سركيس: مواد خطرة وأخرى مفخّخة في مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف

يؤكّد الخبير المالي والعضو السابق في لجنة الرقابة على المصارف جوزيف سركيس أن في مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف تتخلّى اللجنة الرقابة عن دورها لا سيّما في عمليات التقييم التي نصّ عليها المشروع. ويقول في حوار مع «نداء الوطن» إن هذا القانون لو أقرّ بالصيغة التي أحيلت الى مجلس الوزراء سيلغي جملة قوانين أخرى على جانب كبير من الأهمية على الصعيد المصرفي ما سيفتح الباب واسعاً أمام الكثير من الاجتهادات، مشيراً الى مادة مفخّخة تحمل في طياتها إمكان تصفية مصارف قبل الوصول الى بدء تنفيذ الإصلاح وتطبيق هذا القانون. وفي ما يلي نصّ الحوار:

من أعدّ مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف؟

الصيغة النهائية أرسلت من رئيسة لجنة الرقابة على المصارف مية الدباغ في أول تشرين الثاني 2023 الى نائب رئيس حكومة تصريف الأعمال الدكتور سعادة الشامي. إن إعداد هذا المشروع يعود الى رئيسة اللجنة ومديرية الشؤون القانونية في مصرف لبنان، بالإضافة الى سعادة الشامي وبالتعاون مع خبراء من صندوق النقد الدولي.

أرسلت مية الدباغ المشروع الى سعادة الشامي على أوراق غير مدموغة باسم لجنة الرقابة على المصارف. لماذا؟ إنه سؤال برسم أعضاء اللجنة، علماً أن رئيس اللجنة هو «أول بين متساوين في الصلاحيات». وبالتالي من المفترض إرسال المشروع من قبل مية الدباغ عن لجنة الرقابة (اي باسم رئيس وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف). في المقابل، يقول سعادة الشامي في كتاب إحالة المشروع الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء إن هذا المشروع معدّ من قبل لجنة الرقابة على المصارف ومصرف لبنان.

أنت تعتقد أن هذا المشروع غير جيد، لماذا؟

لنبدأ في المادة الأولى (مادة التعريفات) حيث لدينا مفهوم المودع الواحد غير المتوافق مع مبدأ العدالة، علماً أن الفقرة الأولى من المادة 38 تقول صراحة إن المصلحة العامة تبرّر أحكام هذا القانون… أرى أنه يجب اعتماد مبدأ المودع في الحساب وهذا أكثر عدالة. فإذا كان هناك حساب مشترك لزوج وزوجته فوق 200 ألف دولار، يجب أن يستفيد الإثنان بالمبلغ المضمون: أي 100 ألف دولار لكل واحد.

ماذا في الملاحظات أيضاً؟

الملاحظة الثانية تتعلّق بالمادة 37 من المشروع. في هذه المادة لا يبدأ تنفيذ الإصلاح المصرفي وسريان مفعول شروط الهيكلة إلا بعد إقرار قانون الانتظام المالي ومشروع قانون الكابيتال كونترول في مجلس النواب. لا يجوز الربط، فالأصح هو إعداد قانون لإعادة الهيكلة ونقطة على السطر، من دون ربطه بشرط إقرار قوانين أخرى.

هل يحلّ هذا القانون محل قوانين أخرى؟

إن أخطر مادة هي التي تحمل الرقم 38 والتي تنصّ على أن هذا القانون يطبّق حصراً في الحالات والأوضاع المذكورة في أحكامه. وتحل أحكامه مكان أحكام أي قوانين أو أنظمة أخرى تتعارض مع مضمونه مثل: قانون التجارة، قانون النقد والتسليف، قانون الموجبات والعقود، قانون 2/‏67، وقانون 28/‏67 والقانون رقم 110/‏91 الخاص بإصلاح الوضع المصرفي. إذاً، ألغى مشروع قانون إعادة الهيكلة جملة قوانين مهمة جداً ما يفتح الباب واسعاً لاجتهادات تبدأ ولا تنتهي. وبما أن مشروع القانون وفي الفقرة الأولى من المادة 38 ينصّ صراحة على أن المصلحة العامة تبرّر أحكام هذا القانون، فأين هي المصلحة العامة في إلغاء مجموعة من القوانين الموجودة؟؟ وربما نسي معدّو هذا المشروع الإشارة الى أن أحكامه تحلّ محل الدستور!

من ينفّذ الإصلاح؟

حدّد مشروع القانون هيئة مختصة لتنفيذ الإصلاح، لكنّه أعطاها حصانة قانونية مبرمة وغير مبرّرة. تلك الهيئة المختصّة بالإصلاح المصرفي والتي تنبثق من القانون (وهي مثل الهيئة المصرفية العليا القائمة حالياً) تضمّ الحاكم وأحد نواب الحاكم وقاضياً وأحد أعضاء لجنة الرقابة وممثلاً عن مؤسسة ضمان الودائع. أما في القانون 110/‏1991 فإن التصفية تقوم بها محكمة، وهذا أفضل من هذه اللجنة المختصة المحصّنة قانونياً على نحو غريب.

ماذا عن عمليات التقييم؟

المادة 10 من مشروع قانون الهيكلة المقترح تنصّ على قيام لجنة الرقابة على المصارف بتعيين مقيمين مستقلين لإجراء التقييم، أو الطلب من المصرف تعيين المقيم. أي أن اللجنة قد تترك للمصرف حرية الاختيار كأنه يقيم نفسه بنفسه، وهذا لا يجوز، ولا يجوز للجنة الرقابة التخلي عن دورها المنصوص عليه في القانون رقم 67/‏28 وبالأخص صلاحياتها المذكورة في المادة 134 من قانون النقد والتسليف.

وتنصّ المادة 9 من القانون 28/‏67 على أن مهمة اللجنة التحقّق من حسن تطبيق النظام المصرفي المنصوص عليه في الباب الثالث من قانون النقد والتسليف.

ماذا في الباب الثالث؟

هذا الباب يضمّ المواد من 121 الى المادة 191 ومن ضمنها المادة 134 التي تنص على أنه يعود تحديد الخسائر إلى تقدير لجنة الرقابة على المصارف. لكن المشروع المقترح لإعادة الهيكلة يتضمّن نقل هذه المهمة من لجنة الرقابة الى المقيم. وإذا عدنا الى القانون 28/‏67 نجد أنه إذا لم تقم اللجنة بمهماتها المحدّدة تطبق عليها أحكام المادة 19 من قانون النقد والتسليف التي تأتي على ذكر حالات الاستقالة أوالإقالة إذا تخلفت اللجنة عن القيام بواجباتها. إذاً، المشروع المقترح يمنح اللجنة حصانة ويسمح لها بالتخلي عن القيام بواجباتها المهنية، أي أنها تتنصل من مسؤولياتها. وأرى في ذلك مخالفات كبيرة.

ماذا لو لم تقم المصارف بما عليها القيام به وفق قانون إعادة الهيكلة؟

على هذا الصعيد هناك أيضاً مادة خطرة وهي المادة 40 التي تحدّد كيفية التعامل مع المصارف غير المتقيّدة بالمتطلبات الاحترازية الدنيا قبل نشر هذا القانون في الجريدة الرسمية. مثال: من ليست لديه نسبة سيولة خارجية 3% وليست لديه نسبة الملاءة المطلوبة، فهل يذهب حكماً الى التصفية، إذ ليس واضحاً في الصياغة مسألة ضم الشرطين مجتمعين.

وقبل عملية البدء بالتقييم الاستثنائي المذكورة في المادة 42 من هذا القانون، والمطبقة على جميع المصارف وفقاً للمادة 4 منه، يتعيّن على المصارف كافة أن تكون قد استوفت المطلوب منها على صعيدي الحدود الدنيا للسيولة والملاءة.

وعلى المصارف التي حدّدتها لجنة الرقابة على أنها غير متقيّدة بالمتطلبات أعلاه أن تعالج مخالفاتها عن طريق: ضخ أموال ضمن مهلة شهرين… وهذه مهلة قصيرة جداً. فمعظم المصارف حالياً غير متقيّدة أو ملتزمة بنسبة الـ3%، وهناك من هو ملتزم لكن ليس لديه الملاءة أو العكس… ماذا نفعل بكل هؤلاء؟ أنا أرى أن هذه المادة مفخّخة تحمل في طياتها إمكان تصفية مصارف قبل الوصول الى بدء تنفيذ الإصلاح وتطبيق هذا القانون.

كيف يأتي التقييم الإستثنائي للمصارف على تقييم الخسائر؟

في المادة 42 تخضع جميع المصارف ضمن نطاق هذا القانون للتقييم الاستثنائي. وهنا كما قلنا فإن لجنة الرقابة تكون قد تخلت عن دورها الى مقيم، وهذا خطأ. ويقول مشروع القانون إنه يتم تعيين المقيم ضمن مهلة شهرين على الأكثر من تاريخ نشر هذا القانون في الجريدة الرسمية، ويحدّد التقييم الاستثنائي القيمة الصافية لموجودات المصرف وحجم الخسائر الواجب تغطيتها من خلال أدوات إصلاح محددة في المادة 45 من هذا القانون. على أن تحتسب القيمة الصافية للموجودات على أساس التاريخ الذي تحدّده لجنة الرقابة، وتراعى معطيات وفرضيات مثل سعر صرف الليرة مقابل الدولار. وهذا خطأ برأيي، لأن التقييم يجب أن يكون بالدولار مباشرة. ففي ميزانية أي بنك هناك الليرة والدولار. الأهم هو الدولار، لأن موجودات البنوك الموظفة لدى مصرف لبنان هي بالدولار، الى جانب سندات اليوروبوندز التي لم تعد مشكلة كبيرة لأن البنوك تخلت عن معظمها إلى مؤسسات مالية دولية.

إن نسبة الخسارة المتوقّعة في مشروع القانون (المذكورة في التعميم الأساسي 44 لكن القانون يتجاهل ذكر ذلك) مقابل التوظيفات في سندات اليوروبوندز يحدّدها مصرف لبنان بالتنسيق مع وزارة المالية. فعند استكمال المفاوضات مع حاملي السندات تطبق نسبة الخسارة الفعلية. والسؤال هو: متى ستبدأ تلك المفاوضات؟ لا أحد يعرف، وقد تطول لسنوات! وعن الاقتطاع من السندات، فإن صندوق النقد يتحدث عن نسبة 75%، لكن ذلك رهن المفاوضات التي قد تفضي الى 50 أو 60%… من يعلم؟ لا أحد!

التعميم الأساسي 44 يذكر أن 75% هي نسبة الخسارة الائتمانية على توظيفات المصارف في سندات الحزينة اللبنانية بالعملات الأجنبية.

أما الخسائر على توظيفات المصارف بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان فقد ربطها مشروع إعادة الهيكلة بقانون إعادة التوازن للنظام المالي وخطة التعافي الحكومية…

…إذاً ما العمل بالخسائر؟

يجب تعديل التعميم الأساسي 44. وتحديداً الملحق رقم 6 الذي ينص على أن نسبة الخسارة الائتمانية المتوقعة (مؤونات) على توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان هي 1.89% فقط. ما يعني أن لا خسارة تذكر نظرياً، وعلى مصرف لبنان ردّ هذه الأموال الى البنوك، وهذا غير صحيح وغير منطقي وغير واقعي.

ما هي النسبة التي هي أقرب للواقع بالنسبة إلى خسائر توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان؟

إذا أخذنا ما بقي لدى مصرف لبنان من احتياطي بالإضافة الى مخزون الذهب (بالإضافة إلى مساهمات وعقارات)، يمكن تحديد النسبة بـ60% على سبيل المثال. وبذلك تسجل هذه الخسارة في ميزانيات المصارف كمؤونات. ثم نجري تقييماً لعقارات المصارف لإدخالها في الأموال الخاصة لتصبح لدينا أموال خاصة معدلة.

ما أريد قوله والتركيز عليه هو أنه يجب إجراء التقييم، تحديد الخسائر، إعادة تخمين العقارات وغيرها (في لجنة الرقابة دائرة خاصة للتخمينات)… ثم نحدد الأموال الخاصة المعدلة لكل مصرف. علماً أن موظفي اللجنة يتمتعون بكافة المؤهلات التي تسمح لهم بالقيام بهذا العمل. ثم تأتي الحكومة لتقرّر توزيع الخسائر بمشروع قانون يحوّل الى المجلس النيابي مثل تحديد: 40% على الدولة، 30% على مصرف لبنان، 25% على البنوك، و5% على المودع. عندئذ يستطيع صاحب البنك معرفة ما عليه على صعيد الرسملة. خلاف ذلك، فإن المصارف والمودعين يبقون في حالة ضبابية. إن تحميل 25% للمصارف (على سبيل المثال لا الحصر) يشجّعها على الاستمرار وتعبئة أموال أنا أقدّرها بنحو 15 الى 17 مليار دولار. وفق هذه المعادلة فإن من يستمرّ يستمرّ، ومن لا يقدر يخرج من السوق.

ويذكر أن المادة 174 من قانون النقد والتسليف تأتي على ذكر الملاءة المطلوبة والسيولة الواجب توفّرها وذلك بالتشاور بين مصرف لبنان وجمعية المصارف. ومفهوم التشاور يعني مشاركتهم الرأي وتحميلهم المسؤولية.

 

مصدرنداء الوطن
المادة السابقةقرار ديوان المحاسبة حول الـA2P خلال أيام
المقالة القادمةحميّة والحوت و”ميس” يتهربون من مسؤولياتهم عن غرق المطار!