كان يفترض أن يباشر الموظفون في الدوائر العقارية في جبل لبنان العمل يوم الإثنين الفائت، أو يوم الخميس الفائت في السابع من كانون الأول، أي عقب قرار إلحاق موظفين من مديريات المالية بمديريات العقارية، الذي صدر عن وزير المالية يوسف الخليل. لكن مر نحو عشرة أيام على القرار ولم تباشر العقاريات العمل. والسبب، أن مدير عام الشؤون العقارية جورج المعراوي لم يدعُ الموظفين لمباشرة العمل، وما زال يؤخرها. هذا رغم رغبة الوزير الخليل بضرورة إصدار الدعوة وإعادة العمل في العقاريات، التي ما زالت مقفلة مند نحو عام، عقب التوقيفات والملاحقات القضائية التي حصلت. إذ ما زال هناك نحو ستين شخصاً متوارياً عن الأنظار ولم يمثلوا أمام القضاء في ملف الفساد الذي فتح منذ سنة، والذي كانت نتيجته توقيف عشرات الموظفين، وإخلاء سبيل العديد منهم بكفالات مالية.
مصالح متعددة تؤجل انطلاق العمل
يبدو أن ضغوطاً تمارس لعدم الاستعجال في فتح أبواب العقاريات ومباشرة العمل فيها، لأسباب عدة، تقول مصادر مطلعة لـ”المدن”. فمن ناحية دعوة الموظفين لمباشرة العمل من شأنه إقفال ملف الموظفين المتوارين عن الأنظار. ففي حال عدم حضورهم يكونون في عداد المستقيلين، وبالتالي البعض لا يريد تطبيق القانون في العقاريات. ومن ناحية ثانية ثمة ضغوط من لوبيات مالية ومصرفية لإصدار قانون بشأن سعر الصرف الذي سيعتمد للرسوم العقارية التي تجبيها الدولة. فقبل موازنة العام 2023 كانت جميع الرسوم تستوفى على سعر 1500 ليرة للدولار، وباتت على سعر صيرفة، أي نحو 85 ألف ليرة. وفي ظل تكدس المعاملات، التي يقال أنها تزيد عن 75 ألف معاملة، يطمح اللوبي المصرفي العقاري والمالي تطبيق سعر صرف شبيه بالأسعار التي سددت قبل نهاية العام 2022 الفائت، أو اعتماد سعر صرف أقل من سعر صيرفة. هذا فضلاً عن وجود اعتراضات على الموظفين الذين ألحقوا من المالية إلى العقارية. فقد سبق وقرر الوزير الخليل إلحاق نحو عشرة موظفين في أمانة سجل الشوف، وتبين أن جميعهم من الطائفة الدرزية وحصلت اعتراضات من المسيحيين والسنّة. أما في قرار إلحاق الموظفين الذي صدر في السادس من الشهر الحالي، فالاعتراضات عليه هي حول وجود موظفين يدخلون سنّ التقاعد حالياً.
تأمين الموارد البشرية واللوجستية
وتشرح المصادر أنه عملاً بقرارات مجلس الوزراء، أوقف العمل بتطبيق مهلة الـ15 يوماً لناحية اعتبار الموظف المتغيب عن العمل مستقيلاً من الوظيفة، على موظفي العقارية، كما ينص قانون الموظفين. والسبب أن العقاريات أقفلت منذ سنة، وبعد التوقيفات تمنّع الموظفون عن الالتحاق بالعمل. والذريعة عدم وجود الأرضية اللوجستية كي يباشروا العمل، أي عدم وجود مبانٍ (بعضها مستأجر ويطالب أصحابها برفع رسم الاستئجار) ودعم تقني ولوجستي وكهرباء وانترنت. لكن بعد تهيئة الأرضية اللوجستية في العقاريات، وقرار إلحاق الموظفين من المالية، كان يفترض أن يدعو المعراوي الموظفين لمباشرة عملهم. ويصار إلى تطبيق قانون الموظفين على موظفي العقاريات، أي الانتظار لمدة 15 يوماً، ومن لا يحضر خلال هذه الفترة يكون بعداد المستقيلين من العمل. وما هو حاصل عملياً، بعدم الدعوة لمباشرة العمل، بمثابة تمديد مهلة الـ15 يوماً. وهذا أمر مستغرب، ومفاده تأجيل تطبيق قانون الموظفين على المتغيبين، ويخالف رغبة الوزير الخليل بمباشرة العمل في العقاريات.
غربلة الموظفين
وتضيف المصادر، أن الحجة السابقة بعدم فتح أبواب العقاريات هي عدم توفر موظفين بعد التوقيفات، ورفض الموظفين الحضور إلى العمل اعتراضاً على الملاحقات القضائية بحق زملائهم. لكن عدد الموظفين الذين ألحقوا من المالية، حتى لو تمنع بعضهم، يكفون لتسيير العمل. وأهمية دعوة الموظفين لمباشرة العمل تكمن في “غربلة” الموظفين في العقاريات. فهناك العديد من الموظفين في حال حضروا إلى العمل سيلقى القبض عليهم لأنهم بعداد المتوارين عن الأنظار. وعدم التحاقهم بالعمل يجعلهم بعداد المستقيلين من الوظيفة. لكن “البعض” يؤجل هذا الإجراء، خدمة للمتوارين.
ووفق المصادر، كان يفترض مباشرة العمل في العقاريات لمدة نحو شهر، من دون استقبال طلبات جديدة، والعمل على المعاملات المكدسة. وخلال هذه المدة يعرف عديد الموظفين المتبقين (بعد اعتبار المتغيب مستقيلاً) ليصار إلى تأمين موظفين آخرين، وفتح أبواب العقاريات بعدها لاستقبال المواطنين والطلبات الجديدة. ففي الوقت الحالي يستعد وزير المالية لإلحاق دفعة جديدة من الموظفين، يتم تدريبهم، بعد عطلة الأعياد. لكن “البعض” لا يريد أن ينطلق العمل في العقاريات ليس لهذا السبب المتعلق “بغربلة الموظفين”، بل ثمة ضغوط لإصدار قانون يحدد سعر صرف خاص للدولار بالرسوم العقارية للطلابات السابقة، أو تمديد المهل للطلبات التي قدمت بعد 15 تشرين الثاني من العام 2022 (الطلبات العالقة قبل هذا التاريخ تسدد على سعر صرف 1500 ليرة).