تمت تسوية أوضاعها بالحد الأدنى. أما الموظفون الإداريون الذين لا يزيد عددهم عن 8000 موظف، فلا يتقاضون سوى رواتبهم الهزيلة الخاضعة لضريبة الدخل بشطورها المجحفة.
ويقول الإداري، الذي يتقاضى راتباً لا يزيد عن 320 دولاراً، إن الموظف الإداري لا يطمح الى العودة الى الرواتب السابقة قبل الأزمة ولكن يطالب بمداخيل تكفي سد حاجاته الأساسية ليس أكثر. ويعلق في حديثه إلى “المدن” على حال الإدارات العامة أن عددا كبيراً من الموظفين ترك الوظيفة متسائلاً هل تحاول الحكومة دفع الباقين إلى السرقة او التخلي عن وظائفهم؟
وإذ يستنكر المصدر تلبية الحكومة بعضاً من مطالب القطاعات التي تمكنت من لي ذراعها، كالأساتذة الذين أغلقوا المدارس سنوات والقضاة الذين أغلقوا المحاكم وزجوا بالموقوفين بالنظارات، قائلاً نحن مع مطالب زملائنا لكننا لن نتهاون لتحقيق مطالبنا وإن كنا عاجزين عن لي ذراع الحكومة.
مع الإشارة إلى أن المساعدات والحوافز التي تصل إلى بعض القطاعات، فإنها تصلهم من خلال فتح اعتمادات من خارج الموازنة، أي انها نقداً من خارج الراتب فلا تخضع للضريبة بخلاف الرواتب المحولة عبر وزارة المال.