دخل دعم الدواء في لبنان أيامه الأخيرة، بعد اقتراب انتهاء المال المخصص للدعم، والذي حصلت عليه وزارة الصحة من أموال حقوق السحب الخاصة “sdr”، لندخل عندها في أزمة جديدة خصوصاً بالنسبة إلى أدوية الأمراض المزمنة، التي لا تزال مدعومة، والتي يسعى وزير الصحة فراس الأبيض لإبقائها كذلك رغم صعوبة النجاح بهذا الهدف، بسبب عدم توافر الأموال اللازمة في الخزينة العامة.
بعد غياب دور مراكز الدواء في وزارة الصحة، والتي كانت مقصد طالبي أدوية الأمراض المزمنة، وبروز دور اللجنة الطبية في وزارة الصحة التي تدرس الطلبات المقدمة إليها، وتُحيل المقبولين منها إلى الصيدليات للحصول على دواء مدعوم، عادت وزارة الصحة لتدرس -حسب مصادر مطلعة في الوزارة- فكرة شراء الأدوية وتوزيعها عبر المراكز. ولكن لتطبيق هذه الفكرة وغيرها لا بد من معرفة حاجة السوق اللبناني من جهة، وضمان تتبع الدواء، لمحاربة كل أنواع الهدر والفساد في هذا القطاع. ومن هنا يأتي تحريك ملف اعتماد نظام تتبع الدواء، والذي هو -وفق معلومات “المدن”- طلب أساسي من طلبات منظمة الصحة العالمية.
قرار ملزم والمهلة المتبقية شهر
في شهر آب الماضي أصدر وزير الصحة العامة فراس الأبيض قراراً حمل الرقم 988/ 1، يتعلق بوجوب تطبيق القرارات الوزارية ذات الصلة، والمتعلقة بنظام تتبع الأدوية، يُعلن فيه ضرورة تطبيق كل القرارات الحكومية المتصلة بهذا النظام، مع منح مهلة للمؤسسات الصحية والاستشفائية ومستودعات الأدوية والصيدليات، حتى 31 كانون الأول الجاري، لاتخاذ الإجراءات المطلوبة لتطبيق برنامج التتبع الدوائي، واعتماده في توزيع الدواء بشكل كامل ابتداء من اليوم الأول من العام الجديد.
وحسب مصادر الوزارة، فإن هذا النظام شرط أساسي لنجاح الوزارة بتخطي أزمة الدواء المقبلة، وهو لا يتعلق بهذه الأزمة وحسب بل هو السلاح الأول والأقوى بمواجهة “الفساد” في قطاع الدواء، ولكن في لبنان يحاولون تسييس كل مشروع، وتطييفه وإدخاله في لعبة المؤامرات، وجعله جزءاً من الصراع، ولكن في الحقيقة كل ذلك يأتي لمنع محاولة تطبيق أي إصلاح في أي مكان.
نقيب الصيادلة يحذّر
عند دخول القرار حيز التنفيذ بداية العام الجديد، وفي حال وجود مؤسسات صحية واستشفائية ومستودعات وصيدليات متعثرة أو ممتنعة عن تطبيق البرنامج، ستقوم وزارة الصحة بالطلب من شركات استيراد الدواء تعليق تسليم الأدوية إلى هذه المؤسسات، وتحيلها إلى دائرة التفتيش الصيدلي. وهذا ما يراه نقيب الصيادلة جو سلوم “مخالفاً للقانون والدستور” وسيؤدي إلى منع الدواء عن المرضى.
لا يقف سلوم بوجه اعتماد نظام تتبع الدواء بالمطلق، لكنه يحذر من فرض تطبيقه من دون توافر شروط أساسية لنجاح هذا المشروع. يقول سلوم في حديث لـ”المدن”: “نظام التتبع على أدوية السرطان المدعومة أمر إيجابي للغاية، شرط توافر العنصر البشري الكافي بوزارة الصحة، والآلية اللازمة لضمان تطبيق المشروع، وتوافر الأدوية، وعندها يكون المشروع إيجابياً، أما التتبع على الأدوية غير المدعومة مع “فلتان” قطاع الدواء المهرّب والمزوّر، ومع انتشار الصيدليات غير الشرعية مثل المرتضى وغيرها، وانتشار دكاكين الدواء، وبيع الأدوية عبر مواقع التواصل، فسيكون عندها هذا النظام ضربة قاضية للصيدليات الشرعية، وقطاع الدواء الشرعي”.
وفق سلوم، فإن الصيدليات التي عانت مادياً في فترة الدعم وعدم توافر الدواء، لا قدرة مالية لها للدخول في المشروع على صعيد التجهيز أو تكلفة الصيانة أو توافر الانترنت 24 على 24 خصوصاً بالمناطق الحدودية والنائية. ولكن هذه النقطة ترد عليها مصادر وزارة الصحة بالتأكيد على أن الوزارة جاهزة، وبالتعاون مع المؤسسات الدولية المانحة، لتقديم الدعم اللوجستي والتقني لمساعدة المؤسسات الصحية والصيدلانية على استخدام وتطبيق برنامج التتبع.
سرية معلومات المرضى والوصفة الموحدة
حسب سلوم فإن هناك خطراً إضافياً ينبغي التحذير منه. ففي حال تم اعتماد نظام التتبع، فما هو مصير معلومات المرضى التي ستصبح بمتناول أشخاص محددين، أو جهات معينة، داخلية أو خارجية، ومن يضمن عدم تسريبها، أو بيعها لشركات أدوية مثلاً. ويُشير سلوم إلى مشكلة أخرى قد تأتي بعد اعتماد هذا النظام، وهي “الوصفة الموحدة”. ففي حال اعتمادها ما هو مصير المرضى الذين لا يملكون القدرة على زيارة الطبيب؟